«الولايات الألمانية» تقر بأن المسلمين جزء من نسيج المجتمع

أقر وزراء داخلية الولايات الألمانية تمديد العمل بقرار عدم ترحيل اللاجئين السوريين المرفوضة طلباتهم، حتى من ارتكب جنحة منهم، لينتهي بذلك جدل أسابيع ظهرت خلاله دعوات لترحيل المتورطين منهم بجرائم. وجاء القرار في ختام مؤتمر سنوي عقده وزراء داخلية الولايات في مدينة ماغدابيرغ، برئاسة وزير الداخلية في الحكومة الاتحادية هورست زيهوفر. وكان زيهوفر نفسه من بين الذين روجوا لإمكانية إعادة بعض السوريين، وقال إنه وجه وزارته لدراسة الأمر. إلا أن تقريرا لوزارة الخارجية صدر قبل أيام حذر من ترحيل أي سوري حتى إلى مكان لا قتال فيه. وذكر التقرير أن العائدين يتعرضون لخطر الاعتقال والتعذيب وحتى القتل.
وتم تمديد العمل بقرار منع الترحيل لمدة ٦ أشهر إضافية، على أن تقدم الخارجية تقريرا جديدا مع قرب انتهاء المهلة. وإذا كان الوضع في سوريا لم يتغير فيتم تمديد قرار حظر الترحيل حتى نهاية العام المقبل بشكل تلقائي.
ويحاول زيهوفر منذ تسلمه منصبه جر الحكومة لاعتماد سياسة أكثر تشددا مع اللاجئين. وكان أثار جدلا كبيرا بقوله إن المسلمين، وهي ديانة معظم اللاجئين، لا ينتمون لألمانيا. ورفضت المستشارة أنجيلا ميركل من بين الكثير غيرها، تصريحات تلك حينها. وعاد زيهوفر قبل يومين وأدلى بتصريحات معاكسة عندما اعترف في مؤتمر للمسلمين تنظمه وزارة الداخلية سنويا، وأطلقها عام 2006 وزير الداخلية آنذاك وولفغانع شوبيل. وقال زيهوفر في افتتاحه المؤتمر الذي يعقد للمرة الأولى منذ تسمله وزارة الداخلية، بأن المسلمين ينتمون لألمانيا، علما بأن نحو ٤ ملايين ونصف المليون مسلم يعيشون في البلاد.
وشدد وزير الداخلية طوال أيام المؤتمر على ضرورة دمج المسلمين في المجتمع، والدفع لجعل المساجد مستقلة عن التمويل والتأثير الخارجي. ومعظم المسلمين في ألمانيا هم من الأتراك قدموا بعد الحرب العالمية الثانية كـ«زوار عمال» لسد ثغرة نقص اليد العاملة. ولم تهتم الحكومات الألمانية المتعاقبة بدمجهم، لأنه كان المفترض أن يعودوا إلى تركيا.
إلا أن ذلك لم يحدث، وزادت أعدادهم بشكل كبير، وبقي جزء كبير منهم يعيش خارج المجتمع الألماني وعاداته. بقيت اللغة التركية هي الأقوى بين العائلات التي تعيش في تكتلات مناطقية. ومعظم المساجد التركية في البلاد تتلقى تمويلها من أنقرة مباشرة، وبالتالي تبقى متأثرة بسياسات الحكومة التركية هناك. وتمارس حكومات إردوغان قبضة قوية على المساجد التركية في ألمانيا كأداء للتأثير على المواطنين الأتراك هنا.
وتسعى وزارة الداخلية الألمانية لـ«تحرير» المساجد من قبضة أنقرة، وهو ما دعا إليه زيهوفر في المؤتمر. إلا أنه لم يقدم حلولا بديلة لتمويل المساجد والمدارس الدينية المتفرعة عنها، وحتى الدروس الدينية في المدارس التركية التي يدرسها أئمة أتراك. وظهر اقتراح بإدخال «ضريبة المساجد» على أنظمة الدخل تجبر المسلمين على دفعها باقتطاعها بشكل تلقائي من المرتبات، أسوة بـ«ضريبة الكنيسة» التي يدفعها المسيحيون لتمويل الكنائس، كل بحسب طائفته.
وتذهب مخاوف الحكومة الألمانية من التأثير التركي أبعد من ذلك. فقد كشف تقرير لصحيفة «تاغس شبيغل» اليومية، عن مخاوف تعود إلى العام 2017 من خرق المخابرات التركية لمؤسسات الدولة في ألمانيا. وذكرت الصحيفة أن وزارة الداخلية أرسلت آنذاك تحذيرات للدوائر التابعة لها من الشرطة والهجرة والمخابرات وحماية الدستور والأمن وغيرها… تدعوهم فيها إلى التيقن من محاولات «التجنيد» التي قد يتعرض لها موظفوهم. وكشفت الصحيفة نقلا عن دوائر أمنية، أنه بين العامين 2017 و2018 كانت هناك 100 محاولة فاشلة من تركيا لتجنيد جواسيس لها في مؤسسات مختلفة.
وقبل زيارة إردوغان الأخيرة إلى ألمانيا في سبتمبر (أيلول) الماضي، كشفت الصحافية نفسها أن شرطيا في برلين قد يكون سرب معلومات وعناوين أعضاء في المعارضة التركية من الموجودين في ألمانيا. ونقلت تاغس شبيغل عن الشرطة حينها: «نحن في صدد التحقيق في قضية تسريب معلومات حساسة إلى السفارة التركية من قبل أحد زملائنا، وإذا ثبت الأمر فهذه ستكون جريمة خطيرة».
نقلت صحيفة «دي فيلت» يوم الجمعة أن الادعاء الألماني ينظر بشكل متزايد بحالات تجسس من قبل تركيا، ولكنها نادرا ما تؤدي إلى إدانات. وذكرت الصحيفة بأنه في الأعوام الـ١٠ نظر المدعي العام بـ٢٣ قضية، ١٧ منها بين العامين ٢٠١٧ و٢٠١٨. وفي الوقت الحالي، أمام الادعاء العام ٤ قضايا تجسس من قبل المخابرات التركية داخل الأراضي الألمانية. وقالت الصحيفة أنها لم تتمكن الحصول على تفاصيل إضافية بسبب مخاوف من تعريض التحقيقات للخطر. واستخلصت الصحيفة أن المخابرات التركية زادت من نشاطها بشكل لافت في الأشهر الأخيرة في ألمانيا.
وتسبب إردوغان في زيارته الأخيرة لألمانيا، والتي كانت الأولى له منذ انتخابه رئيسا، بالكثير من الجدل بسبب تكرار اتهاماته لبرلين بأنها تؤوي من سماهم بـ«الإرهابيين»، ويقصد بذلك أتباع الداعية فتح الله غولن الذي يتهمه بتدبير الانقلاب ضده، وأيضا أفراد من حزب العمال الكردستاني. وكرر دعواته لألمانيا لتسليم عدد من المطلوبين في تركيا، من بينهم صحافي تركي لجأ إلى ألمانيا بعد نشره مقالا في تركيا يتهم فيها المخابرات التركية بإيصال سلاح لمقاتلي داعس في سوريا. وانسحب الصحافي التركي من مؤتمر مشترك بين إردوغان وميركل بعد تهديد الرئيس التركي بالانسحاب من المؤتمر الصحافي.