«بداية نهاية» ميركل باتت وشيكة

بعد 18 عاماً قادت فيها حزبها إلى انتصارات متتالية، قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الانسحاب من زعامة «الاتحاد المسيحي الديمقراطي»، بإعلانها أنها لن ترشح نفسها لقيادته في الانتخابات المقبلة، في مطلع ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ورغم تصريحاتها السابقة التي دائماً ما كانت تربط فيها زعامة الحزب بقيادة البلاد، فقد أكدت ميركل أنها باقية في منصبها لقيادة الحكومة حتى نهاية عهدها في عام 2021، وأنها بعد ذلك لن تترشح مرة جديدة، وقالت إنها قررت السير بهذه «المخاطرة» لأنها لفترة زمنية مؤقتة تنتهي بعد 3 سنوات.
هكذا، وبعد سنوات من تخمينات الصحافة الألمانية بأن «بداية نهاية» ميركل باتت وشيكة، بدأت بالفعل هذه النهاية، وإن بطريقة تدريجية. وجاء توقيت إعلان ميركل بعد يومين على انتخابات محلية في ولاية هيسن مني فيها حزبها بخسائر وصفتها المستشارة بأنها «مخيبة للآمال ومؤلمة»، وإن بقي أكبر الأحزاب في تلك الولاية. وقبل أسبوعين، مني الشقيق «المسيحي الاجتماعي» بخسائر كبيرة أيضاً في انتخابات بافاريا، كانت الأسوأ منذ تأسيسه.
ورفضت ميركل الانجرار لأسئلة الصحافيين، بالإعلان عن المرشح الذي تدعمه لخلافتها، واكتفت بالقول إنها ستنتظر لترى من سيختار الحزب، مضيفة أنها ستقبل أي خيار. وجرت العادة على أن زعيم الحزب الفائز بأكبر مقاعد في الانتخابات هو المستشار، في تقليد يسهل الحكم، وليس قانوناً.
ولم يحصل إلا مرة أن تخلى رئيس الحكومة عن زعامة الحزب وبقي مستشاراً، وكان غيرهارد شرودر، المستشار الألماني الذي سبق ميركل، الذي تنحى عن زعامة الحزب في فبراير (شباط) 2004، ولكنه بقي في منصبه على رأس الحكومة لأكثر من عام إضافي، حتى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2005؛ حينها كانت ميركل تقود المعارضة، وقالت آنذاك إن شرودر «خسر سلطته» على حزبه، وإن نهايته قد بدأت.
وفي حال اختار الحزب زعيماً من خارج دائرة ميركل المقربة، فإن ذلك سيصعب عليها الحكم. وقد ترشح حتى الآن، فور إعلان انسحابها من السباق، 3 سياسيين لخلافتها في زعامة الحزب: الأول هو فريدريش ميرز الذي كان زعيم الكتلة النيابية في البرلمان، ويقف على يمين ميركل في السياسات الداخلية. والثانية آنغريت كرامب كارينباور المعروفة بـ«آ كي كي»، وهي مرشحة ميركل المفضلة، وتشغل الآن منصب أمينة عام الحزب. أما المرشح الثالث، فهو وزير البيئة ينس سابن، ويبلغ من العمر 32 عاماً، وهو من أشد منتقدي ميركل داخل حزبها.
ولم تبدو ميركل، في مؤتمرها الصحافي الذي عقدته لإعلان قرارها، متخوفة ممن سيخلفها في زعامة الحزب، وقالت وهي تبدو مليئة الثقة رداً على سؤال عما إذا كانت ستتمكن من العمل «مع أي زعيم» يخلفها: «أنا شخص يمكنه العمل بشكل جيد مع كثير من الأشخاص، وأعتقد أنه لديّ سمعة بالقدرة على فعل ذلك، وإلا لما كان بإمكاني إدارة حكومات ائتلافية».
وفي معرض تبريرها للاستقالة من زعامة الحزب، والبقاء في منصب المستشارية، قالت إنها تريد أن تمنح الحكومة فرصة للحكم بشكل أفضل. وفي انتقادات غير مباشرة لزعيم الحزب الشقيق في بافاريا، وزير داخليتها هورست زيهوفر، قالت ميركل إن الحكومة انشغلت منذ تشكيلها بخلافاتها الداخلية، وإن هذا يجب أن يتغير. وكاد زيهوفر أن يسقط الحكومة قبل أشهر، بإصراره على سياسة هجرة رفضتها ميركل. وعاد الطرفان واتفقا على حل وسط، ولكن بعد أسابيع من عدم اليقين عاشتها البلاد.
وانتقد بعض المحللين بقاء زيهوفر في منصبه زعيماً للحزب وأيضاً وزيراً للداخلية، رغم خسارة حزبه الكبيرة في بافاريا. وتوقع البعض أن تطاله التغييرات الحكومية في الأيام المقبلة.
ومقابل إعادة تقييم «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» لأدائه، يجري حليفه في الائتلاف الحكومي (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) تقييماً مشابهاً. فالحزب مني بخسائر فادحة كذلك في الولايتين، وحل في هسين ثانياً، إلى جانب حزب الخضر الذي حقق النتائج نفسها، كالحزب اليساري.
ورغم تكاثر الدعوات داخل الحزب للانسحاب من الائتلاف الحاكم، فإن زعيمة «الاشتراكيين الديمقراطيين»، أندريا ناهلس، حددت 5 خطوات قالت إن على الحكومة الائتلافية تحقيقها خلال عام لكي يبقى شريكاً في الحكومة، ثم عادت وأمهلت الحكومة شهراً للتوصل إلى «أفكار» تسمح بالحكم بأسلوب سلس، عكس ما كان حاصلاً حتى الآن. ونقلت صحف ألمانية عن مصادر في الحزب الاشتراكي استياءهم تحديداً من وزير الداخلية زيهوفر الذي وصفوه بأنه أصبح «عبئاً» على الحكومة.
كان «الاشتراكيون الديمقراطيون» قد رفضوا لأشهر المشاركة بالحكومة في انتخابات سبتمبر (أيلول) العام الماضي، وقالوا إنهم سيجلسون في صفوف المعارضة، ولكنهم عادوا وقرروا المشاركة أمام ضغوط من الرئيس الألماني وميركل التي عجزت عن تشكيل حكومة من دونهم، ولكن عودتهم للحكم تسببت بخسارتهم للمزيد من الأصوات، وتراجع شعبيتهم.
وعد محللون أن قرار ميركل براغماتي لأنه يسمح لها بالبقاء في منصبها حتى نهاية عهدها، ولكنه يمنحها فرصة للمشاركة باختيار خليفتها. وفي الانتخابات الأخيرة، عندما أعلنت ميركل ترشحها لولاية رابعة، تردد حينها أنها ستكون ولايتها الأخيرة، ولكنها لم تؤكدها هي بنفسها حتى يوم أمس. وتقود ميركل حزبها منذ 18 عاماً: 5 منها في صفوف المعارضة، و13 عاماً في قيادة البلاد من منصبها في المستشارية.
ورحبت الأحزاب المعارضة، مثل «البديل لألمانيا» والليبراليين، بقرار ميركل مغادرة زعامة الحزب، ولكنها أضافت أن عليها التنحي عن منصبها كمستشارة كذلك.
ونفت ميركل، خلال مؤتمرها الصحافي «إشاعات» ترددت في الصحافة الألمانية عن أنها تستعد للانتقال إلى بروكسل، بعد أن عرضت عليها وظيفة رفيعة المستوى، وقالت لاحقاً عندما سألها صحافيون ما الذي ستفعله بعد نهاية عهدها: «سنتحدث بالأمر عندما نصل له. لست قلقة من أنني قد أجد ما أفعله».
ووصلت أصداء استقالة ميركل إلى بروكسل، التي عبرت عن مخاوفها من تأثير عدم الاستقرار السياسي في ألمانيا على عمل الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن تحدي «بريكست» لم ينتهِ بعد. ولم تتسبب سياسة ميركل حول الهجرة بانشقاقات داخل ألمانيا فقط، بل أيضاً داخل دول الاتحاد الأوروبي.