افتتاحيات الصحف ومقالات الرأي... ضوابط وتحديات

تكشف صحف الماضي، من خلال صفحات الرأي والافتتاحيات الدورية، مواقف الإعلام من قضايا عامة من ناحية، وأسلوب التفكير السائد في حقبات سابقة من ناحية أخرى. وتوضح صحف نيوزيلندية من نهايات القرن التاسع عشر، وبالتحديد في عام 1893، هذه الحقيقة بنصيحة إلى سيدات هذا العصر بالبقاء في المطابخ وعدم الانخراط في الشؤون السياسية.
وعلى الصعيد العربي في العقود الماضية، كان الرأي الأوحد هو السائد في بعض الصحف العربية، وكان أبرزها على سبيل المثال ما يكتبه محمد حسنين هيكل في «الأهرام» تحت عنوان «بصراحة». واستمرت الصحيفة بعده في نشر الرأي الواحد لرئيس تحريرها، ولكن أهمية هذه الآراء الواحدة تلاشت مع الزمن.
من الملاحظات الحيوية، أن صحافة الرأي في الصحف المؤثرة لم تستطع وسائل الإعلام الإلكترونية من تلفزيون أو راديو أو مواقع على الإنترنت أن تنافس فيها بنجاح. وما زالت افتتاحيات الصحف هي الأسس التي يبنى عليه الرأي العام المستنير في الكثير من الدول.
وانتقل تقليد نشر الآراء المختلفة إلى الصحف العربية، وأصبحت قراءة الآراء المختلفة من الأمور المعتادة في الصحف. وهناك فارق تقني صغير بين الافتتاحية أو كلمة رئيس التحرير وبين صفحات الرأي التي تنشر آراء مختلفة للكثير من الكتاب. فكلمة الصحيفة، أو الافتتاحية، بالإضافة إلى كلمة رئيس التحرير، يعبران تماماً عن رأي الصحيفة وجهازها التحريري. وهي تسمى إنجليزياً (Editorial). أما كتابة الرأي، فكل كلمة تعبر عن كاتبها وليس بالضرورة عن رأس المطبوعة التي تنشرها، وهذه لها أيضاً تسمية مختلفة هي (Op - ed).
ونشأت كتابة الرأي الذي يعبر عن صاحبه في عشرينات القرن العشرين في صحيفة «نيويورك ايفنينغ وورلد»، ورصد لها رئيس التحرير آنذاك هربرت بايارد الصفحة المقابلة لرأي الصحيفة، والتي كانت تنشر مراجعات للكتب والوفيات. وتأسس هذا النوع من الرأي في عام 1970 في صحيفة «نيويورك تايمز» في عهد رئيس التحرير جون أوكس.
وبعد احتجاجات من مجموعة من الصحافيين حول عدم شفافية ارتباطات كتاب الرأي بجماعات الضغط السياسي أو الشركات العملاقة، بدأت الصحف تنشر أسماء وصور كتاب الرأي، وأحيانا نبذة عن تخصصاتهم وأعمالهم.
وتعبر افتتاحيات الصحف (والمجلات) عما تعتبره الرأي القاطع في قضايا معينة وتختلف الصحف في تفسيرها للأحداث في الغرب وفقاً لموقفها السياسي من الحكومة أو المعارضة وبين اليمين أو اليسار. وهناك بعض الافتتاحيات التي تشتهر في بلدانها بأنها تشكل الرأي العام مثل افتتاحية «نيويورك تايمز» الأميركية وافتتاحية «التايمز» البريطانية. ويتفق مجلس تحرير هذه الصحف على القضايا التي تستحق التعليق عليها وتعريف القارئ بموقف صحيفته منها.
وتنشر الافتتاحيات وكلمة رئيس التحرير في صفحات الرأي، بالإضافة إلى آراء أخرى أو بريد القراء أو الكاريكاتير اليومي. ولكن في بعض القضايا الحيوية تنشر هذه الافتتاحيات في الصفحات الأولى. ومن المعتاد أن تنشر افتتاحيات الصحف الأوروبية في الصفحات الأولى خصوصا في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وتكون الافتتاحيات في العادة بلا توقيع.
وتقليد عدم توقيع الافتتاحية له عدة أهداف، فهو للتعبير عن رأي المطبوعة، ويركز على القضية التي يتم عرضها وليس على كاتبها. وقد يكتب رئيس التحرير أو محرر مخضرم من الصحيفة هذه الافتتاحية، ولكن في نهاية المطاف فإن رئيس التحرير هو المسؤول عنها.
وهناك أيضاً كتابة العمود اليومي أو الأسبوعي أو الشهري، وهو تعبير عن رأي الكاتب وينشر في العادة تحت اسمه وصورته. وهو يختلف عن الرأي في أنه دوري ومحدد في مساحته ويكتبه محرر واحد (أو محررة). ويناقش العمود قضايا مختلفة من تعليق على الأخبار إلى تناول قضايا معينة أحياناً بلا إبداء رأي واضح فيها. ويمكن للكاتب أن يتناول أكثر من قضية في العمود الواحد.
من القواعد المعروفة لممارسة الصحافة عدم خلط الأخبار والرأي. ولكل من الجانبين أيضاً قواعد وشروط. وتنشر بعض المؤسسات الصحافية كتيبات فيها القواعد المتعامل بها داخل المؤسسة بداية من أسلوب الكتابة وحتى قواعد العمل لكتّاب الرأي.
من نماذج هذه الكتيبات ما نشرته مؤسسة «سكاي نيوز» في 32 صفحة لكتّاب الرأي لديها. وتشرح المؤسسة في الكتيب موقف القانون من قضايا النشر وما يعرف بالصالح العام. وهي تنصح كاتب الرأي لديها بالانتباه لقضايا التشهير والذم واقتحام الخصوصيات أو احتقار الأشخاص. وتحذر المؤسسة من التعدي على حقوق النشر لآخرين وضرورة التزام العدالة والحياد والدقة في الكتابة، وقواعد الكتابة في الأوقات الحساسة مثل أوقات الانتخابات والاستفتاءات. كما يجب أيضاً الابتعاد عن شبهات الرشوة أو تأثير المصالح التجارية، وعدم تلقي مدفوعات من أي طرف آخر. وهناك جانب آخر له أهمية وهي المحافظة على خصوصيات الأطفال القصر وحماية مصالحهم.
وتضيف «سكاي نيوز» أنه يجب على المحررين في تغطية موضوعاتهم الالتزام بتسجيل الحوارات، أو كتابة ملاحظات أثناء جمع المعلومات، والدقة في وصف الأحداث، والاهتمام بالتواصل الاجتماعي وبالمظهر الشخصي.
في حقبات ماضية كان القارئ ينتظر صحيفته المفضلة لكي يعرف منها أخبار الدنيا. ثم دخلت الإذاعة وبعدها التلفزيون إلى مجال بث الأخبار، فتحول دور الصحف تدريجياً إلى تحليل الأخبار والتعليق عليها وإبداء الرأي في القضايا العامة.
وأخيراً اقتحمت وسائل التواصل الاجتماعي المشهد الإعلامي وسبقت التلفزيون والإذاعة في بث الأخبار فورياً وبالفيديو ومن موقع الحدث من جماهير المتابعين. وفي عصر التواصل الاجتماعي تحولت دورة الأخبار إلى عملية على مدار الساعة، وتعزز موقف الصحف كمصدر للتعليق والرأي والكتابة المحترفة لنخبة القراء.
باتت مواكبة الأحداث فور وقوعها من أولويات العمل على المواقع الإلكترونية على مدار الساعة. وامتد التأثير أيضاً لكتابة الرأي التي أضحت تواكب الحدث بعد ساعات من وقوعه، وتعلق على القضايا وفق أحدث تطوراتها. ويتفاعل الكثير من كتاب الصحيفة مع وسائل التواصل الاجتماعي مباشرة عبر نشر الآراء عليها وتلقي تعليقات القراء. وتوفر الصحيفة للقراء فرص التعليق على آراء الكتّاب والأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً من مواقع «تويتر» و«فيسبوك». وهذه النوافذ الإلكترونية المفتوحة على القراء تتوسع ويزداد نفوذها مع مرور الزمن. ويتبع كتاب الرأي عن كثب وسائل التواصل الاجتماعي لاكتشاف القضايا التي تهم الرأي العام لتناولها.