صلاح أصبح أشبه بسيارة فائقة السرعة تعاني خللاً في أحد إطاراتها

لدى مشاهدة محمد صلاح أثناء الإحماء قبل انطلاق المواجهة بين ليفربول ومانشستر سيتي، انتابني شعور بالصدمة. في الواقع، عادة ما يكون هناك عنصر صدمة في اللحظة التي ترى فيها اللاعبين الصفوة عن قرب، وتبدو اللحظة أشبه بلحظة تكشف حقيقة كبرى. على سبيل المثال، شعرت بالصدمة لدى مشاهدتي هاري كين يجري عملية الإحماء ويتدرب على تصويب الكرة قبل المباراة التي خاضها إنتر ميلان في سان سيرو في إطار بطولة دوري أبطال أوروبا. وكان سبب صدمتي اكتشاف مدى براعة كين الكبيرة في تصويب الكرة باتجاه أكثر الأماكن ضيقاً.
إلا أن الأمر كان مختلفاً مع صلاح بعض الشيء. وبدلاً من ذلك، دخل صلاح في منافسة محتدمة بالكرة مع اللوحات الإعلانية. وفي النهاية، هز كتفيه بلا مبالاة ورحل بعيداً غير عابئ بشيء. بوجه عام، يبدو صلاح مختلفاً عن اللاعبين الآخرين في كثير من الجوانب. وبدا مختلفاً عن أي لاعب آخر في الموسم السابق أيضاً، خاصة في الفترة التي سيطرت عليه خلالها حالة من الجنون جعلته متألقاً على نحو لافت. وبدا صلاح مختلفاً عن أي لاعب داخل الملعب في استاد «أنفيلد»، وأثار شعوراً بأنه رجل يحمل معه مساحته الخاصة به أينما ذهب حتى في الوقت الذي كان يصنع ويهدر الفرص.
وفي نهاية هذه المواجهة التي انتهت بالتعادل السلبي وبدت محتدمة من حين لآخر، كان صلاح من أواخر اللاعبين الذين غادروا أرض ملعب «أنفيلد» وربت مدرب مانشستر سيتي جوسيب غوارديولا بخفة على كتف صلاح داخل دائرة منتصف الملعب، في لفتة حملت في طياتها بعض التعزية وبعض التعاطف. ومع اقترابه من ممر خروج اللاعبين، تباطأت خطوات صلاح ونظر حوله وعلى وجهه علامات الإرهاق.
وبدت هذه الصورة مختلفة للغاية عن صورة اللاعب الذي حصد جائزة أفضل لاعب الموسم الماضي، فقبل كل شيء هذا هو اللاعب الذي اعتاد تسجيل الأهداف بقوة لا يضاهيها سوى ميسي. ومع هذا، فإنه لم يحرز حتى الآن سوى أربعة أهداف على امتداد آخر 16 مباراة شارك بها، وسجل هدفاً واحداً خلال آخر سبع مباريات له، ولم يسجل أية أهداف على الإطلاق خلال آخر أربع مباريات. ومن المؤكد أن الأصداء الخافتة للموجة المناهضة لصلاح سوف تستمر، مع تنوع ردود الفعل ما بين التعاطف مع لاعب يبدو أن بوصلته فقدت وجهتها الصحيحة، وقبول حقيقة أن العام الماضي إنجاز يتعذر تكراره، والتلميح بأن ما نعاينه اليوم أكبر مخطط احتيال مصري نتعرض له منذ لعنة مقبرة توت عنخ آمون.
بطبيعة الحال، لا تعد مسألة ظهور لاعب ما بمستوى رديء بالظاهرة الجديدة. ومع هذا، تظل حالة صلاح الغريبة مثيرة للاهتمام والفضول. ومن الخطأ القول بأنه قدم مباراة رديئة أمام ليفربول، وإنما التعبير الدقيق أنه قدم مباراة غريبة - مباراة غير متوازنة اقترب خلالها كثيراً من النجاح، لكن لم يصله. كذلك سيكون من الخطأ القول بأن صلاح لم يكن له حضور واضح خلال المباراة أو أن وجوده اقتصر على الأطراف. الحقيقة أنه وجوده كان قوياً داخل الملعب، ونجح في ترسيخ وجوده في قلب كل هجمة حقيقية انطلقت من جانب «ليفربول»، لكن فجأة يبدو وكأنه أصيب بفقدان الذاكرة ولم يعد يتذكر ما كان يفعله في مثل هذه المواقف.
ومع هذا، تبقى الحقيقة أن صلاح بوجه عام لاعب يتسم بنمط غريب، ذلك أن ثمة عدم اتزان واضح في موهبته يجعله أشبه بسيارة فائقة السرعة لكنها تعاني خللاً بأحد إطاراتها. وعبر تحركاته داخل الملعب، ينفذ صلاح بعض أصعب المهام بسهولة مذهلة، مثل الجري داخل المساحات واتخاذ مركز خطير بجانب مدافع للخصم. ولو كانت لمساته الأخيرة دقيقة وفي حالتها المعهودة، كان سيحرز ثلاثية أهداف في مرمى «تشيلسي» خلال المواجهة التي سبقت لقاء سيتي. إلا أنه أهدر هذه الفرص، وصوب الكرة في المرة الأولى بعيداً عن المرمى، بعد أن نجح في خلق مساحة له بسهولة يحسد عليها خلف مدافع سيتي إيميرك لابورتي.
في وقت مبكر من الشوط الثاني، وجد صلاح بطريقة عجيبة مساحة واسعة خالية في قلب منطقة الجزاء المزدحمة، لكنه مرر الكرة بقدمه اليسرى مباشرة إلى إديرسون. وفي وقت لاحق، جرى صلاح نحو تمريرة طويلة أطلقها آندري روبرتسون، وعدل من خطوته ورفع عينيه بأعلى لمسح المنطقة وعدل جسده لاتخاذ الوضع المناسب، ثم أطلق الكرة فوق عارضة المرمى بأميال - وليس فوق العارضة بأميال فحسب، وإنما بعيداً عنها بأميال، في خطأ كروي فاحش.
هنا تكمن معضلة صلاح، فمن جديد أصبح أفضل مهاجم في صفوف «ليفربول». ومع ذلك، عند تحليل أدائه بدقة، ستجده يتحول إلى سلسلة من الأخطاء والعثرات. ويبدو صلاح لاعباً يتميز بسرعة البرق ويتقدم داخل الملعب بقوة حتى يبلغ اللحظة التي يقترب خلالها من المرمى، وحينها يتحول إلى رجل فقد اختفت ساقاه وحلت محلها كتلتين من الخشب.
قبل انطلاق صافرة بداية المباراة، كانت هناك دفقة من النشاط في مدرجات «أنفيلد». وفي أيام كتلك، تعج المدرجات بموجات من الحماس الشديد والضوضاء الكبرى التي تجد طريقها إلى داخل أرض الملعب. وبالنظر إلى أن هذه المباراة شهدت مواجهة بين أكبر قوتين هجوميتين على مستوى بطولة الدوري الممتاز، جاءت المباراة باهتة على نحو لافت وخالية من الأداء الهجومي القوي. ومع مضي الشوط الثاني، أصبح «ليفربول» في حاجة ماسة إلى شخص في قلب الملعب كي يعدو ويكسر خطوط الستة الأماميين. وبينما يتحرك جوردان هندرسون نحو الأمام طواعية، فإنه لا يشكل أي خطر حقيقي، ويبدو بساقيه الطويلتين وظهره المستقيم أشبه بضابط بسلاح الفرسان يسير بخيلاء بين صفوف الجنود، إلا أنه قبل نهاية المباراة بست دقائق، بدا أن اللحظة الحاسمة قد حانت. كان ليروي ساني، الذي شارك في وقت متأخر من المباراة بديلاً للاعب آخر، تعثر أثناء تحركه عبر الطرف الأيسر من الملعب. ووقف رياض محرز لتسديد ركلة الجزاء واستعد، ثم أطلق الكرة لمسافة مرتفعة للغاية. في الحقيقة، كانت تلك ركلة جزاء أشبه بفيلم رعب، وربما كانت اللعبة الأكثر سخفاً من جانب لاعب كرة قدم.
ولا يزال الأمل قائماً في أن يتمكن صلاح من استعادة تألقه خلال الفترة المقبلة. إلا أنه في الوقت الراهن أصبحت فكرة تفوقه على لوكا مودريتش وكريستيانو رونالدو وليونيل ميسي واقتناصه جائزة الكرة الذهبية أقل احتمالاً، خاصة وأنه لاعب مهاجم ولم يحقق في إطار بطولة الدوري الممتاز منذ فبراير (شباط) سوى المساعدة في تسجيل ثلاثة أهداف - ومع هذا ورغم كل غرابته والشعور المحيط به بأنه لاعب يلعب كرة القدم تبعاً لقواعده هو، فإنه لا يزال يتميز بسرعة مذهلة وبقدرته على اختيار التوقيت المثالي ورؤية المرمى أمامه بوضوح.