«توتال» تغادر إيران رسمياً... وطهران تبحث عن بديل

أعلن وزير النفط الإيراني بيجان زنغنه أمس، أن شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال» انسحبت رسميا من مشروع بمليارات الدولارات في إيران، في أعقاب إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران، وتخوف الشركات العالمية من تعرضها لعقوبات حال استمرار تعاونها مع إيران.
وقال زنغنه في تصريحات لوكالة الأنباء الخاصة بوزارة النفط، إن «(توتال) انسحبت رسميا من اتفاق تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي. مضى أكثر من شهرين على إعلانها أنها ستنسحب من العقد».
وأعلنت الولايات المتحدة في مايو (أيار) الماضي انسحابها من الاتفاق النووي الموقع مع طهران عام 2015، وإعادة فرض عقوبات عليها على مرحلتين في أغسطس (آب) الجاري، ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتستهدف المرحلة الثانية من العقوبات صناعة النفط في إيران، وتعهدت الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، البقاء في الاتفاق؛ لكن شركات هذه الدول تواجه عقوبات ضخمة في حال مواصلة العمل في إيران. وسبق أن أعلنت «توتال» أنه سيكون من المستحيل البقاء في إيران ما لم تحصل على استثناء خاص من واشنطن، وهو ما لم تحصل عليه.
وتستثمر «توتال» 10 مليارات دولار من رأسمالها في أصولها الأميركية، فيما تشارك المصارف الأميركية في 90 في المائة من عملياتها المالية، بحسب ما أكدته «توتال» في مايو.
ونُقل عن زنغنه قوله إن «ثمة عملية جارية لإحلال شركة أخرى محل (توتال)»، وكان مسؤولون إيرانيون أشاروا في وقت سابق إلى أن «سي إن بي سي» الصينية المملوكة للحكومة، ربما تستحوذ على حصة «توتال» في مشروع بارس الجنوبي للغاز، بما يزيد حصتها إلى أكثر من 80 في المائة من 30 في المائة حاليا؛ لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت المؤسسة الصينية الوطنية للنفط ستتولى حصة «توتال» في المشروع.
ولا تزال إيران تخشى الاعتماد على الشركات الصينية بعد تجارب سيئة في الماضي. وتم تعليق عقد سابق مع المؤسسة الصينية للنفط لتطوير حقل بارس الجنوبي في 2011، بعد عدم تحقيق تقدم. والضرورة الملحة للاستثمار في تحديث البنية التحتية المتداعية لقطاع الطاقة في إيران، كانت محفزا رئيسيا لقرارها توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
وكانت إيران قد وقعت الصيف الماضي اتفاقا مع كونسورتيوم دولي، بقيادة «توتال» ويضم «سي إن بي سي» الصينية، و«بترو بارس» الإيرانية، لتطوير المرحلة 11 من حقل بارس الغازي، في صفقة هي الأضخم في مرحلة ما بعد الحظر حينئذ.
وبلغت قيمة العقد 4.8 مليار دولار، وكان من المتوقع بعد تدشين المرحلة رفع طاقة استخراج إيران من الحقل المشترك مع قطر بواقع 56 مليون متر مكعب يوميا.
وكانت «توتال» تملك حصة 50.1 في المائة في عقد المرحلة، بينما تمتلك الشركة الصينية حصة 30 في المائة، وتمتلك «بترو بارس» التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية الحصة الباقية التي تبلغ 19.9 في المائة.
وحضر زنغنه إلى البرلمان الإيراني أمس الاثنين، للإجابة عن أسئلة متعلقة بمخاوف حول السلامة، في أعقاب عدد من الحرائق التي اندلعت مؤخرا في مصافٍ. ونقلت عنه وكالة «إرنا» الرسمية قوله أمام البرلمان، إن «جزءا كبيرا من صناعة النفط متداع، وأعمال التحديث الضرورية لم تحصل». وأكد تسجيل عشر حالات يوميا من تعرض أنابيب لثقوب في منشآت إيران الجنوبية، وأن عمر بعض المصافي يصل إلى 80 سنة «في وقت يبلغ عمر منشأة صناعية مفيدة 30 سنة». وأضاف: «ليست لدينا موارد لتحديثها».
- تحايل صيني إيراني لشحن النفط
في غضون ذلك، قالت وكالة «رويترز» أمس، إن مشترين صينيين للنفط الإيراني بدأوا في تحويل شحناتهم إلى سفن مملوكة لشركة الناقلات الوطنية الإيرانية، لنقل جميع وارداتهم تقريبا، بهدف الحفاظ على تدفق الإمدادات، مع إعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على طهران.
ويبرز هذا التحول أن الصين، أكبر مشتر للنفط الإيراني، تريد الاستمرار في شراء الخام الإيراني على الرغم من العقوبات. وتسعى الولايات المتحدة لوقف صادرات النفط الإيرانية؛ لإجبار طهران على التفاوض بشأن اتفاق نووي جديد، وتحجيم نفوذها في الشرق الأوسط. وقالت الصين إنها ترفض أي عقوبات أحادية الجانب، ودافعت عن علاقاتها التجارية مع إيران.
وبدأ سريان الجولة الأولى من العقوبات في السابع من أغسطس، وتشمل قواعد لفصل إيران وأي شركة تتعامل معها عن النظام المالي الأميركي. وسيبدأ حظر على مشتريات النفط الإيراني في نوفمبر، وبدأت شركات تأمين تتمركز بالأساس في الولايات المتحدة وأوروبا تقليص نشاطها الإيراني للامتثال للعقوبات.
وبغية الحفاظ على الإمدادات الخاصة بهما، قامت شركتا تجارة النفط «تشوهاي تشنرونغ كورب» ومجموعة «سينوبك»، أكبر شركة تكرير في آسيا، بتفعيل بند في اتفاقيات التوريد الطويل الأجل المبرمة مع شركة النفط الوطنية الإيرانية، يسمح لهما باستخدام ناقلات تشغلها الشركة الإيرانية، وفقا لأربعة مصادر مطلعة تحدثت لـ«رويترز». وطلبت المصادر عدم نشر أسمائها؛ لأنه غير مسموح لها بالحديث علنا عن الاتفاقات التجارية. وقالت المصادر إن سعر النفط بموجب الاتفاقات الطويلة الأجل تغير ليتم احتسابه على أساس التسليم بعد الشحن، بدلا من احتساب السعر على أساس تسليم ظهر السفينة (فوب) في السابق، مما يعني أن إيران ستغطي كافة التكاليف والمخاطر المتعلقة بتسليم الخام بجانب التأمين.
وقال أحد المصادر، وهو مسؤول تنفيذي كبير بقطاع النفط في بكين: «التغيير بدأ منذ فترة قريبة جدا، وكان مطلبا متزامنا من الجانبين تقريبا».
وفي يوليو (تموز)، كانت شركة الناقلات الوطنية الإيرانية هي المسؤولة عن تشغيل جميع الناقلات المستأجرة لنقل الخام من إيران إلى الصين، وعددها 17 ناقلة، وفقا لبيانات الشحن على «تومسون رويترز أيكون». وفي يونيو (حزيران)، كانت الصين تشغل 8 من بين 19 سفينة مستأجرة.
وفي الشهر الماضي، جرى تحميل تلك الناقلات بنحو 23.8 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات المتجهة إلى الصين، أو نحو 767 ألف برميل يوميا. وفي يونيو، بلغت التحميلات 19.8 مليون برميل، أو ما يعادل 660 ألف برميل يوميا.
وفي 2017، استوردت الصين 623 ألف برميل يوميا من النفط في المتوسط، وفقا لبيانات الجمارك. وامتنعت «سينوبك» عن التعقيب على تغيير الناقلات. وامتنع متحدث باسم مجموعة «نام كونغ»، الشركة الأم لـ«تشنرونغ»، عن التعليق. ولم ترد شركة النفط الوطنية الإيرانية على رسالة عبر البريد الإلكتروني تطلب التعليق. وقال متحدث باسم شركة الناقلات الوطنية الإيرانية، إنها ستحيل طلب «رويترز» للتعليق إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية.
- ليست المرة الأولى
استخدمت إيران نظاما مماثلا في الفترة بين عامي 2012 و2016 للالتفاف على العقوبات التي قادها الغرب، والتي نجحت في خفض الصادرات بسبب الافتقار إلى التأمين على الشحنات.
ولم تتضح على الفور الكيفية التي ستوفر بها إيران التأمين لمشتريات النفط الصينية، التي تبلغ قيمتها نحو 1.5 مليار دولار شهريا. وقال مصدر آخر هو أيضا مسؤول تنفيذي كبير بقطاع النفط في بكين: «هذه ليست المرة الأولى التي تمارس فيها شركات هذا الخيار... كلما اقتضت الحاجة يمكن للمشترين استخدامه».
وذكر مصدران تجاريان أن المشترين بعقود محددة المدة من إيران قدموا خططهم إلى شركة النفط الوطنية الإيرانية في وقت سابق من الشهر الجاري، بشأن الكمية التي سيحصلون عليها من النفط في سبتمبر (أيلول). وعادة ما يستغرق وصول النفط الإيراني إلى الصين نحو شهر. وقالت المصادر الأربعة المطلعة على التغييرات المتعلقة بالناقلات، إنه في ظل ترتيبات الشحن الجديدة، من المتوقع أن تبقى شحنات النفط الإيراني إلى الصين في أكتوبر (تشرين الأول) عند المستويات المسجلة حديثا.