توجيه اتهامات رسمية إلى 10 موقوفين من اليمين المتطرف الفرنسي

في 13 أبريل (نيسان) الماضي، كلف القضاء الفرنسي المخابرات الداخلية، المسماة «المديرية العامة للأمن الداخلي»، التحري عن مجموعة من اليمين المتطرف تخطط للقيام بأعمال عنيفة وإرهابية ضد أهداف إسلامية على التراب الفرنسي. بعد شهرين تماما، صدر أمر بفتح تحقيق قضائي بحق هذه المجموعة التي تسمي نفسها «مجموعة عمل القوات الميدانية».
وبالنظر إلى المعلومات والعناصر التي جمعتها المديرية المذكورة حول المجموعة، فقد عمدت ليل السبت - الأحد الماضي، إلى توقيف 10 من أعضائها بينهم امرأة. وبعد فترة توقيف قانونية استمرت 96 ساعة، عمد قاض متخصص بشؤون الإرهاب في باريس، مساء أول من أمس، إلى توجيه اتهامات رسمية للمجموعة؛ أهمها «تشكيل عصابة إرهابية ذات أهداف إجرامية» وحيازة أسلحة ممنوعة. وبنتيجة ذلك، أمر القاضي بالتوقيف الاحتياطي لستة أشخاص فيما أخلي سبيل الأربعة الباقين مع فرض الرقابة القضائية عليهم. أما المرحلة المقبلة فستركز على تعميق التحقيق القضائي الذي تليه المحاكمة التي لن تحدث قبل عدة شهور.
تبين أدبيات «مجموعة عمل القوات الميدانية» كما هي منشورة على موقعها على شبكة الإنترنت أن هاجسها الأول والوحيد هو «محاربة الخطر الإسلامي» الذي ترى أنه يهدد فرنسا. ولذا، فإن عملها كان التحضير لما تسميه «معركة فرنسا». والطريق إلى ذلك، بحسب تحقيقات المخابرات الداخلية والبيان الصادر عن الادعاء العام الفرنسي، تجميع عناصر أشبه بميليشيا والتدرب على استخدام السلاح وتخزينه. وكشفت المصادر الأمنية أن المجموعة انتقلت إلى مرحلة متقدمة في تخطيطها بعد اجتماع لأفرادها عقد في منطقة بورغوني (وسط فرنسا) من أجل تحديد الأهداف الواجب مهاجمتها والوسائل المستخدمة لتحقيق ذلك.
سياسيا، سارعت مارين لوبان رئيسة حزب «التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا)»، وهو الحزب اليميني المتطرف، إلى نفي أي علاقة لحزبها بالمجموعة بعدما تم تداول معلومات تفيد بأن المدعو «غي.أس»، وهو الذي يقدم نفسه على أنه المسؤول عنها، انتمى إلى «الجبهة الوطنية». ومما يميز المجموعة أنها كانت تسعى لتجنيد أفراد من قدامى قوات الشرطة أو الجيش كما هي حالة «غي.أس». ويفهم هذا التركيز على ضوء أهداف المجموعة التي تدعي تحضير المواطنين لمقاومة «الخطر الإسلامي» وفي حال نشوب حرب داخلية. وجاء على موقعها على الإنترنت تحت عنوان كبير: «معركة فرنسا» عنوان فرعي مفاده: «تحضير المواطنين الفرنسيين الجنود لمعركة التراب الوطني».
وكانت المجموعة تعرض متابعة دورات تدريبية على استخدام الأسلحة الحربية. وخلال عمليات الدهم عثرت القوى الأمنية على ما لا يقل عن 22 بندقية و17 مسدسا مع آلاف الطلقات، إضافة إلى أسلحة أخرى مختلفة ومواد تستخدم لتصنيع القنابل. وأفادت صحيفة «لوموند» في عددها أمس أن الشرطة عثرت على «دليل» لتصنيع ما سمي «النابالم المنزلي» الأمر الذي يعكس الأهداف التدميرية للمجموعة.
اللافت فيما يخص هذه المجموعة أن عملها لم يكن سرياً تماماً. والدليل على ذلك أن المخابرات الداخلية التي تعمدت منذ الاعتداءات الإرهابية بدءا من عام 2015، متابعة ما يكتب وينشر على شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، نجحت في تحديد هوية الأشخاص وتوقيفهم في فترة زمنية قصيرة مستندة، من بين وسائل تحر متعددة، إلى متابعة المجموعة على الإنترنت وقررت التدخل بعد الاجتماع الذي ضم أفرادها في منطقة بورغوني. ومن بين الأهداف التي كانت تخطط المجموعة لمهاجمتها، مساجد تعدها راديكالية، وأئمة من التوجهات نفسها، ونساء منتقبات يتم اختيارهن بالصدفة، وحتى محال تجارية تبيع اللحم الحلال. والظاهرة الثانية أن عملية التوقيف جرت في 4 مناطق جغرافية فرنسية مختلفة تباعد بينها مسافات طويلة. وتفيد المعلومات المتوافرة بأن «مجموعة عمل القوات الميدانية» ولدت نتيجة انشقاق حصل في مجموعة أخرى تسمي نفسها: «المتطوعون من أجل فرنسا» وتضم نحو 800 عضو وأسسها، بحسب معلومات المجلة الاستقصائية الإلكترونية الفرنسية «ميديا بارت»، والد امرأة قتلت في العملية الإرهابية التي ضربت ملهى «الباتاكلان» في خريف عام 2015 والتي أوقعت عددا كبيرا من القتلى والجرحى.
ويرى مراقبون أن وجه الخطورة في بروز مجموعات كهذه يكمن أيضا في التحولات التي يشهدها الرأي العام وفق ما بيّن استطلاع للرأي أجري قبل عامين وفيه أنه ما يزيد على نصف المستطلعة آراؤهم يرفضون الأعمال الثأرية ردا على الهجمات الإرهابية، فيما «يتفهم» 39 في المائة حصولها من غير تأييدها. أما نسبة الـ10 المتبقية فإنها «تؤيد» هذه الأعمال.
وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن مسؤولي «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» يواصلون لفت نظر السلطات إلى التهديدات التي تستهدف أماكن العبادة ومصالح المسلمين، وهي تشدد على واجب أجهزة الدولة في توفير الحماية لها، خصوصا بعد ازدياد الأعمال المعادية للإسلام في السنوات الثلاث الأخيرة.