معرض فني في مصر يمزج بين المنحوتات والفوتوغرافيا

تجارب فنية عديدة في المشهد التشكيلي العالمي والعربي، شهدت دمجاً بين الفنون المختلفة، أو جاءت مستوحاة من أعمال أدبية معروفة، فلا تخلو فضاءات الكثير من اللوحات من مشاهد مستقاة من أدب غوتة أو دانتي أو تاسو أو شكسبير، وغيرهم. لكن ربما يكون الجديد هو ما تحمله هذه التجربة التي يضمها معرض «نحت ملهم للصورة»، الذي يفتح أبوابه أمام الجمهور المصري والأجنبي حالياً، حتى يوم 13 ديسمبر (كانون الأول) 2018، بغاليري «ضي» للفنانين عبد الله داوستاشي، وهاني السيد، حيث يعد النحت هو المحرك الأساسي فيها.
وتأتي الصور الفوتوغرافية في المعرض، كلقطات جمالية عن المنحوتات، شكّلتها عدسة داوستاشي، وكانت مصدر إلهامه الأول، والمحفز الأساسي له في توزيع الإضاءة والظلال بجانب توظيفه للخلفيات الملونة، حتى يمكن القول إنّ الصور تمثل تكوينات فنية موازية للمنحوتات وصولاً لفكرة الدمج بين الفنون. هذا التفاعل لا يأتي من جانب واحد، حتى لو كان الاستلهام وُلد على يد داوستاشي وحده، لكنّ الأمر سرعان ما تطور، فالزائر للمعرض يستوقفه هذا التناغم اللافت بين اللوحات والمنحوتات، إضافة إلى الحوار الثري المتبادل بينها.
ذلك أن الفوتوغرافيا والنحت يمثلان عملاً متجانساً واحداً كما أراد له الفنانان، يقول داوستاشي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مسافة كبيرة بين النحت والتصوير، ولذلك جاءت فكرة المزج بين النوعين في المعرض، إذ إنني لا أقدم صوراً توثيقية لمنحوتات هاني، فهذا الأمر لا يشغلني على الإطلاق، إنّما ما تضمه تجربتنا هي صور تجريدية، فأنا تستهويني الفوتوغرافيا التجريدية». ويتابع: «إذا كان من المعتاد تصوير أي أعمال نحتية، فإنّ الاختلاف هنا هو تصوير تفاصيل معينة من العمل النحتي برؤية فنية فوتوغرافية، تتضمن انتقاء تفاصيل محددة بزوايا مقصودة، وفقاً لإحساسي وتفاعلي معها، ربما لا يكتشفها المتلقي أو الفنان نفسه في العمل». ويتابع: «أصنع أيضاً خلفيات معينة، في اللوحات التي تأتي بأحجام مختلفة، لتجسد في النهاية تكوينات تشكيلية ثرية».
وعن فكرة الدّمج يضيف الفنان داوستاشي: «هذا الدمج يثري الحالة الإبداعية للفنان، ويعطيه مساحات واسعة، ومختلفة للإبداع والتطور في العرض الفني للمنتج النهائي». ويقول: «إن الأعمال النحتية التي يتضمنها معرضنا المشترك من الممكن أن تُعرض منفصلة، والأمر نفسه بالنسبة إلى الصور أيضاً، لكن عندما يعرضان معاً فإنّهما يكمل أحدهما الآخر، ويكونان أكثر تأثيراً في المتلقي، لأنّ هدفنا هو تحويل العنصرين إلى عنصر واحد، أو تقديم العملين في عمل واحد». مؤكداً أنّ «المتلقي حين يتأمل المنحوتات، من ثمّ تفحص عيناه الفوتوغرافيا المستلهمة منها، والمعلقة وراءها على الحائط، يشعر بقدر أكبر من التكثيف في الفكرة، والجرأة في التجريب، والعمق في الرؤية، إضافة إلى الشكل الجمالي الأكثر إثارة وتشويقاً مما لو عُرضت هذه المنحوتات منفردة».
ويعد تمثال «الثور» والصور المرتبطة به من أهم الأعمال التي يتضمنها المعرض، فبينما يقف الثور الضخم بثقة وقوة، فإنّ الصور الفوتوغرافية تحيطه على الجدران بشكل دائري، وكأنّ القاعة التي يعرض فيها قد تحولت إلى حلبة صراع، ومما يزيد من الإحساس بالموقف الدّموي والدراما هو سيطرة اللون الأحمر على الفوتوغرافيا.
من جهته، يقول النحات هاني السيد لـ«الشرق الأوسط»: «أقدم أعمالاً نحتية تجسد الكائن الحي باستخدام خامة الحديد التجميعي، وما بين الشكل الهندسي والعضوي تتنوع منحوتاتي، التي برع داوستاشي في تقديم رؤية جديدة لها». وأضاف: «نرفض أن يقتني أي متلقٍّ أعمالنا، إلّا إذا اقتنى العمل النحتي واللوحات التي تجسده معاً، لأنّنا أصبحنا نعَدُّهما عملاً فنياً واحداً، لا تصح تجزئته».
ويعلق هاني على تجربتهما قائلاً: «المزج بين التصوير والنّحت، في هذا المعرض مهم جداً، لأنّه تجاوز عرض عمل نحتي، على منضدة عرض، أو لوحة على حائط، ليقدم تناغماً غير مسبوق ما بين مجسم التمثال ومسطح اللوحة، وقد حكى ذلك الكثير للمتلقي».
إلى ذلك، فإنّ نجاح التجربة، قد دفع الفنانَين إلى التفكير في المزيد من التعاون، ليصبحا «ثنائياً فنياً»، ويوضح هاني قائلاً: «نفكر الآن في مشروع فني جديد ومشترك، لن تعتمد فكرته هذه المرة على تقديم رؤية فوتوغرافية لمنحوتاتي، إنّما ستقوم فكرته على تسليط وتحريك المؤثرات الضوئية على المنحوتات باستخدام (البروجكتور)، بحيث تعطي مؤثرات فنية مختلفة، وهو ما سيتطلّب مني الاهتمام بالشّكل التكعيبي إلى حد كبير في أعمالي، وهو ما يؤكد فكرة الاستلهام المتبادل بيننا».