بيتر تايلور... من تدريب المنتخب الإنجليزي إلى قيادة فريق في الدرجة الخامسة

يقود بيتر تايلور، الذي تولى من قبل قيادة المنتخب الإنجليزي لكرة القدم، تدريب نادي داغينهام آند ريدبريدج الذي يكافح من أجل البقاء في دوري الدرجة الخامسة بإنجلترا! ويتساءل الجميع عن السبب الذي دفع بالمدير الفني البالغ من العمر 65 عاما لاتخاذ هذه الخطوة التي تبدو غريبة للغاية.
ولا يُعد هذا الأمر مألوفا بالنسبة للمديرين الفنيين الذين تولوا قيادة المنتخب الإنجليزي. ومن منا يمكنه أن يتصور، على سبيل المثال، أن يقوم المدير الفني السويدي سفين غوران إريكسون، ذلك الرجل الذي تولى تايلور مهامه في قيادة المنتخب الإنجليزي بشكل مؤقت عام 2000، بقيادة ناد متواضع مثل برينتري أو بوريهام وود؟ يقول تايلور والابتسامة تعلو وجهه: «لا، لا يمكن أن يحدث ذلك بالتأكيد».
وعندما تجري لقاء مع تايلور تكتشف على الفور أنه يمتلك شخصية محبوبة وجذابة وأنه مغرم بسرد القصص، التي كان من بينها ما حدث له لدى عودته إلى مسقط رأسه بمقاطعة إيسيكس في عام 2012 بعد الفترة التي قضاها في تولي قيادة منتخب البحرين. يقول تايلور عن ذلك: «كنت في نزهة مع زوجتي وأوقفني شخص وقال لي: بيتر تايلور، أليس كذلك؟ وعندما قلت له نعم، رد علي قائلا: أنت شخص يفعل ما يحلو له ولا يندم على أي شيء قام به، أليس كذلك؟».
وخلال مسيرة تايلور الحافلة في عالم التدريب والتي استمرت على مدى 32 عاما، تولى المدير الفني المخضرم قيادة 15 نادياً، من بينها نادي غيلينغهام 3 ولايات في فترات مختلفة. وكانت أكثر هذه التجارب بُعداً هي تجربته مع نادي كيرالا بلاسترز الهندي. أما على المستوى الدولي، فقد تولى قيادة منتخب البحرين، كما تولى قيادة المنتخب الإنجليزي تحت 21 عاما مرتين، وقيادة المنتخب الإنجليزي تحت 20 عاما، كما قاد المنتخب الإنجليزي الأول في مباراة واحدة فقط، وهي المباراة التي خسرها المنتخب الإنجليزي أمام نظيره الإيطالي بهدف دون رد والتي منح خلالها تايلور شارة القيادة للنجم الإنجليزي السابق ديفيد بيكام.
ولكي تكتمل الصورة، تجب الإشارة إلى أن تايلور قد شغل أيضا منصب مساعد المدير الفني لنادي واتفورد ومنتخب نيوزيلندا، عندما كان يقيم في إنجلترا. وتولى تايلور قيادة نادي داغينهام وهو يعرف أن النادي يعاني من مشكلات مالية كبيرة حدثت عندما سحب غلين هوبكين، صاحب حصة الأغلبية في النادي آنذاك، تمويله في نهاية العام الماضي. وخلال الفترة ما بين بداية العام وحتى نهاية الموسم الماضي، كان نادي داغينهام يعاني من عجز مالي بلغ 250 ألف جنيه إسترليني للوفاء بالتزاماته. وكانت هذه فترة عصيبة ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة للنادي، الذي كان يسعى للبقاء في دوري الدرجة الخامسة رغم بيع عدد من لاعبيه.
وقد ساعد نادي وستهام نادي داغينهام في التغلب على مشكلاته المالية من خلال خوض مباراة ودية على ملعب «فيكتوريا روود» في مارس (آذار) الماضي، كما تبرع هوبكين بمبلغ كبير لمساعدة النادي على دفع الأجور المتأخرة. ومع ذلك، زادت الضغوط التي يواجهها تايلور، الذي اضطر للعمل بميزانية تصل لثلث ميزانية الموسم السابق. ووصلت الأمور لدرجة أن نادي داغينهام لم يعد يقدم الطعام للاعبيه بعد التدريبات، وهو ما يعني أن يُحضر اللاعبون طعامهم معهم. يقول تايلور عن ذلك: «نحن نقدم لهم وجبة الإفطار، وهي عبارة عن حبوب (كورن فليكس) وخبز وفاكهة، في حين يُحضر اللاعبون وجبة الغذاء معهم».
وأضاف: «أخبرني ستيف تومبسون، المدير الإداري، أن النادي كان يتكفل بوجبات اللاعبين الموسم الماضي، وأن هذا الأمر كان يكلف النادي كثيرا من الأموال، فسألته عما إذا كان توفير الأموال المخصصة لذلك سيمكننا من إحضار مدرب لياقة بدنية مرتين في الأسبوع، فقال نعم». وقد تأثرت ترتيبات السفر للمباريات التي تقام خارج ملعب الفريق بهذه المشكلات المالية، حيث طلب النادي من اللاعبين أن يقودوا سياراتهم الخاصة إلى ملاعب تلك المباريات التي تبعد أقل من مائة ميل، كما تم الاستغناء عن البدل الذي كان يحصل عليه اللاعبون في حال البقاء ليلا عندما يقطعون رحلات أطول.
وخلال مباراة الفريق أمام كومبرين استقل اللاعبون القطار في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحا من إيوستون إلى لانكستر، قبل ركوب الحافلة لمدة 70 دقيقة أخرى للوصول لملعب المباراة. وقد أحضر اللاعبون معهم وجبات الغذاء الخاصة بهم. وقال تايلور: «ما يحدث داخل النادي يعكس طبيعة الحياة على أرض الواقع. لكن إذا كانت هذه الأشياء هي سبب فشلك بصفتك لاعب كرة قدم محترفا، فأنت لست جيداً بما يكفي. لقد سافرنا إلى ألدرشوت في المباراة التي خسرناها بهدفين مقابل هدف وحيد الشهر الماضي، ولا يوجد أدنى شك في أن سفر اللاعبين لملعب المباراة بسياراتهم الخاصة قد أثر بالسلب على نتيجة المباراة».
وأضاف: «لكن لو استخدم اللاعبون هذا الأمر عذراً، فسوف يبحثون عن أي أعذار لتبرير خسارتهم. قد تكون لديهم مرايا كبيرة في منازلهم ولا ينظرون إلى أنفسهم بها. هذا هو العالم الحقيقي، سواء داخل أو خارج الملعب. أعتقد أن هذه الظروف الصعبة هي التي تصنع اللاعبين الكبار». ويستغل تايلور علاقاته القوية بشكل كبير لتدعيم صفوف الفريق، حيث يحصل على خدمات لاعبين على سبيل الإعارة دون أي مقابل مادي، لكن مع وعد بأن يشارك هؤلاء اللاعبون في المباريات، وبالتالي يتطور مستواهم من خلال العمل تحت قيادة تايلور واللعب في ظل هذه الظروف الصعبة. ويقول تايلور إن بعض أعضاء فريقه الآخرين يحصلون على مائتي جنيه إسترليني في الأسبوع.
يُذكر أن تايلور قد خاض 4 مباريات دولية مع المنتخب الإنجليزي، لكن لم يكن غريبا على لاعب بهذه الشخصية أن ينهي حياته الكروية من خلال اللعب لأندية متواضعة مثل ميدستون وهايبريدج سوايفتس وتشيلموسفورد ودارتفورد، كما لعب ودرب في الوقت نفسه نادي دارتفورد، وتولى تدريب أندية مثل إنفيلد وهيندون ودوفر وستيفينيج، عندما كانت هذه الأندية للهواة ولا تشارك في أي بطولات رسمية.
يقول تايلور: «أنا محظوظ للغاية، فأنا أحصل على راتبين تقاعديين ولا أحتاج إلى العمل من أجل المال، لكنني هنا لأنني أريد أن أكون هنا. أنا أعيش على بُعد 30 ميلاً في ساوثيند، ويساعدني ذلك على قضاء كثير من الوقت مع عائلتي وزوجتي وابنتيّ وأحفادي الثلاثة. أنا أحب هذا المستوى من كرة القدم، والناس هنا تقدر قيمة الجنيه الذي يحصلون عليه».
ويرى تايلور أن المشكلات المادية يكون لها جانب إيجابي أيضا، حيث يسمح له ذلك بأن يضم الفريق كثيرا من اللاعبين صغار السن، لأنه لا يمكنه التعاقد مع اللاعبين ذوي الخبرات الكبيرة. ولطالما كان تايلور يحب العمل مع اللاعبين صغار السن، وحتى المباراة الوحيدة التي قاد فيها المنتخب الإنجليزي الأول استعان فيها بخدمات كثير من اللاعبين تحت 21 عاما.
أما الجانب السلبي، فيتمثل في أن اللاعبين الشباب يخطئون، وهو ما أدى إلى هزيمة داغينهام في كثير من المباريات خلال الموسم الحالي، لدرجة أن الفريق لم يحقق الفوز سوى مرة واحدة عندما فاز على ملعبه بهدف دون رد على نادي برينتري. ومع ذلك، ينظر تايلور إلى الجانب الإيجابي في الأمر، لأن النادي قد دخل في محادثات متقدمة مع تحالف من المستثمرين الأميركيين الذين يعدون بمساعدة النادي على الاستقرار المالي.
يقول تايلور: «كان لدي أصدقاء جيدون يتصلون بي ويعتقدون أنني سأكون في حالة نفسية سيئة، لكن العكس هو الصحيح تماما، وهو ما جعلهم يقولون إنهم لم يكونوا يتوقعون أن أكون متفائلا إلى هذه الدرجة في حقيقة الأمر. وقد يكون السبب في ذلك هو أنني أعشق كرة القدم».