ألمانيا قلقة من الاستثمارات الصينية على أراضيها

تُقدّر الاستثمارات الصينية في العالم بتريليونات الدولارات، وتتحرك وفق خطط استراتيجية تهندسها حكومة بكين اعتماداً على احتياجاتها الخارجية. وبناء عليه، قررت ألمانيا أن تكون عمليات شراء شركاتها الاستراتيجية من قبل المستثمرين غير الأوروبيين أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
ولم تنجح حكومة برلين في إخفاء قلقها إزاء الاستثمارات الصينية في قطاعات وطنية حسّاسة، مثل الاتصالات والدفاع والطاقة والنقل والإعلام. وفي الآونة الأخير أقرّ البرلمان الألماني مشروع قانون يرمي إلى تعزيز آلية المراقبة الصناعية، وتوطيد نفوذ السلطات المحلية في إبطال أي عملية شراء أجنبية تجارية من شأنها تعريض المصالح الألمانية للخطر.
وتقول بيلغي أباك، الخبيرة في وزارة الاقتصاد الألماني، إن أي عملية استحواذ لأكثر من 10 في المائة من أسهم الشركات الألمانية، المعروضة للبيع، من قِبَل أي شركة أو مجموعة تجارية خارج دول الاتحاد الأوروبي تتطلب موافقة حكومة برلين مباشرة. وتضيف أن سقف استحواذ أسهم الشركات الألمانية من قبل المستثمرين الأجانب كان يرسو سابقاً على 25 في المائة، وحاول بعض النوّاب الألمان خلال جلسة تشريع القانون الجديد تثبيت هذا السقف على 15 في المائة لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
وتستطرد الخبيرة بالقول: «تحذو دول أخرى حذو ألمانيا، وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وكندا، عن طريق توطيد آليات مراقبة عمليات شراء شركاتها الوطنية. وفضلاً عن خسارة أصول صناعية استراتيجية وطنية، تخشى ألمانيا كما أن يلجأ المشترون إلى نقل التكنولوجيا إلى وطنهم الأم، وبالتالي، اختراق أسرار تكنولوجية وصناعية حساسة تخولهم بسهولة الانتقال من موقع المشتري إلى مكانة المنافس الذي قام بتعديل هذه الأسرار، وفق احتياجاته التجارية الدولية الخبيثة». وتختم القول: «وضعت ألمانيا أمامها معضلة التوغُّل التجاري الصيني الشرس داخل بنيتها التحتية الصناعية عقب عملية الاستحواذ المدوية لمنتجة الروبوتات الصناعية الألمانية (كوكا)، من قبل عملاق الأدوات الكهربائية المنزلية الصينية (ميديا)، في عام 2016».
ومع أن شركة «كوكا» الألمانية كانت رائدة في صناعة الروبوتات، فإن حكومة برلين لم تستطع التشبث بعرض شراء أفضل من العرض الصيني. وبهذا نجحت «ميديا» الصينية في الاستحواذ الكامل على أسهم «كوكا» مقابل 4.5 مليار يورو، شرط عدم نقل الحقوق الفكرية إلى الصين، من جهة، وعدم تسريح أي موظف على الأراضي الألمانية حتى العام 2021، من جهة ثانية.
كان وزير الاقتصاد الألماني بيتر التماير، قد أكد على أن حكومة بلاده عمدت على تغيير طرق تفاعلها مع الحقائق التجارية الجديدة في أعقاب سقوط شركة «كوكا» في أيدي الصينيين. ففي شهر يوليو (تموز) الماضي، قام بنك الائتمان لإعادة التنمية الألماني، المملوك للحكومة الألمانية ومقره مدينة فرانكفورت، بشراء 20 في المائة من أسهم شركة «فيفتي هيرتز» الطاقوية، لنزع براثن الصينيين عنها. وفي شهر أغسطس (آب) الماضي تدخل مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مباشرة لتعطيل صفقة شراء صينية لشركة الماكينات الألمانية «لايفلد ميتال سبينينغ»، في إطار تعزيز الأمن القومي الذي بات أولوية للحكومة الألمانية مهما كلفها الثمن، وفقاً للوزير.
وفيما يتعلق بالأمن القومي، تقول دانيلا ياكوب، الخبيرة الألمانية في الشؤون التجارية الدولية، إن حكومة برلين، مع حكومات غربية أخرى، تنظر بقلق إلى التوسع التجاري الصيني، ووضعت هذا التطور تحت مجهرين استراتيجيين؛ يتعلق الأول ببرنامج «صنع في الصين 2025» حيث تنوي حكومة بكين توجيه أعداد هائلة من اليد العاملة إلى صناعة التكنولوجيا شديدة التطور، الساعية إلى احتلال مراكز عالمية مرموقة في عشرة قطاعات صناعية، أولها صناعة السيارات الكهربائية. وتضيف ياكوب: «أما المجهر الثاني فيسلط الضوء على شبكات الاتصالات المتطورة (فايف جي) لإحداث ثورة في عالم الإنترنت، حيث تستأثر شركتا (هواوي) و(زد تي إي كوربوريشن) الصينيتان بالمركز الأول والرابع في الأسواق العالمية».