برشلونة تشهد مواجهات جديدة بين الانفصاليين وقوات الأمن

بعد عام بالتمام من المواجهات العنيفة التي شهدتها العاصمة الكاتالونية بين أنصار الحركة المطالبة بالاستقلال وقوات الأمن المركزية، والتي فجرّت أخطر أزمة تواجهها إسبانيا منذ عودة الديمقراطية أواخر سبعينات القرن الماضي، عادت برشلونة لتشهد أمس مواجهات جديدة تنذر بمزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة. لكن مواجهات الأمس لم تكن بين أجهزة الأمن المركزية والحركات الانفصالية، كما في السابق والمعهود، بل بين هذه الأخيرة وقوات الشرطة الإقليمية الكاتالونية التي حاولت منع الصدام بين عناصر من «لجان الدفاع عن الجمهورية» و«اليسار الاستقلالي المناهض للرأسمالية» من جهة، ونحو ألفين من أفراد الشرطة المركزية الإسبانية كانوا يتظاهرون تكريماً لزملائهم الذين صادروا صناديق الاقتراع في استفتاء العام الماضي تنفيذاً لأوامر مدريد، بعد أن أعلنت المحكمة الدستورية عدم شرعية الاستفتاء، وأصدرت المحاكم مذكرات جلب بحق القيادات الانفصالية الذين هرب بعضهم خارج البلاد، ولا يزال معظمهم في السجون بانتظار المحاكمة بتهمة التمرد وتبذير المال العام.
ويحتجّ أفراد الشرطة الوطنية والحرس المدني المنتدبين في برشلونة وإقليم كاتالونيا على الضغوط والاستفزازات التي يتعرضون لها في الأوساط الكاتالونية، والاتهامات التي توجّه لهم بممارسة القمع والممارسات غير الإنسانية. وفيما تستعدّ برشلونة ليوم حافل بالتحركات والمظاهرات المضادة غداً (الاثنين)، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستفتاء الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، بدأت تظهر علامات الانقسام بين القوى الانفصالية التي تحركت حتى الآن ضمن جبهة واحدة متراصّة، مع مؤشرات واضحة على العودة إلى التصعيد في الخطاب والمواقف ضد الحكومة المركزية.
وقد أعلن أوريول جونكيراس، زعيم حزب اليسار الجمهوري، المعتقل منذ نهاية أكتوبر الماضي، أنه سيرأس لائحة حزبه في الانتخابات الأوروبية التي ستجرى في ربيع العام المقبل. وقال في بيان من السجن: «هذا هو السبيل الأفضل لمواجهة القمع الذي تفرضه الدولة علينا، ولتدويل الحركة الاستقلالية في كاتالونيا».
تجدر الإشارة إلى أن جونكيراس ما زال يتمتع بحقوقه الانتخابية كاملة، رغم وجوده في السجن بانتظار محاكمته بتهمة التمرد. وقد أضاف في بيانه: «من واجبي الدفاع عن حقوقي السياسية، وحقوق كل المضطهدين، ولذلك قررت الترشح للانتخابات الأوروبية».
وعن تزامن هذا الإعلان مع الذكرى السنوية الأولى للاستفتاء الذي صوّتت فيه الأحزاب والقوى الانفصالية تأييداً لاستقلال كاتالونيا، وامتنعت بقية القوى السياسية عن المشاركة، قال: «إنه اليوم الذي تغيّر فيه كلُّ شيء، اليوم الذي التفّ فيه الشعب حول مؤسساته لتأكيد إرادته في الاستفتاء الذي هددونا بعدم شرعيته، وكشفنا لأوروبا والعالم عن أسوأ وجه للدولة»، وأضاف: «لقد بات من واجبنا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، كشف المؤامرة ضد الاستقلال، التي هي في جوهرها مؤامرة ضد الديمقراطية. نحن اليوم مطالبون بأن نكشف لأوروبا وللعالم عن مواطن الضعف والعار في مملكة إسبانيا».
وفي أول ردة فعل على هذه التصريحات، قللت أوساط قريبة من الحكومة الإسبانية من خطورة التصعيد الذي تحمله هذه التصريحات، وأدرجتها ضمن استراتيجية اليسار الانفصالي لرفع يد الرئيس السابق بوتشيمون، الفار من العدالة في بلجيكا، عن الحركة الاستقلالية التي كان لواء قيادتها معقوداً تاريخياً لليساريين الجمهوريين.
كان جونكيراس قد أوضح أخيراً أنه لن ينضمّ إلى بوتشيمون وحزبه لتشكيل جبهة موّحدة في الانتخابات البلدية، مما يعزّز حظوظ رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق مانويل فالس، الذي أعلن أخيراً ترشيحه لمنصب رئيس بلدية برشلونة، على رأس تحالف من القوى اليمينية واليسارية المعتدلة.
تجدر الإشارة إلى أن الانقسامات بين القوى المؤيدة للاستقلال ليست مستجدة في كاتالونيا، بل هي تعود إلى منتصف سبعينات القرن الماضي، بعد وفاة فرنكو وعودة الحياة الديمقراطية إلى إسبانيا. لكن حزب اليسار الجمهوري، الذي ترجّح آخر الاستطلاعات تقدمه على تحالف بوتشيمون في الانتخابات البلدية، تراجع عن مواقفه، وتنازل لخصومه السياسيين التقليديين، منعاً لكسر الجبهة الاستقلالية في ذروة مواجهتها مع مدريد.