إردوغان: تركيا لن تتراجع في قضية «القس» ولن تخضع للتهديدات

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مجدداً، أن بلاده لن تتراجع في قضية القس الأميركي أندرو برانسون، الذي يحاكَم لديها بتهم دعم الإرهاب والتجسس، ووصف الأمر بـ«المؤسف»، محذراً في الوقت ذاته من عواقب ذلك على أميركا نفسها. وقال إردوغان موجهاً حديثه إلى المسؤولين الأميركيين: «أنتم تتخلون عن شريك استراتيجي في الناتو مقابل قس، هذا أمر مؤسف، إنهم يهددوننا (الولايات المتحدة)، لا يمكنهم إخضاع هذه الأمة عبر لغة التهديد إطلاقاً، نحن نفهم لغة القانون والحق». وأضاف إردوغان، في كلمة، أمس (السبت)، أمام حشد من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم في قضاء أونية بولاية أوردو (شمال شرقي تركيا)، خلال زيارة تفقدية لجسر تضرر مؤخراً بفعل الأمطار والفيضانات: «نحن نعمل بما يمليه القانون، لكن عندما يتعلق الأمر بالتهديد فالأمر مختلف».
وكرر إردوغان دعوته للمواطنين إلى تحويل العملات الصعبة إلى الليرة التركية، قائلاً: «حوّلوا ما لديكم من دولارات ويوروات وذهب (مخبّأ) إلى الليرة التركية». وتابع: «تركيا دولة تملك 81 مليون نسمة، ولا يمكنهم (أميركا) استبدال التحالف الاستراتيجي بأي شيء، وموقفنا ثابت بهذا الخصوص... نحن نعمل بما تمليه العدالة، ولم ولن نقدم تنازلات بهذا الصدد».
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تغريدة، أول من أمس (الجمعة)، على «تويتر»، إن «الليرة التركية تتراجع بسرعة أمام الدولار الأميركي. صادقت على مضاعفة الرسوم المفروضة على الصلب والألمنيوم القادم من تركيا لتكون بعد الآن بمعدل 20 في المائة في الألمنيوم، و50 في المائة في الصلب».
والأسبوع الماضي، أعلنت واشنطن إدراج وزيري العدل والداخلية في الحكومة التركية على قائمة العقوبات، متذرعةً بعدم الإفراج عن القس الأميركي، ما دفع أنقرة إلى استخدام حقها في المعاملة بالمثل، وتجميد الأصول المالية لوزيري العدل والداخلية الأميركيين «إنْ وجدت».
في السياق ذاته، اعتبر إردوغان في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أمس، أن الخطوات أحادية الجانب التي تتخذها الولايات المتحدة ضد بلاده تُلحق الضرر بمصالح أميركا وأمنها فقط، وأن على واشنطن أن تتخلى عن فكرتها الخاطئة، وأن العلاقات بين الطرفين يمكن أن تكون مخالفة لمبدأ الند للند، وأن تتقبل وجود بدائل أمام تركيا. وأكد أنه في حال لم يبدّل المسؤولون الأميركيون هذه النزعة أحادية الجانب والمسيئة، فإن بلاده ستبدأ بالبحث عن حلفاء جدد. وأوضح أن تركيا والولايات المتحدة شريكان استراتيجيان وحليفان في الناتو منذ 60 عاماً، وأنهما جابها معاً الصعوبات المشتركة في فترة الحرب الباردة وما بعدها، و«هرعت تركيا لمساعدة الولايات المتحدة في كل وقت على مدى أعوام... قواتنا قاتلت معهم في كوريا»، مشيراً إلى أن إدارة كينيدي تمكنت في 1962، من إقناع السوفيات بسحب صواريخهم من كوبا، مقابل سحب صواريخ «جوبيتر» الأميركية من إيطاليا وتركيا.
وأشار إلى أن بلاده أرسلت قواتها إلى أفغانستان من أجل إنجاح مهمة الناتو، عندما كانت الولايات المتحدة تنتظر أصدقاءها وحلفاءها من أجل الرد على من نفّذوا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية.
واستطرد قائلاً: «عوضاً عن الوقوف إلى جانب الديمقراطية التركية دعا المسؤولون الأميركيون بلغة متحفظة إلى استمرار الاستقرار والسلام في تركيا». وكأن ذلك لم يكن كافياً، ولم يتحقق أي تقدم في الطلبات التي قدمتها تركيا من أجل تسليم فتح الله غولن، بموجب اتفاقية بين البلدين.
وأشار إردوغان إلى خيبة أمل أخرى في العلاقات التركية الأميركية، وهي الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية (فرع العمال الكردستاني في سوريا) قائلاً إن واشنطن استخدمت في الأعوام الأخيرة 5 آلاف شاحنة وألفي طائرة شحن من أجل نقل أسلحة إلى الوحدات الكردية، حسب تقديرات الحكومة التركية.
وأوضح أن الولايات المتحدة صمّت آذانها عن سماع النداءات التركية، وفي نهاية المطاف استخدمت الأسلحة الأميركية من أجل استهداف المدنيين الأتراك والقوات الأمنية التركية في سوريا والعراق وتركيا.
وشدد على أن قرار العقوبات غير مقبول ولا منطقي، ويُلحق الضرر في نهاية المطاف بالصداقة طويلة الأمد بين البلدين. وأكد أن تركيا ستلتزم بمبدأ عدم التدخل في عمل القضاء لأنه مخالف للدستور التركي وللقيم الديمقراطية المشتركة.
من جهته، قال رئيس البرلمان التركي بن علي يلدريم: «نرى أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة تتحول إلى حرب اقتصادية عالمية». وفي تغريدة له على موقع «تويتر» أمس، أضاف يلدريم أن «المواقف العدائية التي استهدفت إيران ثم روسيا والآن تركيا في منطقة أوراسيا الواعدة، لن تعيق التعاون والتضامن بين دولنا... على أميركا التي لا حليف لها سوى الدولار أن تعلم ذلك».
وأعلنت الأحزاب التركية الممثَّلة في البرلمان، رفضها التصرفات الأميركية تجاه تركيا. وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، إن «كل تغريدة لترمب (بحق تركيا) تمس كرامة شعبنا، وهذا أمر غير صائب، ولا نقبله إطلاقاً... كما لا نقبل من دولة نعدها حليفة لنا أن تتعامل مع تركيا بأسلوب عدائي». وأشار، في مؤتمر صحافي، أمس، إلى أن «تطابق الرؤى وإجماعها في بلدنا حيال تغريدات ترمب ضد تركيا أمر في غاية الأهمية».
من جانبه، قال رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي، إن الولايات المتحدة تمارس «الإرهاب الاقتصادي» متذرعةً بمواطنها أندرو برانسون، القس الموضوع قيد الإقامة الجبرية في تركيا.
وقال إنه أصدر تعليمات لحزبه بتحويل العملات الصعبة المقدمة لخزانته كمساعدات من الدولة إلى الليرة التركية. كما عبّرت رئيسة حزب «الجيد» ميرال أكشنار عن وقوفها إلى جانب الحكومة «من أجل التغلب على المشكلات التي تهدد بقاء الأمة والدولة».