ملف إدلب يزداد تعقيداً بعد وصول 400 «داعشي» من دير الزور

تُعزز تركيا مواقعها العسكرية في محافظة إدلب مع بدء العد العكسي لتطبيق مضمون الاتفاق التركي - الروسي لإنشاء منطقة عازلة خالية من المتطرفين في آخر معقل لـ«هيئة تحرير الشام» والفصائل المعارضة للنظام في سوريا، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من ريف إدلب.
وفي إجراء غير متوقع ولم تعرف كل ظروفه بعد، عمدت قوات النظام السوري الاثنين إلى نقل 400 عنصر من تنظيم «داعش» من شرق البلاد إلى محافظة إدلب (شمالي غرب)، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مما يعقد الصورة في إدلب.
وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية ليل الاثنين - الثلاثاء رتلاً عسكرياً تركياً مؤلفاً من 35 آلية وناقلة جند على الأقل قرب مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، قال إنها سلكت أوتوستراد دمشق - حلب الدولي إلى جنوب محافظة إدلب.
وسار الرتل الذي دخل عبر معبر باب الهوى الحدودي بمواكبة من مقاتلي «الجبهة الوطنية للتحرير» المؤلفة من فصائل عدة مدعومة من أنقرة، بينها «حركة أحرار الشام».
وتوجه الرتل، وفق ما أفاد «المرصد»، في وقت لاحق إلى نقطة مراقبة تابعة للقوات التركية قرب قرية شير مغار في ريف حماة الشمالي المتاخم لإدلب.
وتنشر تركيا قواتها في 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها، لضمان الالتزام باتفاق خفض التصعيد الناجم عن محادثات آستانة برعاية موسكو وطهران، حليفتي دمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل.
ويأتي هذا بعد اتفاق موسكو وأنقرة قبل أسبوع على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق بين 15 و20 كيلومتراً على خطوط التماس بين قوات النظام والفصائل عند أطراف إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة. وجنّب الاتفاق إدلب هجوماً لقوات النظام التي أرسلت تعزيزات كبيرة إلى المنطقة خلال الشهرين الماضيين تمهيدا لشن هجوم لاستعادة السيطرة على المحافظة.
وينوط الاتفاق بتركيا أن تعمل على أن يسلم المقاتلون المعارضون سلاحهم الثقيل في المنطقة العازلة بحلول 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وعلى ضمان انسحاب المتطرفين تماماً منها بحلول 15 من الشهر المقبل.
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» على الجزء الأكبر من إدلب، بينما توجد فصائل إسلامية ينضوي معظمها في إطار «الجبهة الوطنية للتحرير» في بقية المناطق. وتنتشر قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي.
ونص الاتفاق على انتشار قوات تركية والشرطة العسكرية الروسية في المنطقة العازلة.
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» ومجموعات متطرفة أخرى أقل نفوذاً منها، بينها تنظيم «حراس الدين» المرتبط بتنظيم «القاعدة»، على نحو 70 في المائة من المنطقة العازلة المرتقبة، وفق «المرصد».
ولم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي من «الهيئة» التي كانت أعربت سابقاً عن رفضها «المساومة» على السلاح، عادّةً الأمر بمثابة «خط أحمر». ويتحدث محللون عن «مهمة صعبة» أمام تركيا لفرض الاتفاق على التنظيمات الجهادية.
وقال الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش: «لا أرى كيف ستتمكن تركيا من فرض إرادتها على المتطرفين»، مرجحا أن ينتهي الأمر بـ«بهجوم للجيش السوري خلال الأشهر المقبلة».
وفي خطوة من شأنها أن تُعقد المشهد أكثر في إدلب، أفاد «المرصد السوري» بنقل قوات النظام مساء الأحد الماضي 400 عنصر من تنظيم «داعش» من منطقة صحراوية في جنوب محافظة دير الزور إلى إدلب.
ووصل هؤلاء الاثنين إلى منطقة تحت سيطرة قوات النظام في ريف إدلب الشرقي، ولم يُعرف حتى الآن ما إذا كانوا بدأوا بالدخول إلى مناطق سيطرة الفصائل.
وقال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن «بعد مفاوضات استمرت أياما عدة وأمام تهديد من الإيرانيين وقوات النظام بشن هجوم ضدهم، جرى التوصل إلى اتفاق مع مقاتلي التنظيم في جنوب البوكمال». وأضاف: «كل ما كان يريده الإيرانيون هو التخلص من التنظيم وتخفيف الضغط عنهم وعن قوات النظام في شرق سوريا».
وتسيطر قوات النظام على الضفة الغربية لنهر الفرات بما فيها مدن دير الزور والميادين والبوكمال، فيما تنتشر «قوات سوريا الديمقراطية (فصائل كردية وعربية)» عند الضفة الشرقية حيث تقاتل التنظيم المتطرف في جيب صغير لا يزال تحت سيطرته.
وينشط تنظيم «داعش» أيضاً في منطقة صحراوية جنوب مدينة البوكمال في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، وقد شنّ انطلاقاً منه خلال الأشهر الماضية هجمات عدة ضد قوات النظام.
وطلب التنظيم المتطرف، وفق عبد الرحمن، نقل مقاتليه إلى إدلب خصوصاً أن بينهم عناصر سوريين يتحدرون من تلك المحافظة، فضلاً عن أجانب لم يتمكن «المرصد» من تحديد جنسياتهم.
وينشط تنظيم «داعش» في محافظة إدلب على شكل خلايا نائمة. وقد تبنى خلال الأشهر الماضية عمليات اغتيال عدة طالت مقاتلين وقياديين في الفصائل و«هيئة تحرير الشام».
ومن شأن ارتفاع عدد مقاتلي التنظيم في إدلب أن يساهم «في تعقيد المشهد في إدلب، إن عبر تعزيز الفوضى الأمنية فيها، أو ربما عبر دعم التنظيمات المتطرفة الرافضة للاتفاق الروسي - التركي»، وفق عبد الرحمن.
ورأى الخبير في شؤون المتطرفين في «معهد الجامعة الأوروبية» تور هامينغ، أن النظام قد يكون يسعى لتجميع معارضيه في منطقة واحدة أو لـ«إشعال الاقتتال الداخلي» في إدلب.
وقال: «من الأسهل على النظام أن يقنع اللاعبين الدوليين بهجوم على إدلب بحجة أنه يوجد فيها عدد مهم من مقاتلي تنظيم داعش».