هل ما زالت عملية جنيف تسعى إلى هدف؟

هل تكون مهمة الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا مهمة مستحيلة؟ هذا ما يراه العديدون، غير أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون حرص على التوضيح أنها «شبه مستحيلة».
وفي تقرير من جنيف، قالت وكالة الصحافة الفرنسية إنه لا يشك أحد في أن الموفد الدولي الحالي لسوريا ستيفان دي ميستورا لم يدّخر جهدا منذ أن خلف وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي عام 2014، ومن قبله الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الحائز جائزة نوبل للسلام كوفي أنان.
وبموازاة هذه الجهود، تفاقم النزاع في سوريا الذي اندلع عام 2011 مع قيام نظام الرئيس بشار الأسد بقمع احتجاجات سلمية، وازداد تعقيدا على مر السنين مع تصاعد نفوذ تنظيمات جهادية وتدخل دول أجنبية.
وأوقع النزاع أكثر من 350 ألف قتيل وأسفر عن ملايين النازحين واللاجئين.
ونظم دي ميستورا تسع جولات من المفاوضات غير المباشرة في جنيف وفيينا بدون أن يتوصل إلى نتيجة. وعلى الأرض، بات النظام المدعوم عسكريا من روسيا يسيطر على حوالي ثلثي البلاد.
ويشيد المدافعون عن الدبلوماسي الإيطالي السويدي بمرونته وإصراره وقدرته على ابتكار طروحات وحلول في مواجهة حكومة سورية لم تبد بحسب بعض المراقبين أي اهتمام للدخول جديا في مفاوضات.
حرصا منه على المضي قدما، سعى دي ميستورا في الأشهر الأخيرة لإنشاء لجنة دستورية تكلف وضع دستور جديد لسوريا، وفق خطة وضعت في يناير (كانون الثاني) في سوتشي على ضفاف البحر الأسود خلال قمة جمعت إيران وروسيا وتركيا.
ولم يخف الموفد الدولي أمله في أن تتمكن هذه اللجنة من بدء العمل في سبتمبر (أيلول) مع انعقاد الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك، غير أن ذلك لم يحصل.
ورأى خبير الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إميل حكيّم أن محاولة تشكيل هذه اللجنة هي مجرد «كلام فارغ». وقال: «إنه هدر للجهود وللمصداقية الدبلوماسية، من الواضع أن الموضوع غير مطروح إطلاقا».
وحذر دي ميستورا خلال اجتماع لمجلس الأمن حول سوريا في 18 سبتمبر من مشاورات تتواصل بلا نهاية، مشيرا إلى وجود عقبات كبرى ما زال يتحتم التغلب عليها قبل أن يتفق الأطراف على تشكيلة اللجنة. لكن الموفد الذي يصف نفسه بأنه «متفائل لا يعرف الكلل»، أعلن أنه «سيحدد موعدا» الشهر المقبل لإنشاء اللجنة.
ولفت حكيّم إلى أن مشروع الدستور هو مثال على مشكلة مزمنة تلازم آلية جنيف، حيث الأهداف الدبلوماسية تتبدل باستمرار في غياب أي إنجاز ملموس.
وفي هذه الأثناء، شدد على أن الأسد تمكن من الإعلان بأنه يشارك في مفاوضات برعاية الأمم المتحدة بموازاة تصعيد عملياته العسكرية. وعلق حكيّم: «يجدر بالأمم المتحدة أن تتساءل أولا إن كان الأمر يستحق العناء، والأهم من ذلك، إن كانت لا تزال تخدم مصالح الشعب السوري». وقال: «لم يعط ميستورا يوما الانطباع بأن الكيل طفح».
رأى دبلوماسي أوروبي طلب عدم كشف هويته أنه أمر إيجابي أن يكون الموفد الدولي يؤمن بـ«فن الممكن» ويحاول «حلحلة» عملية السلام من خلال إنشاء لجنة دستورية. لكنه حذر في المقابل من مخاطر عملية سلام تمتد إلى ما لا نهاية.وقال: «يشتبه العديدون منا أن النظام وحلفاءه يريدون بكل بساطة أن يلعبوا اللعبة (...) ويحولوها إلى منتدى للمناقشة».
كذلك حذر وزير الخارجة الفرنسي جان إيف لودريان الاثنين من أن المنطقة برمتها قد تشهد «حربا دائمة» في حال لم يتم التوصل إلى حل سياسي في سوريا. ولفت مكتب ستيفان دي ميستورا في رسالة إلكترونية إلى أن اللجنة الدستورية «محطة مهمة بحد ذاتها وبوابة إلى إصلاحات أخرى مقبلة» مثل الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة التي تشكل عنصرا أساسيا في عملية جنيف للسلام.
واعتبر مدير مركز الحوار الإنساني ديفيد هارلاند أن أخطاء دي ميستورا تعكس تراجع موقع الأمم المتحدة كوسيط سلام.
وكتب هارلاند في وثيقة نشرت مؤخرا: «قبل منتصف التسعينات، كان موفدو الأمم المتحدة مدعومين بفريق صغير من الموظفين» لكن هذه المهمات تحولت مؤخرا إلى «بعثات سياسية خاصة أوسع نطاقا (...) تضم مستشارين متخصصين في كل المسائل، من المساواة بين الرجل والمرأة إلى تسريح الأطفال الجنود».
وانتقد هارلاند افتقار بعثات الأمم المتحدة إلى «القدرة على التحرك السريع» والانقسامات داخل مجلس الأمن.
ويضم فريق دي ميستورا 92 شخصا بحسب ما أوضح مكتبه، فيما بلغت ميزانيته للسنوات الثلاث الماضية حوالي 50 مليون دولار.