آراء صحافيي وكالات الأنباء على مواقع التواصل... حرية شخصية أم ضرر لمؤسساتهم؟

يواجه صحافيو وكالات الأنباء الدولية تحديات كبيرة، للحفاظ على سياسات التحرير الخاصة بوكالاتهم. وبينما قال خبراء إنه «تم وضع ضوابط صارمة للتعبير عن آرائهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، للمحافظة على مصداقية الوكالات التابعين لها، وسمعتها التي اكتسبتها عبر سنوات طويلة لدى جمهور متعدد الثقافات» أكد صحافيون في وكالات الأنباء، أنه «عند تعاقدهم للعمل في الوكالات تم تسليمهم منشوراً يتضمن سياسات الوكالة فيما يتعلق بآرائهم الشخصية، لضمان عدم تحملها تبعات آراء غير مهنية، يمكنها أن تؤثر على مصداقيتها لدى جمهورها»؛ لكنهم في الوقت ذاته أشاروا إلى أن «الوكالات لا تمنعهم من التعبير عن رأيهم؛ لكنها تضع ضوابط فقط للتعبير».
وحول أبعاد التزام الصحافيين بعدم الخلط بين عملهم وآرائهم الشخصية، قال الصحافي فؤاد عبد الرحيم، مدير النشرة العربية بوكالة الأنباء الإسبانية، مكتب القاهرة، إن «الصحافي بوكالة الأنباء أشبه بالدبلوماسي أو وزير الخارجية، فالأخير يمثل بلده، ولا يمكنه الفصل بين آرائه الشخصية والرسمية، بمعنى أنه يدلي بتصريح ما، ويكون من الصعب أن يقنع المتلقي بأنه يعبر عن رأيه الشخصي، مهما حاول ذلك، فالجميع يتعامل معه باعتباره دبلوماسياً يمثل بلده، لذلك يتداخل الشخصي مع المهني، ولا يمكن الفصل بينهما. كذلك الصحافي يمثل وكالته، ويكون من الصعب إقناع الجمهور بأنه يعبر عن رأيه الشخصي، فالربط بينه وبين وكالته سيحدث حتماً». مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «المفترض أن وكالات الأنباء تنقل الخبر من بلد إلى آخر، ولها مكاتب في معظم العواصم، وكي تكون لديها مصداقية يجب ألا تتدخل - ممثلة في صحافييها والقائمين عليها - في شؤون الدول التي تعمل بها، كما أنه من بين أهداف الوكالات تعميق التقارب الثقافي بين الشعوب من خلال نقل الأخبار، لذلك لدينا إرشادات نقوم بإبلاغها للصحافيين العاملين لدينا، ولدينا لائحة جزاءات تتدرج بحسب درجة التجاوز، من لفت النظر، إلى سحب الصحافي من العاصمة التي يعمل بها، أو إنهاء التعاقد معه».
ويلجأ كثير من الصحافيين إلى كتابة تنويه على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، للتأكيد على أن ما يكتبونه يعبر عن وجهة نظرهم الشخصية، ولا علاقة له بجهة عملهم، غير أن هذا الإجراء لا يكفي في معظم الأحيان لإزالة الالتباس، إذ يتبقى لديهم الالتزام بما يمكن تسميته «مدونة سلوك»، وهو إجراء تلجأ إليه بعض الوكالات لوضع محددات مهنية لتعبير صحافييها عن آرائهم الشخصية، وضبط مشاركاتهم وكتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
مي شمس الدين، صحافية بوكالة «رويترز»، مكتب القاهرة، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بوضع تنويه على صفحتي الشخصية في (فيسبوك) يؤكد أن ما أكتبه يعبر عن رأيي الشخصي، وليست له علاقة بجهة عملي؛ لكن على (تويتر) لا أضع تنويهاً، وهو ما يجعلني أكثر تحفظاً، وأكتفي بمشاركة روابط الأخبار. ولا تمنعني الوكالة من التعبير عن رأيي؛ لكنها تضع إرشادات من خلال منشور يتسلمه جميع الصحافيين عند بدء عملهم، بهدف وضع ضوابط للتعبير عن آرائهم، وهي ضوابط لا تختلف عن المعايير المهنية في الكتابة الصحافية، التي تضمن للصحافي ألا يتورط في الإساءة لأي شخص أو مؤسسة».
ويحذر خبراء الإعلام من أن «مخاطر تعبير صحافيي وكالات الأنباء عن آرائهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تتوقف عند حد الخلط بين رأيهم الشخصي ورأي الوكالة؛ بل إن التشابه في رأي الصحافي والمحتوى الذي تبثه وكالته يدفع المتلقي إلى الربط بينهما، وكأنه نسق موجه».
من جهته، قال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «من الطبيعي أن يكون لدى وكالة الأنباء أسلوبها المهني الخاص في صياغة الأخبار، وأجندة أولويات مهنية، تحاول من خلالها التميز عن الوكالات الأخرى، وإذا تشابه ما يكتبه الصحافي من آراء شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي مع ما تبثه وكالته من تقارير، فمن الممكن أن يقوم المتلقي بالربط بين الاثنين فيما يتعلق بالأسلوب والأفكار وأولويات الاهتمام بالأخبار المتداولة... فمهنة الصحافة من المهن التي تؤثر على شخصية الإنسان، وتحدد نسقاً تتداخل فيه شخصيته مع مهنيته، لذلك لو خسرنا الصحافي كمشارك بالكتابة على مواقع التواصل، واكتسبناه كصحافي موضوعي مهني، فهذا نجاح كبير».
في السياق ذاته، يرى الصحافي رمضان الفتاش، مدير النشرة الإنجليزية بوكالة الأنباء الألمانية، مكتب القاهرة، أن «وكالات الأنباء تضع سياسات تتضمن معايير مهنية، لضبط تعبير الصحافيين عن آرائهم الشخصية، من دون أن يتم الربط بين الرأي الشخصي وموقف الوكالة». مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن الوكالات تتمسك بالحفاظ على موضوعيتها وسمعتها لدى جمهورها، ويجب على الصحافي أن يؤكد بشكل قاطع في مشاركاته على مواقع التواصل الاجتماعي، أو أي وسيلة أخرى، أنه يعبر عن رأيه الشخصي، وأن يلتزم بالمحددات المهنية والأخلاقية للتعبير، سواء فيما يتعلق بالألفاظ والمفردات المستخدمة، أو تجنب أن يحتمل رأيه تأويلاً سياسياً أو موقفاً ما».