تعاليم كرويف ما زالت تلازم غوارديولا

بعد مرور 18 مباراة من الموسم الثاني لجوسيب غوارديولا مدرباً لنادي بايرن ميونيخ، خسر فريقه أمام فولفسبرغ بنتيجة 4 - 1، وكانت تلك الهزيمة الأولى للفريق خلال الموسم، وجاءت بمثابة مفاجأة مدوية، ودفعت غوارديولا للتوقف هنيهة وإعادة التفكير.
هل بالغ في التفكير؟ هل أفرط في تجاربه الخاصة بالاعتماد على الظهيرين للاستحواذ على الكرة بفاعلية مثل لاعبي الوسط المائلين للأطراف قديماً كأجنحة لدرجة جعلته يغفل الأساسيات؟ وخرج غوارديولا عاقداً العزم على عدم تكرار هذا الخطأ، وكتب ما أطلق عليه «الوثيقة المقدسة» على لوحة بيضاء داخل مكتبه.
في الواقع، كان ذلك وثيقة مقدسة صغيرة للغاية، واحتوى على 3 وصايا محورية فحسب. وتبعاً لهذه الوصايا، فإن غوارديولا سوف يستعين بـ«اثنين مقابل أربعة في الهجوم - لاعب إضافي في وسط الملعب - لاعب إضافي في الدفاع». في الواقع، بدت هذه الوصايا متماشية للغاية مع قيم مدرسة كرويف الكروية، وحملت الوصيتان الثانية والثالثة أصداء ما كتبه غوارديولا في مذكراته التي نشرها عام 2001 في إطار شرحه فكر معلمه العظيم وقدوته يوهان كرويف حول التشكيلات الأساسية. وقال إن الأولوية داخل الملعب تكمن في «ملء منتصف الملعب من أجل ضمان امتلاك تفوق عددي».
بالتأكيد هناك العديد من العوامل الأخرى التي تسهم في تكوين فريق، وهناك الكثير من المناسبات التي لم يواجه غوارديولا خلالها 4 - 4 - 3 بـ4 - 4 - 2. لكن بالنسبة لغوارديولا تشكل هذه المبادئ الفكرة المحورية. وربما يشرح ذلك أسلوب اللعب الذي اعتمده غوارديولا أمام ليفربول مؤخراً. أمام خط هجوم ليفربول المؤلف من ثلاثة لاعبين (رمح ثلاثي الأطراف)، اعترف غوارديولا قبل المباراة أنه يخيفه، استعان الأخير بأربعة لاعبين في خط الدفاع. كانت الاستعانة بثلاثة لاعبين في خط الدفاع قد نجحت في المباراة التي أقيمت في استاد «الاتحاد» الموسم الماضي، وانتهت بالفوز 5 - 0، وكذلك إلى حد ما خلال مباراة الإياب في دور ربع النهائي من بطولة دوري أبطال أوروبا، تجنب غوارديولا أخطار دفع الظهيرين نحو التقدم في وقت متزامن عبر الاستعانة بكايل والكر في دور أكثر تحفظاً عن المعتاد.
إلا أن الصورة التي ظهر بها باقي الفريق هي التي بدت لافتة للغاية، فبدلاً عن خط الوسط المعتاد، استعان غوارديولا بلاعب إضافي، ليلتزم بذلك بوصية اللعب باثنين في مواجهة أربعة في الهجوم عبر الاعتماد على أسلوب لعب 4 - 4 - 2. واحتل فرناندينيو وبيرناردو سيلفا الوسط، مدعومين برحيم سترلينغ ورياض محرز. وقد شارك اللاعبون المخصصون للعب في مساحات واسعة في أدوار أعمق بكثير عن المعتاد بالنسبة للاعبين المخصصين لهذا الدور داخل مانشستر سيتي هذا الموسم، ليساعدوا بذلك في كل من وسط الملعب وتوفير الحماية للظهيرين.
ومثلما اتضح، فقد اختار يورغن كلوب هو الآخر استخدام الظهيرين على نحو أكثر تحفظاً، مستعيناً بديان لوفرين، بجانب دفعه جو غوميز إلى مركز الظهير الأيمن محل ترنت ألكسندر أرنولد، صاحب النزعة الأكثر هجومية.
وبذلك، أصبحت المعركة الدائرة على جانبي الملعب أكثر حذراً عما كان متوقعاً.
من جانبه، حاول غوارديولا فعل أمر مشابه خلال مباراة الذهاب الأولى له في بطولة دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، عندما جرت الاستعانة بإيلكاي غوندوغان في دور على الجناح الأيمن، بهدف حماية الظهير ومنح مانشستر سيتي قدراً من السيطرة تحول دون تمكن ليفربول من بناء زخم على غرار ما نجح في نسف مانشستر سيتي في الشوط الثاني من مواجهتهما في إطار بطولة الدوري على أرض استاد «أنفيلد»، وانتهت بفوز ليفربول بنتيجة 4 - 3.
ومع أن الفكرة أخفقت تلك المرة، فإن الإخفاق في تنفيذ الفكرة على النحو الصحيح لا يعني بالضرورة أنها معيبة.
الحقيقة ربما لم تكن هذه المباراة بالمستوى الفني الذي كنا نأمله جميعاً، لكن في خضم تطبيقه الدروس التي استفادها من مواجهة فولفسبرغ، وعودته إلى مبادئ مدرسة كرويف، أبدى غوارديولا قدراً كبيراً من المرونة والبرجماتية لم نعتده منه فيما مضى. وربما يثبت هذا التوجه الجديد فاعليته في الخروج بنتائج جيدة في مواجهة خصوم من أندية النخبة خارج أرضه.