قصة صحافية سعودية

في مهنة الصحافة نحن من نصنع الحدث ونعطيه ذاك الزخم، وأحياناً هو من يملكنا ويكون بحد ذاته حاضراً مهيباً، لا نتأثر به ولا نحرف مساره. ظننت كثيراً أنني متمكنة من هذه المسلمات حتى أتت «قيادة المرأة»، وهو الحدث الأبرز عالمياً، وكان لي معه تقدير خاص. قد يبدو الأمر عادياً لأي سيدة حول العالم ولا يتجاوز كونه بضع حدائد ملحومة بأخرى لتسهل لها نمط الحركة، لكن الأمر لأحلام شكل إعادة إنعاش لثلاثة عشر سنة بصحبة الأخبار.
دعوني أروي لكم القصة حيثما هي اليوم. كنت قد شاركت كمراسلة لتغطية قيادة المرأة ميدانياً. استلهمت كل قدراتي الصحافية وخرجت كما أحب أن أكون لا كما تقول القاعدة. حصدت تلك الدقائق لفت الأنظار إلى ملكتي الصحافية، ونقلت عني كل الوسائل العالمية. رافق ذلك آلاف الإشادات التي توجت بتبريك من إدارتي بالعمل وكأنما تمت ولادة صحافية جديدة نسوا فيها تلك الفتاة التي كانت تركض بين مكاتب المؤسسة الإعلامية تحاول كسب الخبرة قدر المستطاع إلا أنا لم أنسَها؛ ليس لأن ما قدمته طيلة ثلاثة عشر سنة كان أقل أهمية، بل باستحقاق أقول قدمت سابقاً ما هو أهم، لكني لم أُجِد يوماً التسويق لما أقدمه، وتركت الحكم للآخر الذي كان خجولاً كما أنا أن يذكر أو أذكر أن المرأة قادرة على تصدر المشهد الإعلامي.
نعم لمدة عشر سنوات تنقلت بين التلفزيون الوطني وإذاعة «إم بي سي إف إم» تلتها ثلاث سنوات بقناة العربية كمحررة أخبار ومقدمة برامج وجدت فيها الترحيب وحصدت بها النجاح، إلا أن الطمع لم يفارقني أبداً، فكلما تمكنت من عمل شيء رحت أبحث عن آخر وكأنما أريد أن أقوم بكل المهام دون أن أبقي شيئاً لغيري، فقط لأجل تعزيز صورة المرأة السعودية في المجال، وكأنما أجلد ذاتي عوضاً عن الأخريات. بعد كل هذا آمنت أن الخلل هو ثقتنا العامة بتجربة المرأة السعودية إعلامياً لم يكن كافياً وناضجاً لأخذها للعالمية رغم أن مجرد ذكرها كفيل بحمل أي خبر يخصها إلى قائمة الترند (الأكثر تفاعلاً).
مررت بمراحل صعبة احتجت فيها إلى توطيد الثقة بنفسي ومع عائلتي وزرع الثقة بداخلهم لأنهم كانوا يلعبون دور المحامي في غيابي أمام المجتمع. رضيت أحياناً أن أجلس بالمقعد الخلفي لأن الرؤية كانت من هناك أكثر وضوحاً، رضيت أن أرى من يكرم عن عملي عوضاً عني لم أعترض لأنني قادرة على تكرار نجاحي بينما هو ربما لا. وبالمقابل أخطأت وقصرت وعدت فتعلمت.
الصحافة بنظري مهنة حياة إلى ما بعد التقاعد يجب أن تطرق خلالها كل أبوابها وأن تعمل بكل قطاعاتها وأن تتعامل مع كل أطرافها. سأبقي عيني نحو المستقبل وفؤادي يتوق للمزيد.

- إعلامية سعودية
مذيعة في قناة «العربية»