حيدر الزمار... من تجنيد منفذي اعتداءات 11 سبتمبر الى ساحات «داعش»

بعد رحلة ملحمية بدأت بمعسكرات تنظيم «القاعدة» وانتهت بساحات قتال تنظيم «داعش» الإرهابي، انتهى به المطاف في أحد السجون البعيدة في سوريا. ليس في ذلك الرجل الجائع الأشعث الذي استسلم لنقطة تفتيش بعيدة في الصحراء السورية تابعة للأكراد الموالين للولايات المتحدة، العام الحالي، ما يوحي بأنه في يوم من الأيام قد لعب دوراً في أحد أهم الأحداث الكبرى في التاريخ الأميركي. كان يعرج من شدة الألم في ركبتيه، وكانت لحيته شعثاء وقد انتشر القمل فيها. وعند الاستسلام كان قد فر للتو من تنظيم «داعش».
وبعدما كشف عن شخصيته وتحققوا من حقيقته ظهرت النتيجة. لم يكن هذا الشخص سوى محمد حيدر الزمار، الرجل الذي قام بتجنيد منفذي اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2011 التي راح ضحيتها نحو 2900 قتيل، وأدخلت الولايات المتحدة في صراعات لا نهاية لها. وفي أول مقابلة تجريها معه وسيلة إعلامية أميركية منذ عام 2001، أجرت صحيفة «واشنطن بوست» المقابلة في وجود حراس أكراد يتولون حراسته في سجن بضواحي مدينة القامشلي السورية، حيث سرد الزمار تفاصيل رحلته غير العادية.
تعود بدايات الرحلة إلى الأيام الأولى لمعسكرات تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، وتنتهي بساحات القتال في صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، بات خلالها مطلوباً من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه).
وبحسب روايته، كان دوره هامشياً في الأحداث التي جرت تباعاً، حيث لعب دوراً ثانوياً في تاريخ الحلقات الإسلامية المسلحة، لكنه وُجِد في كثير من الأحداث الجسام، حيث ظهر في اللحظات المهمة، والتقى بكثير من لاعبيها الكبار.
تعكس قصة الزمار كيف أن التنظيمات الإرهابية استمرَّت في تهديد الولايات المتحدة لزمن طويل، وكيف أن الفاعلين فيها ظلوا طلقاء منذ أن كانوا يتحركون في سن الرشد في فلك أسامة بن لادن إلى أن تقدم بهم العمر الآن؛ فقد بلغ الزمار الآن 57 عاماً ويحمل الجنسيتين السورية والألمانية. فهو أشبه بظل لرجل ضخم ذي لحية كثيفة كان يوماً ما يلقي الدروس الدينية على الشباب الصغير بمسجد «القدس» بمدينة هامبورغ الألمانية عندما كانوا مقبلين على التطرف.
لم يسمح حراس السجن للمعتقلين بإطلاق لحاهم، وهو تحديداً كان عليه إزالتها نهائياً بعد أن انتشر القمل فيها، بحسب الزمار، وجرت المقابلة في وجود اثنين من الحراس. شيء واحد فقط لم يتغير في الزمار، هو أنه ثرثار. المحققون في اعتداءات 11 سبتمبر يتذكرون ذلك جيداً، ويقولون إنه من الصعب الثقة في أغلب ما يقول بشأن تفاصيل ذلك الاعتداء.
انتقلت عائلة الزمار إلى ألمانيا عندما كان في سن العاشرة، وحاول في البداية المشاركة في المعارك المسلحة عام 1982، وسافر إلى الأردن في محاولة لدخول سوريا للانضمام للجناح المسلح لتنظيم «الإخوان المسلمين» الذي كان في ذلك الوقت في صراع مسلح مع عائلة الأسد الحاكمة، لكن السلطات الأردنية أعادته. لكنه في تلك الرحلة التقى بشخص لعب لاحقاً دوراً كبيراً في تحديد مستقبله، كان ذلك الشخص محمد البهايا، المعروف باسم خالد السوري، الذي بات لاحقاً أحد أهم المؤثرين الكبار في الحرب السورية.
بدعوة من البهايا، وصل الزمار إلى أفغانستان للمرة الأولى عام 1991 حيث تلقى أول تدريباته العسكرية في أحد المعسكرات التي كان يديرها البهايا في ذلك الوقت. منذ ذلك الحين بات الزمار يتردد على أفغانستان بين الفينة والأخرى، بعد أن أصبح عضواً في التنظيمات المسلحة التابعة لـ«القاعدة» التي شاركت في حرب البوسنة.
وزار لندن حيث أصبح صديقاً مقرباً من الأردني الفلسطيني (أبو قتادة)، الداعية المتشدد الذي طالما تشككت الولايات المتحدة في صلته بـ«القاعدة».
نجح الزمار في تكوين دائرة من الأتباع في مسجد «القدس» بمدنية هامبورغ، وفي أن يكون مصدر جذب لعدد كبير من الشباب، بيد أنه فشل في أن يصبح إماماً أو خطيباً للمسجد لعدم تمكنه من حفظ القرآن الكريم. لكنه كان يعقد جلسات منتظمة للشباب الذي يتوجه للمسجد للصلاة، لحثهم على الجهاد، وللتأكيد على أن الجهاد فرض عليهم نيابة عن جميع مسلمي العالم، ولتشجيعهم على التوجه إلى أفغانستان لتلقي التدريبات العسكرية.
يتذكر الزمار اليوم عندما التقى العضو الأول في خلية هامبورغ، رمزي بن الشيبة، اليمني المعتقل حالياً بمعتقل غوانتانامو للاشتباه في تورطه في التخطيط لاعتداءات 11 سبتمبر. لاحقاً التقى الزمار بمحمد عطا، زعيم الانتحاريين بمجموعة اختطاف الطائرات، الذي قاد الطائرة الأولى من الطائرتين اللتين ارتطمتا عمداً ببرجي «مركز التجارة العالمي»، ويصف الزمار عطا بـ«الرجل ذي الأخلاق». وبعد ذلك التقى بمروان الشيحي، الإماراتي الجنسية الذي قاد الطائرة الثانية، وبعدها التقى بزياد سمير اللبناني الذي قاد الطائرة الثالثة التي تحطمت في ساحة خاوية بولاية بنسلفانيا، بعد أن تغلب الركاب على المختطفين، بالإضافة إلى أربعة آخرين نجح الزمار في إقناعهم بالسفر إلى أفغانستان.
وبحسب المحققين في تقرير لـ«واشنطن بوست»، لفت سفر الزمار المتكرر واتصالاته انتباه السلطات الألمانية التي أبلغت «سي آي إيه» التي شرعت في مراقبة اتصالاته الهاتفية وتحركاته. لكنه استمر في السفر دون انقطاع، ومع قرب نهاية عام 1999، زار الزمار أفغانستان، وقد تزامن ذلك مع زيارة محمد عطا وغيره من خلايا هامبورغ الذين كانوا في زيارتهم الأولى لأفغانستان حيث تحدث معهم في مقترح استخدام الطائرات في الهجوم على مبانٍ حيوية في الولايات المتحدة.
حدث في تلك الرحلة أن طلب الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، الذي يكنّ له احتراماً كبيراً، لقاءه للمرة الأولى، بحسب الزمار. ويقول إن أسامة طلب لقاءه نظراً لصلته بالرجال الذين كلفوا لاحقا بتنفيذ اعتداءات 11 سبتمبر.
غير أن الزمار أنكر أن يكون قد تواصل مع أسامة بن لادن أو عطا مرة أخرى، ويزعم بأنه فوجئ كغيره بتنفيذ الاعتداءات. اختتم الزمار قائلاً: «الله أعلم، بمنتهى الأمانة، لم أعلم شيئاً بخصوص الإعداد لهجمات 11 سبتمبر. لم يخبروني بشيء».