منطقة «سقارة الأثرية» في الجيزة لم تُبح إلا بثلث أسرارها حتى الآن

تعلن وزارة الآثار المصرية يوم السبت المقبل، عن كشف أثري جديد بمنطقة سقارة الأثرية، بالجيزة، (غرب القاهرة)، لتكون سابع الاكتشافات الأثرية خلال العام الحالي، مما يبرز أهمية المنطقة الأثرية، التي تضم مقابر من مختلف العصور المصرية، وبها أول مبنى حجري في تاريخ البشرية. في وقت تستعد وزارة الآثار المصرية للإعلان عن أهم كشف أثري بالمنطقة خلال هذا العام. ورصدت «الشرق الأوسط» خلال زيارتها للمنطقة، حالة من النشاط الأثري لعمل البعثات المتنوعة بجانب استكمال أعمال الترميمات لأهرام سقارة الفريدة، قبل ساعات من الإعلان عن الكشف الأثري الجدي المهم، الذي أكده صبري فرج، مدير منطقة آثار سقارة، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «الكشف المقبل فريد من نوعه، وهو أهم الاكتشافات الأثرية خلال عام 2018»، مشيرا إلى أن «منطقة سقارة الأثرية منطقة واعدة، ولم يكتشف من آثارها سوى الثلث، وما زال ثلثا كنوزها مختبئا تحت الرمال ينتظر من ينقب عنه».
كلام فرج عن كنوز سقارة المدفونة تؤكده الاكتشافات الأثرية المتلاحقة على مدار العام الحالي، ففي 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت وزارة الآثار المصرية عن اكتشاف سبع مقابر جديدة بجبانة الحيوانات في منف بمنطقة سقارة، ثلاث منها تعود للدولة الحديثة، وأربع للدولة القديمة، وداخلها ألف تميمة، و200 مومياء لقطط، ومومياوات لتماسيح، وتضمن الكشف للمرة الأولى العثور على مومياوتين محنطتين لجعارين، داخل تابوت من الحجر الجيري، إضافة إلى عدد كبير من مومياوات الجعارين الصغيرة.
وفي شمال سقارة، تحديدا في منطقة أبو صير، أعلنت وزارة الآثار في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن نجاح البعثة التشيكية في الكشف عن مقبرة ضخمة من الحجر الجيري والطوب اللبن. بينما كان اكتشاف ورشة كاملة للتحنيط بمنطقة سقارة الأثرية في 14 يوليو (تموز) الماضي، من أهم الاكتشافات التي شهدها العام الحالي، وتم خلال أعمال الحفائر التي نفذتها البعثة الأثرية المصرية الألمانية التابعة لجامعة توبنغن، وكشفت البعثة عن ملحق بالورشة يضم حجرات للدفن بها مومياوات تعود إلى عصر الأسرتين السادسة والعشرين والسابعة والعشرين.
ولم تكن منطقة سقارة التي تقع جنوب هرم خوفو الكبير بنحو 15 كيلومترا، حافلة بالاكتشافات الأثرية فحسب، بل شهدت خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، افتتاح مقبرة «محو» الوزير ورئيس القضاة والمشرف على مكتبة وثائق الملك للمرة الأولى للزيارة بعد 78 عاما على اكتشافها، حيث ظلت مغلقة منذ اكتشافها عام 1940. وهي مقبرة عائلية تضم ابن وحفيد محو، وتضم ثلاثة أبواب وهمية، تتميز بجمال نقوشها وألوانها، وتقع جنوب السور الجنوبي لمجموعة هرم زوسر المدرج بنحو ستة أمتار، ومن المقرر أن يتم افتتاح مقبرة «تي» قريبا، بعد الانتهاء من أعمال الترميم الجارية بها، كما يجري العمل بترميم هرم زوسر المدرج، التي امتدت لأكثر من 10 سنوات، مع بداية العام المقبل.
ورغم الاكتشافات الكبرى بمنطقة سقارة الأثرية بالجيزة، فإنّ صبري يؤكد أنّ «المنطقة ما زالت تخفي كثيرا من الأسرار». ولفت إلى أن «هناك عددا كبيرا من البعثات الأثرية العاملة بالمنطقة، من بينها بعثة أميركية تعمل في جنوب سقارة عند هرم سنوسرت الثالث من الدولة الوسطى، وبعثة فرنسية تعمل جنوب سقارة في منطقة الشواف، على حفائر للأسرة السادسة من عصر بيبي الأول، وبعثة فرنسية أخرى تعمل في تبة الجيش، وبعثة ألمانية تعمل جنوب هرم أوناس، وبعثة إيطالية تعمل في منطقة معبد الشمس وبعثة تشيكية في منطقة أبو صير، إضافة إلى موقعين تعمل بهما بعثات مصرية». ويضيف صبري قائلا إنّ «أهمية منطقة آثار سقارة تكمن في أنها المنطقة الوحيدة في مصر، التي تضم مقابر من مختلف العصور التاريخية من بداية الأسرات، (الأسرة الأولى) و(الثانية)، ومرورا بكل العصور التاريخية (قديمة) و(وسطى) و(عصر انتقال) و(حديثة)، إضافة إلى مختلف أنواع المقابر، من مقابر ملوك وملكات، ووزراء، ومقابر حيوانات أيضا»، مشيرا إلى أنّه يوجد بالمنطقة «سراديب للقرود والكلاب في الشمال، ومقابر للقطط، وغيرها من الحيوانات المقدسة».
ويوضح صبري أنّ أهم آثار سقارة، هو هرم زوسر المدرج، وهو أول بناء حجري في تاريخ البشرية، حيث بناه المهندس أمحتب من الحجر الجيري، وقبل بنائه كانت المقابر تبنى من الطوب اللبن. مشيرا إلى أن المنطقة تضم أيضا متحفا يحكي قصتها وهو متحف أمحتب، ويضم أهم الاكتشافات الأثرية التي تمت في المنطقة على مدار السنوات الماضية.
في سياق أهمية منطقة سقارة الأثرية، يجري حاليا ترميم هرم زوسر، الذي استغرقت عملية ترميمه عدة سنوات بدأت قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، وتوقفت بفعل الأحداث، لتستكمل أعمال الترميم مرة أخرى عقب استقرار الأوضاع، ومن المنتظر الانتهاء من أعمال الترميم الخارجي للهرم مع نهاية العام الحالي، لتبدأ عمليات الترميم الداخلي لأنفاقه التي يصل طولها إلى 6 كيلومترات. بحسب صبري فرج، مدير منطقة آثار سقارة.
وتتميز المقابر في منطقة سقارة الأثرية بالنقوش الرائعة التي ما زالت محتفظة بألوانها، واشتق اسمها من إله الجبانة «سوكر»، وتم تصنيفها موقع تراث عالمي من قبل منظمة يونيسكو عام 1979. وتقسم المنطقة إلى عدة قطاعات، وهي القطاع الشمالي، ويضم مجموعة من المقابر أهمها مقبرة «كاعبر» (شيخ البلد) ومقبرة «حسي رع»، والسراديب المنقورة في باطن الأرض التي كانت مخصصة لدفن طائر أبو منجل بعد تحنيطه، ومصاطب بعض ملوك الأسرتين الأولى والثانية، والقطاع الأوسط، وتوجد به المجموعة الجنائزية للملك «زوسر»، وهرم الملك «أوسركاف» أول ملوك الأسرة الخامسة، بالإضافة إلى أهرامات متنوعة ومميزة كثيرة. من جهته، يقول الدكتور الحسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط» إنّ «منطقة آثار سقارة تعد أقصر الشمال، فهي منجم للآثار وأرض بكر لم تكشف بعد كل أسرارها، وكانت منطقة مقدسة في كل العصور المصرية، وتم إعادة استخدام مقابرها في مختلف العصور». وأضاف أنّ «هرم زوسر المدرج، هو أهم آثار هذه المنطقة، باعتباره أول بناء حجري في تاريخ البشرية»، مشيراً إلى «عبقرية المهندس أمحتب الذي بنى المجموعة الهرمية للملك زوسر، ما أدى إلى تقديسه في العصور المتأخرة، ومنحته مكانة القديسين على الرّغم من أنّه كان من الطبقة العادية».