استدعاء منتخب إنجلترا لروني يثير الاستياء والسخرية

هل يخشى القائمون على كرة القدم الإنجليزية تطبيق عقوبات اقتصادية ضد الدولة أو طرد الدبلوماسيين بمجرد أن يدرك الرأي العام الأميركي المعنى الحقيقي الذي ينطوي عليه ظهور واين روني المفاجئ في صفوف المنتخب الإنجليزي لليلة واحدة.
يا له من مدخل رائع يقتحم من خلاله اتحاد الكرة عالم السياسات الدولية. ويبدو أن الاتحاد توقع أن يخفق الجمهوريون في تحقيق فوز كاسح في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، وبالتالي استعد بالفعل برد انتقامي على ذلك. وفي خطوة يجري النظر إليها على نطاق واسع باعتبارها القذيفة الأولى في حرب باردة بين جانبي الأطلسي من شأنها تدمير «العلاقة الخاصة» القائمة منذ أمد بعيد بين بريطانيا والولايات المتحدة، جرى استدعاء واين روني (المعتزل) للمشاركة في مباراة ودية أمام المنتخب الأميركي.
ولا يمكن تفسير قرار الاستعانة بروني سوى - وأكرر سوى - بأنه إهانة موجهة بدقة للمنتخب الأميركي، والذي رغم عدم تأهله لبطولة كأس العالم الأخيرة، أقدمت إنجلترا على الاستعانة صراحة بلاعب معتزل للعب الدولي، الأمر الذي ينطوي على رسالة إهانة شديدة الوضوح للجانب الأميركي، ناهيك عن اللافتات المهينة التي انتشرت عبر جنبات المدرجات وتحمل عبارة «انتخبوا الرعاع، تواجهون المصائب». وفي حركة شديدة الذكاء لترشيد النفقات، تمكن اتحاد كرة القدم من توجيه إهانة أخرى للجانب الأميركي بترتيب مواعيد المباريات على نحو جعل المباراة الودية أمام الولايات المتحدة تبدو وكأنها إحماء للمباراة التنافسية التي تخوضها إنجلترا في مواجهة كرواتيا بدوري أمم أوروبا.
ورغم ما سبق، يساورني القلق من أنه في صفوف الرأي العام الأوسع وطبقة المعلقين يبدو أن هناك إخفاقاً في إدراك ما يحمله هذا الإجراء من دلالات. ويبدو كما لو أن الناس نظروا في سجل الرئيس التنفيذي لاتحاد الكرة، مارتن غلين، وخلصوا إلى أن اتخاذه أي خطوة ذكية لا يمكن أن يتحقق سوى من خلال الصدفة المحضة. جدير بالذكر أن النجاح الوحيد البارز الذي أحرزه مارتن يتمثل في العملية الباهتة التي من خلالها جرى تعيين أنجح مدربي المنتخب الإنجليزي وأكثرهم شعبية.
في كل الأحوال، ثمة قلق بالغ في الأجواء وعبر شبكة الإنترنت حيال قرار استدعاء أكبر هداف في تاريخ المنتخب الإنجليزي للمشاركة مع الفريق لمرة واحدة. ويبدو هذا أمراً إيجابياً للغاية، ذلك أن الغضب أصبح الصناعة الكبرى الأخيرة لدى الإنجليز ويبدو الجدال والاتصالات الهاتفية مع وضد مشاركة روني أمراً مثمراً من الناحية التجارية البحتة. ويبدو الجدال الدائر حول مشاركة روني في المباراة الدولية الـ120 في تاريخه نموذجياً بالنسبة لأولئك الذين يسعون لإيجاد قضية مثيرة للجدال في نوفمبر (تشرين الثاني) قبل أن يأتي ديسمبر (كانون الأول) حاملاً معه الجدال المعتاد حول أفضل لاعب خلال العام.
نحن ننصح اتحاد الكرة بأن يسعى للاستحواذ على عائدات موجة الغضب تلك عبر تنظيم مباراة يقف خلالها 11 من اللاعبين السابقين الذين يشنون هجوماً عنيفاً ضد فكرة مشاركة روني مع المنتخب، في مواجهة 11 من اللاعبين السابقين المؤيدين بقوة للخطوة. ونعتقد أن نتيجة هذه المباراة ستخرج التعادل، حتى يتمكن ريان غيغز نهاية الأمر من تسجيل هدف الفوز متفوقاً بذلك على بيتر شيلتون.
وحتى من دون هذه المباراة، تبقى مشاركة روني في صفوف المنتخب أمراً مرحباً به لما نجحت فيه من دفع الناس للتفوه بترهات. وتبعاً لما ذكره مدرب المنتخب، غاريث ساوثغيت، فإن استدعاء روني للمشاركة في صفوف المنتخب أمر «أتاحته الظروف لنا»، ما يعد صيغة لافتة في سلبيتها بالنسبة لقرار اختيار من المفترض أنه هو من اتخذه، مع الإشارة إلى أن روني لن يبدأ اللقاء ولن يكون قائدا للفريق أمام الولايات
المتحدة، لكنه سيشارك كبديل إلا أن الأمر الأعمق عن ذلك فهو معنى عبارة أن الظروف أتاحت لنا ذلك. وقد صرح ساوثغيت بأن «إقرار إرث الأسود الثلاثة» لعب دوراً كبيراً في رحلتنا مع المجموعة الحالية من اللاعبين الصاعدين، وواين روني عنصر بالغ الأهمية في ذلك التاريخ. (في الحقيقة، يروق لكثير من الإنجليز عندما يتحدث أشخاص بالغين عن الوطن باستخدام تعبير «الأسود الثلاثة»، بدلاً عن إنجلترا كما لو أنهم يتعلمون التعبيرات الدارجة الإنجليزية من «سي دي»!).
وقال روني في بيان صادر عن الاتحاد الإنجليزي: «أنا سعيد حقا وبشدة لأنني سألعب مع منتخب إنجلترا في ويمبلي ثانية. أريد أن أشكر غاريث ساوثغيت والاتحاد الإنجليزي لدعوتي ثانية ومساعدتي في دعم مؤسستي من خلال هذه الإجراءات». وأضاف: «اللعب لمنتخب إنجلترا أكبر شرف لي على مدار مسيرتي... لذا فإن خوضي مباراتي الدولية 120 والأخيرة ستكون لحظة خاصة تحديدا بالنسبة لي. من المناسب أن تقام هذه المباراة أمام الولايات المتحدة ويحدوني الأمل أن تستمتع جماهير المنتخبين بالمباراة».
من جهته، عمد اتحاد الكرة للتأكيد على حقيقة أن هذه المباراة تعود بالفائدة على المؤسسة الخيرية الخاصة بروني التي تخدم الأطفال المعوزين، «واين روني فاونديشن».
الطريف أنه رغم هذا الحديث، فإن اتحاد الكرة سيتشارك في 0 % من عائدات المباراة مع المؤسسة الخيرية. وأعلن الاتحاد أن الجماهير سيكون بمقدورها التبرع بأموال لصالح المؤسسة في صناديق خاصة خارج استاد «ويمبلي» أو عبر التبرع بإرسال رسائل نصية أو شبكة الإنترنت.
وبحسب بعض التقارير، كان روني يتوقع أن يبدأ المباراة حامل شارة قائد الفريق الإنجليزي نظرا للفترة الطويلة من الزمن التي لعب فيها مع الفريق، فيما أشارت تقارير أخرى إلى أنه سيشارك بديلا. لكن ما حدث أن اتحاد الكرة الإنجليزي قرر إشراكه لمدة 10 دقائق فقط في نهاية اللقاء «كتعبير عن حسن النية». يبدو أن اللاعبين لم يكونوا على علم بأن روني سيشارك، ولم يصل إلى مسامعهم شيء عما إذا كان سيرتدي قميصه القديم رقم 10.
في النهاية، من الصعب الإجابة على كل تلك الأسئلة المعقدة، فكل ما يهم المتابعين الإنجليز هو فوز منتخبهم بأي نتيجة. لكن فيما يخص الإهانة التي سيتعرض لها الجمهور الإنجليزي جراء ذلك، فإنني أتوقع عقوبة ردا عليها. هل ستفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية؟ أم ستقطع العلاقات الدبلوماسية؟