نقل مسلات «صان الحجر» للمتحف الكبير يثير جدلاً بين الأثريين في مصر

أثارت عملية نقل مجموعة من المسلات الأثرية من منطقة آثار «صان الحجر»، بمحافظة الشرقية (شرق الدلتا المصرية)، جدلاً بين الأثريين، واعتراضات من جانب سكان المنطقة الذين طالبوا على مدار سنوات بتطوير مدينتهم الأثرية، ووضعها على الخريطة السياحية، بينما تستعد وزارة الآثار المصرية للإعلان عن مشروعها الذي وصفته بـ«الضخم» لتطوير آثار «صان الحجر».
وعقب حالة الجدل التي استمرت على مدار اليومين الماضيين على مواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بحماية آثار «صان الحجر»، والاستفسار عن سبب نقل مسلاتها، أصدرت وزارة الآثار المصرية بياناً صحافياً، أمس (الأربعاء)، أعلنت فيه نقل 11 قطعة من الجرانيت من منطقة آثار «صان الحجر» بالشرقية، تمثل أجزاءً لثلاث مسلات، إلى المتحف الكبير.
وربط الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بين عملية النقل ومشروع تطوير منطقة «صان الحجر»، وقال في بيان صحافي إن «الوزارة بدأت منذ بضعة أشهر مشروعاً لتطوير المنطقة، وتحويلها إلى متحف مفتوح، ووضعها على خريطة السياحة المحلية والعالمية، بما يتناسب مع أهميتها التاريخية والأثرية»، مشيراً إلى أن «المشروع شمل ترميم وإعادة تركيب قطع أثرية ومسلات وتماثيل وبلوكات حجرية بالمنطقة، كانت ملقاة على الرمال منذ قرون طويلة، وتم رفعها على مصاطب حجرية لحمايتها، حتى يتسنى لزوار الموقع رؤيتها بالشكل الأمثل».
ومن بين القطع التي تم ترميمها وإعادة تجميعها وتركيبها بالموقع مسلتان كبيرتان، وعامودان وتمثالان للملك رمسيس الثاني، سوف يعلن عن انتهاء العمل بهم يوم السبت المقبل. وأكد وزيري «أهمية منطقة (صان الحجر)، فهي واحدة من أهم المواقع الأثرية، حيث كانت عاصمة مصر خلال عصر الأسرتين الـ21 و22، وتعتبر (طيبة الشمال)، لكنها لا تحظى باهتمام من جانب السياح، حيث إن معظم آثارها الضخمة محطمة، ومتناثرة على الأرض»، على حد قوله.
وفور بدء عملية النقل، انتشرت مجموعة من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، واحتج عدد من الأهالي على القرار الذي اعتبروه تدميراً للمنطقة، متسائلين عن السبب وراء نقل هذه المسلات، وإلى أين تذهب. وجدد هذا الجدل حملة كانت مجموعة من الأثريين قد دشنوها في فبراير (شباط) 2017 لحماية آثار منطقة «صان الحجر»، خصوصاً تمثالاً ضخماً للملك رمسيس الثاني، تم اكتشافه عام 1863 مكسوراً وملقى على الأرض، الذي يعتبر الأثريون وضعه الحالي «جريمة».
الدكتور محمد عبد المقصود، أمين عام المجلس الأعلى للآثار الأسبق، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «مع تطوير موقع آثار صان الحجر»، متسائلاً عن السبب وراء نقل هذه المسلات «في سرية»، على حد تعبيره، في الوقت الذي تنظم فيه مؤتمرات لنقل مثل هذه القطع الكبرى.
ودافع عبد المقصود عن موقف أهالي صان الحجر، وقال: «إنهم يدافعون عن آثارهم»، مشيراً إلى أن «الأهالي هم من دافعوا عن منطقة صان الحجر أيام الثورة والانفلات الأمني، وكان لا بد من الإعلان عن عملية النقل قبلها، وفتح حوار مجتمعي معهم».
في حين رفض الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، موقف الأهالي، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الاعتراض على نقل الآثار أو إبقائها يجب أن يكون من جانب الأثريين، وليس الأهالي»، على حد قوله، مشيراً إلى أنه «في جميع أنحاء العالم، هناك آثار تنقل إلى المتاحف، وأخرى تبقى في أماكنها، ما دام ذلك لا يخل بقيمة المنطقة الأثرية، وهذا الأمر يحدده الأثريون».
ووفقاً لوزارة الآثار، فإن عملية التطور الجارية حالياً شملت، إلى جانب رفع التماثيل، بناء مصاطب خراسانية ذات فواصل خشبية لوضع الكتل الحجرية الأثرية ذات النصوص الهيروغليفية عليها، إضافة إلى كثير من التماثيل واللوحات الحجرية والرحايات، فضلاً عن الأعمدة التي تم الانتهاء أيضاً من تجميعها وترميمها، وتركيب التاج العمود الخاص بها على هيئة نباتية، كما بدأ مركز تسجيل الآثار المصرية بوزارة الآثار في سبتمبر (أيلول) الماضي أعمال التسجيل والتوثيق الأثري لمنطقة صان الحجر.
وتطوير موقع آثار صان الحجر كان أحد المشروعات المهمة على طاولة كل من تولى مسؤولية وزارة الآثار، لكنه لم يكتمل. كما أن «نقل بعض آثارها ومسلاتها طُرح على زاهي حواس، في أثناء توليه مسؤولية الآثار في مصر، لكنه رفض في ذلك الوقت»، على حد قول عبد المقصود الذي أكد أنه «لم يتم تطوير المنطقة بشكل حقيقي، لتصبح متحفاً مفتوحاً، كما أعلنت وزارة الآثار، لأن مثل هذا المتحف يتطلب توفير مسارات زيارة وإضاءة وكافيتريات، وليس فقط رفع تماثيل على مصاطب»، متسائلاً: «أين الشركة التي تتولى عملية التطوير؟ وأين تمثال رمسيس الثاني الضخم؟».
أما حواس، فقال إن «نقل الآثار يتحدد وفقاً لكل زمان، مع التأكيد على ألا تتأثر قيمة الموقع الأثرية»، مشيراً إلى أن «وزارة الآثار أعلنت عن خطة لتطوير المنطقة، وقالت إنها أعادت نصب تماثيل وأعمدة، ودعت الناس لزيارتها يوم السبت المقبل»، وأضاف: «لا يمكنني الحكم على صحة قرار النقل وجودة مشروع التطوير قبل زيارة المنطقة بنفسي».
ولعبت «صان الحجر» دوراً مهما في الحياة السياسية والدينية حتى الفتح العربي، وتحاكي في عماراتها مدينة طيبة. ومنذ منتصف القرن الـ19، شهدت المنطقة أعمال حفائر على يد عدد من البعثات الأجنبية، التي تمكنت من الكشف عن كثير من المعابد الأثرية، من بينها معبد آمون ومعبد موت ومعبد حورس ومعبد الشرق، كما تضم المنطقة مقبرة «أوسركون الثاني» ومقبرة الملك «ششنق الثالث» ومقبرة الملك «بسوسنس الأول»، وتم الكشف عن كنوز تانيس الشهيرة داخل أحد هذه المقابر عام 1939، وهي معروضة بالمتحف المصري بالتحرير.