الحكومة الإسبانية تختار برشلونة موقعاً لاجتماعها السنوي الأخير

بعد الهدوء النسبي الذي ساد المشهد السياسي الإسباني في الأسابيع الأخيرة رغم النتيجة المفاجئة التي حققها اليمين المتطرف في الانتخابات الإقليمية الأندلسية لأول مرة منذ عودة النظام الديمقراطي، عادت حرارة المواجهة لترتفع بسرعة على جبهات عدة، خاصة في الصدام المفتوح بلا ضوابط بين الحزب الاشتراكي الحاكم والحزب الشعبي اليميني، وعلى الجبهة الانفصالية الكاتالونية بعد أن أعلن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قراره عقد اجتماع لمجلس الوزراء في برشلونة، ويتزامن هذا التصعيد مع الجلسات الاستشارية الأولى التي بدأتها المحكمة العليا للنظر في ملفّ قادة الحركة الانفصالية المعتقلين والفارين في الخارج من وجه العدالة منذ العام الماضي، والتي يطالب فيها محامو الدفاع بإحالة الملف إلى المحكمة العليا في كاتالونيا وسحبه من المحكمة العليا المركزية في مدريد.
ومنذ الإعلان عن انعقاد مجلس الوزراء الإسباني في عاصمة الإقليم الذي يطالب نصف القوى السياسية فيه بالانفصال، شهدت برشلونة وبعض المدن الكاتالونية الأخرى مظاهرات متفرقة للجماعات الانفصالية المتطرفة، تخلّلتها بعض أعمال الشغب وقطع الطرقات، احتجاجا على ما اعتبرته استفزازاً من الحكومة المركزية على أبواب المحاكمة التي يراهن كثيرون على إصدارها قرارات مخففة، تساهم في خفض منسوب التوتر بين مدريد وبرشلونة.
وقد حشدت الحكومتان المركزية والإقليمية نحو تسعة آلاف من رجال الأمن وقوات مكافحة الشغب تحسّباً لما يمكن أن تشهده مدينة برشلونة من اضطرابات احتجاجاً على انعقاد مجلس الوزراء فيها. ومن المقرر أن يسبق اجتماع الحكومة لقاء بين بيدرو سانشيز ورئيس الحكومة الإقليمية كيم تورّا، الذي يصرّ على اعتبار اللقاء قمّة بين رئيسين، فيما تؤكد مدريد أن هذه الصيغة ليست واردة، «لأن حكومة مدريد هي أيضاً حكومة برشلونة»، على حد تعبير الناطق بلسان سانشيز.
ومن المنتظر أن تعقد لقاءات ثنائية بين عدد من الوزراء المركزيين ونظرائهم الإقليميين للمرة الأولى منذ تشكيل الحكومة الجديدة في مدريد مطلع الصيف الماضي، لمناقشة استعادة الحكومة الإقليمية الصلاحيات التي سُحبت منها بموجب تطبيق المادة 155 من الدستور لمواجهة التمرّد الانفصالي في خريف العام 2017، لكن العقدة الأساسية في العلاقات بين مدريد وبرشلونة ما زال حلّها مرهوناً بمصير القادة الانفصاليين، الذين تبدأ محاكمتهم قريباً بتهمة التمرّد واختلاس الأموال العامة، والذين أعلن بعضهم الإضراب عن الطعام منذ أسابيع.
وكان رئيس الحكومة الإقليمية في كاتالونيا قد أعلن عن رغبته بحث خلال اجتماعه مع سانتشيز مواضيع خمسة أساسية، زعم أن 80 ٪ من سكان كاتالونيا يجمعون عليها، وهي: رفض النظام الملكي والمطالبة بإلغاء المادة 155 من الدستور، ووقف «القمع القضائي» الذي يتعرّض له القادة الانفصاليون، والاعتراف بحق الكاتالونيين في تقرير المصير، واعتماد نظام المدرسة الكاتالونية في المنهاج التعليمي.
لكن الحكومة المركزية أوضحت أن اللقاء بين سانشيز وتورّا لن يتطرّق إلى البحث في المواضيع الجوهرية التي سيناقشها الوزراء في اجتماعاتهم الثنائية، وسيقتصر على المجاملات البروتوكولية المعهودة. وكان سانشيز قد أعلن أن قراره عقد اجتماع الحكومة في برشلونة، هو «خطوة نحو الوئام ومن باب الاحترام لكاتالونيا، إذ سبق للحكومة أن اجتمعت في إشبيلية وستجتمع في مدن أخرى للتأكيد على أهميّة التنوّع الجغرافي للدولة الإسبانية». وتجدر الإشارة إلى أن سانشيز يحمل مشروع الدول الفيدرالية على الطراز الألماني كمدخل لحل الأزمة الكاتالونية واستباق ظهور حالة أخرى في إقليم الباسك، الذي طوى صفحة مطالبه الانفصالية في الوقت الحاضر بعد إعلان منظمة «إيتا» إنهاء كفاحها المسلّح والانخراط في العملية السياسية.
ويتحرّك سانشيز، منذ وصوله المفاجئ إلى الحكم، ضمن معادلة برلمانية صعبة حيث يعتمد على تأييد خصمه اليساري «بوديموس» الذي ينازعه نفس القاعدة الشعبية، والأحزاب القومية والانفصالية في بلاد الباسك وكاتالونيا التي تسعى إلى انتزاع التنازلات من مدريد لمنع سقوط الحكومة.