اليونسي: التواضع والعمل الجاد فتحا لي أبواب الاحتراف

يشعر نجم نادي ساوثهامبتون الإنجليزي ومنتخب النرويج محمد اليونسي بالفخر والامتنان وهو يتذكر الأيام التي كان يساعد فيها والده في إدارة مطعم للبيتزا في مدينة سارسبورغ بالنرويج. وقد يشتكي بعض المراهقين من قضاء وقت فراغهم في خلط العجين وتقديمه الخدمة للزبائن، لكن اليونسي كان يقوم بهذا الأمر بكل سعادة حتى عندما كان يلعب في صفوف الفريق الأول بنادي سارسبورغ 08 بالنرويج.
يقول اللاعب ذو الأصول المغربية عن ذلك: «بعض الناس الذين كانوا يشاهدون المباراة كانوا يأتون لكي يطلبوا البيتزا ويروني، وكانت تحدث الكثير من المواقف المضحكة».
إنها قصة مسلية وجميلة أن ترى نجماً شاباً يخلع حذاءه بعد نهاية المباراة ويتجه للعمل في محل «بارك بيتزا»، لكن اليونسي يعبر عن امتنانه الشديد لوالديه اللذين ساعداه على الاستمرار في ممارسة كرة القدم.
ولم يتسرب الغرور إلى نفس اللاعب الشاب يوماً ما رغم النجاح الكبير الذي حققه، بل يعترف بأنه شعر بالذهول عندما قابل نجم كرة التنس السويسري روجر فيدرر في الفترة التي كان يلعب خلالها مع نادي بازل السويسري. يقول اليونسي: «هذه هي القيم التي تعلمتها من والديّ. لقد كانا يعلماني دائماً أن أكون متواضعاً، وأن أعمل بجد دائماً من أجل تحقيق ما أريد في الحياة».
ويعتز اليونسي، وهو الابن الأكبر بين أربعة أطفال، بجذوره المغربية وبعائلته التي رحلت من المغرب إلى النرويج، ويقول عن ذلك: «كان ابن عم والدي يعيش في النرويج وسأل عما إن كان والدي يريد فرصة للذهاب إلى هناك. لقد كان يحصل على أموال جيدة من العمل هناك، لكن لا أعتقد أنه كان يخطط للاستقرار بالنرويج».
ذهب عبد الباقي اليونسي إلى النرويج ووجد وظيفة في محل «بارك بيتزا»، وانتهى به المطاف إلى تولي مسؤولية إدارة المحل. يقول اليونسي: «طلبت من والدي أن يحصل على قسط من الراحة، وأن أتولى أنا الإنفاق على المنزل. كان يذهب لإعداد البيتزا في التاسعة صباحاً وحتى الحادية عشرة صباحاً أو الثانية عشرة ظهراً، ثم يأتي إلى المنزل ويتناول الغداء ثم يعود إلى العمل مرة أخرى من الثانية مساءً حتى الحادية عشرة مساءً. وكان دائماً ما يعود إلى المنزل في وقت متأخر، بينما أكون أنا قد نمت بالفعل. وعندما وصلت إلى مستوى معين وأصبح بإمكاني مساعدته، قلت له إنه يتعين عليه أن يتوقف عن العمل».
كان هناك نوع من البيتزا في القائمة يطلق عليها اسم «بيتزا اليونسي». يقول اللاعب الشاب عن ذلك: «كان أبي لديه 23 نوعاً من البيتزا في القائمة، ثم أضاف إليها رقم 24، وكان هذا هو رقم القميص الذي كنت ألعب به في ذلك الوقت».
ومن الصعب ألا تسأل عما إذا كان اليونسي قد شعر يوماً ما بأنه شخص غريب في النرويج بسبب أصوله المغربية، لكنه يرى أن قلبه ينتمي إلى مكانين: حيث ولد وحيث نشأ.
ويقول عن ذلك: «كان لدي أصدقاء يرون أنني نرويجي، وكانوا يعرفون أنني من جزء آخر من العالم. كان يتم التعامل معي دائماً على أنني نرويجي، وقد تعلمت اللغة بسرعة كبيرة. وبعد فترة جاء ابن عمي طارق وعائلته. لقد كان في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمره، ولم يكن يجيد اللغة».
والآن يلعب اليونسي مع ابنَي عمه عمر اليونسي وهيثم العصامي معاً في صفوف المنتخب النرويجي، وهو ما يعد بمثابة مثال جيد للغاية على التعددية الثقافية في هذا البلد الأوروبي. وقد سجل اليونسي هدف الفوز لمنتخب النرويج على منتخب بلغاريا في إطار مباريات دوري الأمم الأوروبية خلال الشهر الحالي.
ولم تكن هناك أي ضغوط على اليونسي فيما يتعلق باختياره اللعب لمنتخب النرويج أو لمنتخب المغرب. ويقول اللاعب البالغ من العمر 24 عاماً: «لقد اخترت اللعب للنرويج لأنني ألعب معهم منذ أن كنت ألعب لمنتخب تحت 15 عاماً. هذا هو المكان الذي حصلت فيه على الفرصة لممارسة كرة القدم. كما أنه لشرف عظيم أيضاً أن تلعب لمنتخب المغرب».
وتطرق الحوار إلى اللعب تحت قيادة المدير الفني الإنجليزي بريان دين في نادي سارسبورغ، حيث قال اليونسي: «على الرغم من أنني كنت في الثامنة عشرة من عمري، فإنه كان يضع الكثير من الضغوط على كاهلي. لقد كان يعرف قدراتي جيداً، وكان يحكي لي عن خبراته وتجاربه خلال مسيرته الكروية، وكان يطالبني دائماً بأن أركز على كرة القدم وليس على الأشياء التي حولها، مثل الحفلات والفتيات».
وأضاف: «لم يكن مجرد مدير فني، كان بمثابة أب ثانٍ بالنسبة لي، وكانت العلاقة بيننا رائعة للغاية. ولم تكن علاقتي بأي مدير فني آخر بنفس هذه القوة. لقد كان يخبرني دائماً بأنني سألعب يوماً ما في الدوري الإنجليزي الممتاز، ولم أكن أصدقه في حقيقة الأمر».
وفي عام 2014 انتقل اليونسي إلى نادي مولدي النرويجي، الذي كان يشرف على تدريبه مهاجم مانشستر يونايتد السابق أولي غونار سولسكاير، الذي ساعده على تطوير قدرته على إنهاء الهجمات؛ وهو الأمر الذي جعله ينتقل إلى نادي بازل السويسري بعد ذلك بعامين.
تألق اليونسي بشكل لافت في الدوري السويسري، والتقى هناك نجم التنس روجر فيدرر، الذي يعد أحد أشهر مشجعي نادي بازل. وكانت لحظة استثنائية بالنسبة لاليونسي، الذي يعشق التنس، ويقول عن ذلك: «لقد شعرت بالذهول عندما رأيته، كان متواضعاً للغاية».
وبعد ذلك، انتقل اليونسي إلى ساوثهامبتون الإنجليزي مقابل 16 مليون جنيه إسترليني الصيف الماضي. وكان اليونسي قد تألق بشكل لافت أمام مانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، وسجل هدفاً في المباراة التي انتهت بفوز بازل على الفريق الإنجليزي في مارس (آذار). وكان المدير الفني لساوثهامبتون، مارك هيوز، في حاجة إلى التعاقد مع لاعب خط وسط لديه القدرة على الابتكار، بعد بيع لاعب الفريق دوسان تاديتش إلى أياكس أمستردام الهولندي.
ولم يقدم اليونسي أفضل مستوياته حتى الآن مع نادي ساوثهامبتون، الذي كان يتقدم عن آخر ثلاثة فرق في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق نقطة واحدة فقط قبل مباراته الأخيرة يوم السبت أمام نيوكاسل يونايتد والتي انتهت بالتعادل السلبي. لكن اليونسي يستمتع بالحياة في إنجلترا، وقد اصطحب والده إلى هناك أيضاً. يقول اليونسي: «عندما كنا نسير في مدينة وينشستر، شاهد والدي بعض الأماكن التي يمكن استئجارها، وقال: يمكن أن يكون لدي مطعم للبيتزا هنا».