روسيا تبحث اعتماد العملات الوطنية في التجارة تحت ضغط العقوبات الأميركية

يبقى الروبل الروسي في حالة عجز أمام تأثير العقوبات الأميركية. وخلافاً لتوقعات بأن يبدأ باستعادة عافيته تدريجياً مطلع الأسبوع، واصل تراجعه يوم أمس إلى مستويات متدنية جديدة، متجاوزاً عتبة 68 روبل أمام الدولار. وبغية الحد من تأثير العقوبات الأميركية ضد قطاعات حساسة من الاقتصاد الروسي، أعلن الكرملين سعيه لاعتماد العملات الوطنية في التبادل التجاري مع تركيا ودول أخرى. كما لم تستبعد وزارة المالية الروسية احتمال اعتماد العملات الوطنية في تجارة النفط الروسي، وستواصل تقليص حصة روسيا في السندات الأميركية، رداً على العقوبات.
في غضون ذلك، وفي شأن آخر متصل بالتطورات في السوق الروسية نهاية الأسبوع الماضي، كشفت تقارير اقتصادية خسارة كبار رجال الأعمال الروس ما يزيد على 4 مليارات دولار أميركي خلال يوم الجمعة الماضي، على خلفية حديث حول اقتراح بتأمين مزيد من الدخل للميزانية عبر سحب فائض أرباح شركات التعدين والصناعات التحويلية والكيماوية.
وأظهرت تقلبات المؤشرات الرئيسية، خلال الجلسات الصباحية في بورصة موسكو يوم أمس، أن السوق ما زالت تحت تأثير «مرحلة رد الفعل» على إعلان الخارجية الأميركية عقوبات جديدة على خلفية قضية «سكريبال»، وكذلك على معلومات تناقلتها وسائل إعلام عن عقوبات أخرى يدرسها الكونغرس الأميركي وقد تطول الدين العام الروسي ونشاط كبرى المصارف الروسية.
وتراجعت قيمة العملة الروسية صباح أمس حتى 68.27 روبل أمام الدولار، أي حتى أدنى مستوى للروبل منذ 18 أبريل (نيسان) 2016. وكان محللون توقعوا أن يخرج الروبل من حالة الهبوط مطلع الأسبوع، وقالوا إن تراجع مؤشرات السوق الروسية منذ إعلان الخارجية الأميركية العقوبات الجديدة في 8 أغسطس (آب) الحالي، لم يكن سوى «حالة انفعالية»، سرعان ما ستتراجع حدتها ويستعيد الروبل عافيته.
وعزز من هذا الاعتقاد قرار «المركزي الروسي» بتقليص فائض عائدات النفط التي يضخها يومياً في السوق لشراء العملات الصعبة، حتى النصف، أو من 16 حتى 8 مليارات دولار يومياً، إلى أن يستعيد الروبل استقراره... إلا أن هذا كله لم يساعد في خروج السوق من وضعها الراهن، على الرغم من أن المركزي لم يقم يوم 9 أغسطس بعمليات شراء مطلقاً.
ضمن هذه الظروف، ومع الكشف عن عقوبات أخرى أكثر تشدداً يدرسها الكونغرس الأميركي، تتجه روسيا نحو التقليل من الاعتماد على الدولار الأميركي. وفي إجابته عن سؤال حول إمكانية اعتماد العملات الوطنية في التبادل مع تركيا، قال دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين، في تصريحات أمس، إن موضوع استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري «يطرحه الجانب الروسي منذ فترة، وعلى مختلف المستويات». وبعد إشارته إلى أن هذا أمر معقد «ويخضع بالطبع لحسابات دقيقة»، أكد أن «هذا ما نسعى إليه في علاقاتنا التجارية الثنائية، وهو ما دار الحديث حوله أكثر من مرة خلال المحادثات الروسية - التركية».
من جانبه، قال وزير المالية الروسية أنطون سيلوانوف، إن تحول روسيا نحو اعتماد العملات الوطنية في صفقات النفط «أمر غير مستبعد». وأضاف: «سنعتمد في حساباتنا بشكل أكبر، ليس على الدولار، وإنما على العملات الوطنية، وعملات صعبة أخرى، مثل اليورو». وأشار إلى أن روسيا قلصت استثماراتها في الأصول الأميركية، ووصف الدولار بأنه «يصبح أداة غير موثوقة للمدفوعات».
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا قلصت حصتها في سندات الدين الفيدرالي الأميركية خلال أبريل الماضي بمقدار 47.5 مليار دولار، وبمقدار 33.8 مليار دولار في مايو (أيار) الماضي، ولا تزيد حصتها حالياً على 14.9 مليار دولار، وهي الأدنى منذ عام 2007.
إلى ذلك، قالت تقارير إعلامية إن الخسائر التي مني بها كبار أغنياء روسيا خلال يوم واحد، هو يوم الجمعة 10 أغسطس، نهاية الأسبوع الماضي بلغت نحو من 3 إلى 4 مليارات دولار أميركي، لكن ليس بسبب العقوبات الأميركية، وإنما على خلفية الكشف عن خطاب وجهه أندريه بيلاأسوف، معاون الرئيس الروسي، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقترح فيه سحب 500 مليار دولار من 14 شركة تعمل في مجالات التعدين والصناعات التحويلية والكمياوية. وأشار في اقتراحه إلى أن تلك المبلغ هي فائض أرباح حققتها الشركات نتيجة ارتفاع أسعار منتجاتها في السوق العالمية، وهبوط سعر الروبل.
وتسبب الكشف عن تلك الرسالة بتراجع أسهم معظم الشركات التي يُقترح سحب فائض أرباحها. وقالت وكالة «ريا نوفوستي» إن ثروة 23 شخصية من كبار أغنياء روسيا تقلصت خلال يوم الجمعة بمقدار 4.123 مليار دولار. وأشارت في دراسة أعدتها بناء على معطيات (Bloomberg Billionaires Index) إلى أن المتضرر الأكبر كان الملياردير فلاديمير ليسين، رئيس مجلس إدارة مصنع نوفوليبتسك للتعدين، وخسر 823 مليون دولار، ما أدى إلى تقلص ثروته حتى 18.3 مليار دولار. كما خسر الملياردير فيكتور راشنيكوف، رئيس مجلس إدارة مصنع ماغنيتوغورسك للتعدين 446 مليون دولار، وخسر أليكسي مورداشوف المساهم الرئيسي في «سيفير ستال» 443 مليون دولار.