موسكو تحذّر الأميركيين من «اللعب بالنار» بعد حزمة عقوبات جديدة

وجهت موسكو رسالة تحذير قوية ضد واشنطن، وأكدت أنها ستعمل للحد من الأضرار الناجمة عن رزمة عقوبات جديدة طالت مؤسسات صناعات عسكرية روسية. وأكد الكرملين قدرة روسيا على مواجهة ما وصفها بأنها «تدابير عدوانية أوصلت العلاقات إلى الحضيض»، فيما حذرت الخارجية الروسية من اللعب بالنار، ورأى دبلوماسيون روس أن واشنطن «فقدت القدرة على التقويم السليم بسبب تنامي حال الغرور الفارغ لديها».
وعكست هذه العبارات الحادة درجة الاستياء الروسي بسبب رزمة العقوبات الجديدة، التي طالت 33 شخصاً ومؤسسة روسية لها صلة بالصناعات العسكرية والأمن، بالإضافة إلى إدراج مؤسسة دفاعية صناعية صينية على «اللائحة السوداء»، بسبب قيامها بشراء أسلحة ومعدات عسكرية روسية، بينها صفقة لشراء مقاتلات حديثة من طراز «سوخوي 25» وأنظمة صاروخية متطورة من طراز «إس 400».
وقد وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب قراراً تنفيذياً يقضي بفرض عقوبات على 33 مسؤولاً عسكرياً روسياً في وزارة الدفاع والاستخبارات الروسية في إطار تشريع «مواجهة أعداء أميركا عبر العقوبات» (كاتسا). وقال مسؤول رفيع بالخارجية الأميركية للصحافيين خلال مؤتمر صحافي، أول من أمس، إن هذا التشريع أقره الكونغرس في أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم، ويستهدف معاقبة روسيا بسبب أنشطتها الخبيثة وتدخلها في الانتخابات الأميركية. وأعلن المسؤول رفيع المستوي أن القرار التنفيذي للرئيس ترمب اتخذ بالتنسيق مع وزارتي الخارجية الأميركية والخزانة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها معاقبة أشخاص بموجب هذا التشريع. وفي القرار نفسه فرضت واشنطن عقوبات جديدة على وحدات عسكرية صينية تتعلق بشراء طائرات روسية وصواريخ. وحث المسؤول الأميركي جميع الدول على تقليص العلاقات مع قطاعات الدفاع والاستخبارات الروسية.
ورأت مصادر دبلوماسية روسية أن رزمة العقوبات الجديدة تختلف في سابقاتها كونها تدرج شركاء روسيا التجاريين في لائحة عقوبات موحدة، ما اعتبر أنه موجه لإضعاف روسيا وتقليص مساحة التعاون العسكري لها مع البلدان الأخرى، لأن «هذه العقوبات توجه رسائل إلى الشركاء الإقليميين والدوليين لروسيا بأنه يمكن إدراجهم تحت طائلة العقوبات الأميركية إذا واصلوا التعاون مع موسكو، ما يعني ممارسة ضغوط غير نزيهة لإبعاد روسيا عن الأسواق الدولية للسلاح». وكان الكرملين شدد على أن موسكو قادرة على مواجهة العقوبات الجديدة وتقليص تداعياتها، وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إن «الوقت كان متوفراً لدى موسكو لتحليل التهديدات الناجمة عن فرض عقوبات أميركية جديدة، والعمل للحد من مخاطرها». ووصف بيسكوف العقوبات الأميركية بأنها «عدوانية وغير ودية، وتواصل الإضرار بالعلاقات الثنائية القابعة أصلاً في حال مزرية».
واستبعد المتحدث الرئاسي احتمال تنظيم قمة روسية أميركية جديدة في المدى المنظور، وقال إنها ليست مطروحة بعد على جدول الأعمال، لكنه أوضح في المقابل أن قناة الاتصال بين مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون وسكرتير مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف، ما زالت قائمة، ولفت إلى «وجود بعض التقديرات حول المكان والموعد لعقد لقاء جديد بينهما، ولن أعلن عنها حالياً». لكنه أعرب في الوقت ذاته عن أسف لأن «المحاولات المتواضعة لإعادة إحياء العلاقات الروسية الأميركية على مستوى العلاقات العامة تواجه جداراً من الخرسانة المسلحة من جانب واشنطن». وفي السياق قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن بلاده تفعل كل ما يلزم كي «لا تواصل الاعتماد على الدول التي تتصرف بهذا الأسلوب مع الشركاء». وزاد: «نحن سوف نستخلص، بل ونستخلص العبر لأنفسنا من هذا الوضع. نحن نقوم بكل ما هو ضروري لكي لا نعتمد على تلك الدول التي تتصرف هكذا بحق شركائها الدوليين».
فيما تعهد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، بأن الولايات المتحدة لن تتمكن أبداً من فرض شروطها على روسيا بسبب العقوبات. ولفت إلى أنه «لن ينجح أحد في ذلك أبداً. ونوصي مشغلي ماكينة العقوبات في واشنطن بمعرفة تاريخنا، ولو بشكل خفيف، وذلك ليوقفوا غرورهم الفارغ». وشدد على أن «الإجراءات الجديدة ضد روسيا، كما تدل على ذلك سابقاتها، لم تنجح»، مشيراً إلى أنها «تزيد حدة التوتر في العلاقات الروسية الأميركية وتزعزع الاستقرار العالمي». وحذر واشنطن مشيراً إلى أنه «من الغباء اللعب بالنار، لأن ذلك يمكن أن يصبح أمراً خطيراً».
وكانت وزارة الدفاع الصينية أعلنت أن عقوبات واشنطن ضد بكين بسبب التعامل مع روسيا، هي انتهاك صارخ لقوانين العلاقات الدولية. وقال الناطق باسم الخارجية الصينية في مؤتمر صحافي، إن التعاون الصيني - الروسي، بما في ذلك المجال العسكري، لا يتعارض مع القانون الدولي، مؤكداً مواصلة بكين تعاونها الاستراتيجي مع موسكو رغم العقوبات. وأضاف: «إننا نحث الجانب الأميركي على تصحيح أخطائه على الفور، وإلغاء ما يسمى بالعقوبات، وإلا فإن الجانب الأميركي يتحمل مسؤولية النتائج».