ترمب يربك الأسواق بإشارات متباينة عن الصين

بعد استقبال حافل لإعلان الرئيس الأميركي عن التوصل إلى هدنة تجارية مدتها 90 يوماً مع الصين، يجري خلالها التباحث حول نقاط الخلاف بين الجانبين، عادت المخاوف من جديد مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتباينة بين الإشادة والتشدد؛ خاصة في ظل الغموض الذي يغلف عدداً من النقاط التي جرى الإعلان عنها في الاتفاق الأولي بينه وبين نظيره الصيني شي جينبينغ، على هامش قمة العشرين.
وبعد احتفائه بلقائه مع شي يوم السبت الماضي، الذي دفع الأسواق لبداية رائعة يوم الاثنين في بداية تعاملات الأسبوع، بدا أن الإدارة الأميركية أكثر حديثاً عما حققته من انتصارات في الاتفاقية الجديدة؛ لكن الغموض كان يغلف التفاصيل؛ خاصة في ظل ميل بكين إلى الصمت، والحديث المقتضب، ما دفع الأسواق إلى العودة إلى الخسائر سريعاً يوم الثلاثاء.
وفي خطوة زادت من حجم الارتباك، أشار ترمب أمس إلى أنه لا يستبعد «تمديد» الهدنة التجارية مع بكين، وكتب في تغريدة على «تويتر» أن «المفاوضات مع الصين بدأت. وفي حال لم تمدد، ستتوقف بعد 90 يوماً من موعد العشاء الرائع والحار جداً مع الرئيس شي في الأرجنتين»؛ لكنه في نبرة معاكسة، أضاف أن المفاوضين الأميركيين يجب أن يتأكدوا من «إمكانية عقد اتفاق حقيقي مع الصين. وإذا كانت الحال كذلك، فسنبرمه»، وقال إنه سيفرض «رسوماً كبيرة» على السلع الصينية الواردة إلى الولايات المتحدة إذا لم تفلح إدارته في التوصل إلى اتفاق تجاري فعال مع بكين؛ مؤكداً أنه «رجل الرسوم الجمركية، من أجل جعل هؤلاء الذين ينهبون الثروات الكبرى لأمتنا يدفعون الثمن».
ومن جانبها، عبرت الصين أمس عن ثقتها في إمكانية توصلها لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، على الرغم من التحذيرات الجديدة من ترمب، بشأن عودته لفرض مزيد من الرسوم الجمركية، ما لم يتمكن الجانبان من حل خلافاتهما.
وتأتي التصريحات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، بعد فترة من الهدوء النسبي في بكين منذ الإعلان عن الاتفاق. وفي بيان موجز على موقعها الإلكتروني، قالت الوزارة إن الصين ستسعى للتحرك بشكل سريع لتطبيق مسائل معينة متفق عليها بالفعل، في الوقت الذي يقوم فيه الجانبان «بدفع عمل المفاوضات في غضون 90 يوماً، بموجب جدول زمني وخريطة طريق واضحة». وأضافت: «نحن واثقون من التطبيق»، ووصفت أحدث محادثات ثنائية بأنها «ناجحة للغاية». وتابعت الوزارة: «ستُباشر الصين تنفيذ نقاط محدّدة تمّ التوصّل إلى توافق في شأنها، وكلّما كان هذا سريعاً، كان الأمر أفضل».
وكتب ترمب في منشور بعد دقائق من بيان وزارة التجارة الصينية: «إما أن نبرم اتفاقاً حقيقياً مع الصين، وإما لن نبرم اتفاقاً على الإطلاق. وعندها سنفرض رسوماً جمركية كبيرة على منتجات صينية تُشحن إلى الولايات المتحدة. في نهاية المطاف أعتقد أننا سنبرم اتفاقاً، إما الآن وإما مستقبلاً».
وخيم التهديد بمزيد من التصعيد في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم بشدة، على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي طوال معظم العام. ورحب المستثمرون بشكل مبدئي بالهدنة بين الجانبين؛ غير أن المعنويات تدهورت سريعاً بفعل الشك في أن الجانبين سيتمكنان من التوصل لاتفاق حقيقي بشأن مجموعة من القضايا التي تثير انقساماً شديداً بينهما، خلال فترة المفاوضات القصيرة المتفق عليها.
وسيثير الفشل في إبرام اتفاق احتمال حدوث تصعيد كبير في النزاع التجاري؛ حيث سيكون من المتوقع فرض رسوم جمركية أميركية جديدة، ورد الصين على ذلك، ربما بحلول مارس (آذار).
ويقول البيت الأبيض، إن الصين ملتزمة بالبدء في شراء مزيد من المنتجات الأميركية، ورفع العراقيل الجمركية وغير الجمركية على الفور، والبدء في محادثات بشأن تغييرات هيكلية فيما يتصل بعمليات النقل القسري للتكنولوجيا، وحماية حقوق الملكية الفكرية. وعادة ما يوجه مسؤولون أميركيون وغيرهم من اقتصادات كبيرة انتقادات للصين، بسبب نهجها البطيء في المفاوضات وعدم الوفاء بالتزاماتها كاملة.
وقال مسؤول صيني لـ«رويترز»، إن المسؤولين «ينتظرون عودة الزعماء» قبل نشر التفاصيل. ومن المقرر أن يعود الرئيس الصيني شي ومعظم كبار المسؤولين في البلاد إلى الصين، اليوم الخميس، بعد أن قاموا بزيارة بنما والبرتغال منذ مغادرتهم للأرجنتين.
وقالت صحيفة «غلوبال تايمز»، وهي صحيفة نصفية تديرها صحيفة «الشعب» الرئيسية للحزب الشيوعي أمس، إن العدد الضخم من البيانات الصادرة عن إدارة ترمب بشأن الاتفاق، بما في ذلك الاتفاق على أن الصين ستشتري سلعاً أميركية إضافية بقيمة 1.2 تريليون دولار، يهدف لإبراز أو حتى تضخيم جوانب الاتفاق التي تحقق نفعاً للولايات المتحدة.
وأضافت: «إذا تم إبرام اتفاق سيكون وضعاً مفيداً للجانبين. وإذا لم يتم ذلك فسوف تستمر النزاعات والمحادثات لفترة أطول. يتعين أن يحافظ المجتمع الصيني على رباطة الجأش».
ووافق ترمب على تأخير فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25 في المائة، على بضائع صينية مستوردة بقيمة 200 مليار دولار، سبق أن خضعت لرسوم جمركية بنسبة 10 في المائة، لمدة 90 يوماً. وفي المقابل، وافق الرئيس الصيني خصوصاً على شراء مزيد من المنتجات الأميركية، وبالتالي خفض العجز التجاري الذي يثير غضب الرئيس الأميركي بشكل خاص.
وتصب الهدنة في الحرب التجارية بين البلدين في صالح الطرفين، مع نجاح ترمب في تجنيب الصادرات الزراعية الأميركية مزيداً من الأضرار، وتمكّن شي من تفادي تصعيد للضغوط عبر زيادة رسوم من شأنها أن تفاقم تباطؤ الاقتصاد الصيني.
لكن أجواء من التشكك تصاعدت خلال الساعات الأخيرة، وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن تلك الأجواء ظهرت مؤخراً داخل دائرة ترمب نفسه، فيما يخص جدية الاتفاق مع الصين. فرغم تفاخر ترمب تحديداً حول موافقة الصين على التخلي عن قرار رفع الجمارك بنسبة 40 في المائة على واردات السيارات الأميركية، فإن مدير المجلس الاقتصادي القومي في البيت الأبيض لاري كودلو، صرح بأنه «لا يوجد اتفاق محدد في هذا الشأن حتى الآن».
وإلى جانب لاري كودلو، رفض المستشار التجاري للبيت الأبيض بيتر نافارو تقديم أي تأكيدات بشأن اتفاق خفض الجمارك، وقال إن مسألة ضرائب السيارات بالذات «قد أُثيرت في المناقشات».