على سكولز تصويب نيرانه إلى المسؤولين الحقيقيين عن معاناة مانشستر يونايتد

أتذكر أني أجريتُ نقاشاً منذ ما لا يقل عن عقد من الزمان حول الأشياء التي لا يتعين عليك التطرق إليها في مجال الصحافة الرياضية، أو بالأحرى الأشياء التي قد تؤثر على العلاقة بينك وبين الجمهور في حال انتقادك لها. وكان أول شيء في هذا الأمر هو أنه لا يتعين علينا أن نوجه الانتقادات إلى نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي بول سكولز حتى لا نثير غضب الجمهور ضدنا.
وحتى الآن، يمكن أن يتعرض أي شخص ينتقد بول سكولز لموجة كبيرة من الغضب، كأن هناك قانوناً في المملكة المتحدة يمنع انتقاد سكولز ويفرض أشد العقوبات على من يفعل ذلك! ويمكن القول إن سكولز يستحق هذه القدسية المفروضة من حوله، نظراً إلى الإنجازات التي حققها كلاعب فذّ مع ناديه مانشستر يونايتد ومع منتخب بلاده، وللأداء الرائع الذي كان يقدمه في المباريات، والمتعة التي جعلنا جميعاً نشعر بها وهو يصول ويجول داخل المستطيل الأخضر.
وعندما كان سكولز يلمس الكرة داخل الملعب كان المرء يشعر بمدى عشق هذا اللاعب للكرة وهو يركلها ويسددها ويمررها لزملائه ويضعها في شباك الفرق المنافسة، كما كان يجعلنا نشعر بقدر كبير من الذكاء بين قدميه، إن جاز التعبير، للدرجة التي تجعل البعض يشير إلى أن سكولز يمكنه أن يبقى لمدة عام كامل في جزيرة مهجورة من دون أدنى مشكلة لو تركته مع الكرة.
وعلاوة على كل هذه المهارات والإمكانيات، كان سكولز شخصاً وفياً وأصيلاً، والدليل على ذلك أنه قضى مسيرته الرياضية بالكامل بين جدران نادٍ واحد وهو مانشستر يونايتد، وهذا النادي كان هو الأكثر شهرة وثراء ونجاحاً بكل تأكيد. كما يتسم سكولز بقدر كبير من التواضع، الذي يجعله لا يتحدث كثيراً عن نفسه وعن الإنجازات التي حققها.
وبعد اعتزاله لكرة القدم، عمل سكولز محللاً للمباريات بشبكة «بي تي سبورت» وظهر بشكل متألق للغاية، وخصص جزءاً كبيراً من حديثه للتركيز على الأوضاع الصعبة التي يعاني منها مانشستر يونايتد في الوقت الحالي، وكان يتحدث عن النادي بدراية كبيرة بحكم السنوات الطويلة التي قضاها بين جدرانه والتي جعلته جزءاً لا يتجزأ من تاريخ هذا النادي العريق.
لكن هناك مشكلة هنا أيضاً، فرغم أن سكولز يبدو محقاً في الحديث عن الكثير من المشكلات التي يعاني منها مانشستر يونايتد في الوقت الحالي، فمن الصعب ألا تشعر بأن مثل هذه المشكلات، خصوصاً المشكلات بين المدير الفني وبعض اللاعبين البارزين في الفريق، كانت موجودة أيضاً عندما كان سكولز لاعباً. وبشكل غير متوقع، أصبح سكولز أحد أكبر المحرضين ضد جميع المديرين الفنيين الذين تولوا قيادة الفريق عقب اعتزال المدير الفني السابق السير أليكس فيرغسون. وعقب خسارة مانشستر يونايتد أمام غريمه مانشستر سيتي بثلاثية نظيفة في مارس (آذار) 2014، ظهر بول سكولز على شاشات التلفاز يوجه انتقادات لاذعة إلى لاعبي مانشستر يونايتد. وعندما سئل المدرب مويز عما فعله سكولز، رد قائلاً: «لقد قتلني هناك». لكن مويز كان قد أطلق هذا التصريح الصحيح في الوقت غير المناسب، وبالتالي أُقيل من منصبه بعد شهر واحد.
كما لم يتوقف سكولز عن توجيه الانتقادات اللاذعة إلى المدير الفني السابق لمانشستر يونايتد لويس فان غال. وفي الوقت الحالي، يفعل سكولز نفس الأمر مع المدير الفني الحالي للفريق جوزيه مورينيو، وبات من الواضح تماماً أن سكولز لا يحب المدير الفني البرتغالي ولا يتورع عن توجيه كل الانتقادات إليه، للدرجة التي جعلته يشير خلال الأسبوع الجاري إلى أنه حتى النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي لن يمكنه اللعب بشكل جيد تحت قيادة مورينيو، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن النجم البلجيكي روميلو لوكاكو يمثل جزءاً من المشكلة التي يواجهها مانشستر يونايتد.
وأود هنا أن أشير إلى أنه رغم كل الخبرات التي اكتسبها سكولز من اللعب في مانشستر يونايتد ورغم بلاغته وقدرته على الحديث بشكل جيد، فإن سكولز لا يعد أفضل شخص يتحدث عن المشكلات التي يعاني منها مانشستر يونايتد في الوقت الحالي. وتجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن سكولز يتحدث عن الفريق من موقع خاص بعدما حصل على امتيازات هائلة، فقد كان لاعباً فذاً وموهوباً قضى مسيرته الرياضية بالكامل يلعب بجوار لاعبين رائعين وموهوبين للغاية وتحت قيادة أفضل مدير فني في تاريخ الدوري الإنجليزي!
لقد كان مانشستر يونايتد أغنى نادٍ في إنجلترا خلال معظم هذه الفترة، حتى بدأ المليارديرات يستثمرون في الأندية الأخرى ويضخون أموالاً طائلة من أجل تدعيم صفوف أنديتهم بأفضل اللاعبين في العالم. وبالتالي، فإن السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن هو: ما أسباب تعثر مانشستر يونايتد؟ إذا كان سكولز يتحدث عن الاختيارات السيئة في التعاقد مع اللاعبين الجدد والمشكلات الإدارية الكبيرة التي لا يبدو من الصعب إيجاد حلول لها، فهو محقّ في ذلك.
لكن لا يبدو أن هناك شيئاً منطقياً في الوقت الحالي، فعلى الرغم من أن مانشستر يونايتد يضم لاعباً في خط وسطه تبلغ قيمته 90 مليون جنيه إسترليني، فإن هناك العديد من علامات الاستفهام التي تحيط بأداء هذا اللاعب وبعلاقته المتوترة بمديره الفني! لقد أنفق مانشستر يونايتد مئات الملايين على التعاقد مع اللاعبين، لكن لماذا لم يتحسن مستوى الفريق؟ ربما تكمن الإجابة في حقيقة أن مانشستر يونايتد قد أنفق مئات الملايين على التعاقد مع لاعبين تم اختيارهم من قِبل أكثر من مدير فني لكلٍّ منهم وجهة نظره الخاصة ومواصفاته الخاصة في اللاعبين الذين يريدهم، وهو ما جعل من الصعب على هؤلاء اللاعبين -المميزين كلٌّ على حدة- أن يلعبوا معاً بشكل جيد.
في الحقيقة، يمكن لأي شخص أن يرى مَواطن الخلل واضحة للغاية في مانشستر يونايتد، وبالتالي يتيعن على سكولز أن يوجه انتقاداته اللاذعة إلى مواطن الخلل الحقيقية، بدلاً من توجيه سهامه إلى كل مدير فني يأتي لتولي قيادة الفريق. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا لم يوجه سكولز انتقاداته إلى مسؤولي وملّاك النادي، الذين يواصلون استغلالهم لواحدة من المؤسسات الرياضية الكبرى في البلاد من أجل الحصول على الأموال فقط، والذين أشرفوا على هذه الفترة من الركود والتدهور؟