هل يندم آرسنال على رحيل نجمه رامزي ليوفنتوس من دون مقابل؟

دائما ما تكون فترات انتقالات اللاعبين حافلة بالمغامرات والفرص والقرارات الكبيرة، وقد مر وقت طويل للغاية منذ أن كان النجم الويلزي آرون رامزي في خضم هذه الأمور، لأن آخر مرة انتقل فيها من ناد إلى آخر كانت وهو في السابعة عشرة من عمره عندما انضم إلى آرسنال.
وكان رامزي في تلك الفترة مجرد فتى صغير ينظر إلى عالم كرة القدم الواسع من أمامه بعد ظهوره المميز في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي مع نادي كارديف ويبحث عن تحد جديد في عالم الساحرة المستديرة.
ومن الإنصاف القول بأنه مع مرور السنوات فإن الأمور قد تعقدت كثيرا في نادي آرسنال، الذي انضم إليه رامزي بعد فترة وجيزة من الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز من دون أي خسارة والوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا والانتقال إلى ملعب أكثر فخامة وقوة، في ظل أحلام بالفوز بالمزيد من البطولات والألقاب مع أفضل اللاعبين الشباب الذين يتعاقد معهم النادي.
لكن سنواته الأولى في آرسنال مرت من دون الحصول على أي بطولة، وحتى بطولات كأس الاتحاد الإنجليزي التي حصل عليها النادي في وقت لاحق جاءت في أوقات واجه فيها النادي صعوبات كبيرة خلال السنوات الأخيرة للمدير الفني الفرنسي آرسين فينغر مع الفريق. ورغم كل هذه الضغوط، كان رامزي يقدم أداء ثابتا ويلعب بطريقته الخاصة ويعمل بكل قوة ويشعر بسعادة غامرة وهو يقطع الكرات في منتصف الملعب وينطلق بها إلى مناطق الخطورة في مناطق جزاء الفرق المنافسة.
ومنذ اليوم الأول لانتقاله إلى المدفعجية، ظهر المعدن الأصيل للاعب الويلزي، الذي ينتهي عقده مع آرسنال بنهاية الموسم الجاري ويحق له الانتقال لأي ناد في صفقة انتقال حر، ومن المرجح أن تكون وجهته المقبلة هي يوفنتوس الإيطالي في ظل التقارير التي تشير إلى اقتراب الصفقة. تألق رامزي في أول مباراة له مع آرسنال والتي كانت مباراة ودية استعدادا لانطلاق موسم 2008-2009 وقدم لمحات فنية ومهارية رائعة أظهرت أنه لاعب من الطراز الرفيع. ولعل أهم شيء يميز رامزي هو أنه دائما ما كان ملتزما بتقديم فنون كرة القدم من أجل كرة القدم نفسها، سواء كان ذلك هو الوقت المناسب أم لا، وسواء كانت الخطوة التي سيتخذها هي الأكثر فعالية أم لا، وسواء كان قراره محفوفا بالمخاطر أم لا.
ويُحسب لفينغر برؤيته الثاقبة أنه كان أول من اكتشف رامزي ووجه الدعوة له ولعائلته للقدوم إلى سويسرا بينما كان يلعب مع منتخب بلاده في كأس الأمم الأوروبية عام 2008 لإقناعه بالانتقال إلى آرسنال. ودعونا نقل إن رامزي ربما لم يقدم كل المنتظر منه في آرسنال، ربما بسبب التزامه الدائم بتقديم كرة قدم جميلة وممتعة بغض النظر عن أي شيء آخر، وهو الأمر الذي ربما يكون نقطة قوته الأكبر ونقطة ضعفه الأبرز في نفس الوقت. ومن هنا بدأت مهمة استغلال مهارات اللاعب الويلزي الشاب ودمجها مع الفريق للحصول على أقصى استفادة ممكنة.
وفي موسمه الثاني مع المدفعجية، تطور أداء رامزي بشكل لافت للأنظار قبل أن يتعرض لإصابة مروعة في مباراة فريقه أمام ستوك سيتي إثر تدخل عنيف من قبل ريان شوكروس. وكانت إصابته بكسر مضاعف في ساقه اليمنى إحدى اللحظات الفارقة في مسيرته الكروية، خاصة أنها جاءت بعد إصابة لاعبي الفريق أبو ديابي وإدواردو بإصابات مشابهة بسبب تدخلات عنيفة أيضا. وكان السؤال المثار بقوة في هذه اللحظة هو: هل سينجح رامزي في التعافي من تلك الإصابة الخطيرة التي ما زال يعاني منها زملاء له في الفريق؟
وكان لما حدث تداعيات كثيرة، ليس أقلها «الخصومة» الغريبة التي نشأت بين ستوك سيتي وآرسنال بعد ذلك، لكن رامزي كان يتعرض لصافرات الاستهجان كلما لعب في نفس الملعب. ونظرا لأن اللاعب الويلزي هادئ الطباع ولا يبحث عن الاهتمام وجذب الأنظار فإن هذه الأجواء المتوترة لم تكن جيدة بالنسبة له على الإطلاق.
ولحسن حظ رامزي، فإنه نجح في التغلب على تلك الإصابة تماما وعاد للملاعب بكل قوة وقدم مستويات لا تزال حاضرة في الأذهان، ويكفي أنه هو من أحرز هدفي الفوز لآرسنال على ملعب ويمبلي في المباراتين النهائيتين لكأس الاتحاد الإنجليزي عامي 2014 و2017، ومع منتخب ويلز، شعر رامزي بفرحة المنافسة الدولية، وقدم مردودا استثنائيا مع منتخب بلاده في نهائيات كأس الأمم الأوروبية عام 2016 بفرنسا.
والآن، يستعد النجم الويلزي لخطوة جديدة في مسيرته الكروية، لكن هذه المرة بالرحيل عن آرسنال. ولا يزال رامزي شخصا هادئا لا يهتم كثيرا بالأضواء من حوله، فهو محب لقضاء أكبر وقت ممكن مع أفراد عائلته وأصدقائه المقربين والاستماع إلى الموسيقى. وخلال النصف موسم الذي لعبه حتى الآن في آرسنال تحت قيادة المدير الفني الإسباني أوناي إيمري، كان رامزي مثالا للاعب المحترف الذي لا يدخر أي جهد لمساعدة فريقه حتى لو كان على خلاف مع مدربه وفي طريقه للرحيل. وبمجرد أن فشلت مفاوضات تمديد عقده مع آرسنال، قرر إيمري إبعاده عن التشكيلة الأساسية وإبقاءه على مقاعد البدلاء، لكن رامزي لم يقل أي شيء وظل يعمل بكل قوة واحترافية في ظل استعداده الدائم لمساعدة الفريق في حال استدعائه من على مقاعد البدلاء.
والآن، يخسر آرسنال أكثر لاعب خط وسط سجل أهدافا في تاريخ النادي من دون أي مقابل مادي، في نتيجة مباشرة للسياسات التي كان يتبعها الرئيس التنفيذي السابق للنادي إيفان غازيديس والتي كانت تعتمد على تقليل رواتب بعض اللاعبين من أجل منح أموال طائلة للاعبين آخرين. ودائما ما كان رامزي يقدم أفضل مستوياته عندما يلعب بحرية داخل المستطيل الأخضر بعيدا عن الالتزام بواجبات مركز معين، وهو الأمر الذي لم يرق لإيمري لدى توليه مسؤولية الفريق رغم تأكيده على أهمية بقاء النجم الويلزي مع المدفعجية.
والآن، أصبح يتعين على آرسنال أن يتحرك بقوة في سوق الانتقالات من أجل التعاقد مع لاعب بارز وقادر على تعويض رحيل رامزي، سواء من حيث الأهداف التي كان يسجلها أو التمريرات الحاسمة التي كان يقدمها لزملائه، بل يمكن القول بأن النادي قد بات مطالبا الآن بتغيير سياسته تماما فيما يتعلق بانتقالات اللاعبين والتعاقدات الجديدة.
وكما يعرف رامزي من صيف عام 2008 الذي انضم خلاله لآرسنال، فإن انتقال اللاعب من ناد لآخر ربما يجب أن يعتمد بصورة أكبر على الأمل والطموحات وليس على التوقعات، حيث وصل رامزي إلى آرسنال خلال فترة انتقالات شهدت أيضا مجيء حارس المرمى البولندي فويتشيك تشيسني إلى فريق الشباب بالنادي، كما تعاقد النادي في ذلك الوقت مع النجم الفرنسي سمير نصري، الذي كان في الحادية والعشرين من عمره، بسبب مهاراته الكبيرة. وربما يتذكر قليلون اللاعب أماوري بيشوف، الذي تعاقد معه النادي بمقابل مادي زهيد وكان يعتقد أنه سيكون استثمارا كبيرا على المدى الطويل، وكذلك اللاعب الفرنسي المخضرم مايكل سيلفستر، الذي ضمه الفريق بعدما رأى المدير الفني الأسطوري لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرغسون بأن الوقت قد حان للتخلي عن خدماته. ويعني كل ذلك أن آرسنال بات في حاجة ملحة لتغيير سياسته في سوق انتقالات اللاعبين إذا كان يريد أن يعوض لاعبا بقدرات وإمكانات آرون رامزي.