قمة صينية ـ كورية شمالية ثالثة خلال 3 أشهر

اللقاءات المتتالية والمتكررة بين زعيمي الصين وكوريا الشمالية، بعد انقطاع دام عدة سنوات من العقد الأخير، تعكس الأهمية التي يسديها كل منهما إلى العلاقات بين البلدين مع تسارع الأحداث في شبه الجزيرة الكورية خلال الأشهر القليلة الماضية، ومحاولة كل منهما تجييرها لصالحه. وتسعى بيونغ يانغ للحصول على تليين العقوبات الاقتصادية لقاء وعوده بالتخلي عن الأسلحة النووية، وتأمل الحصول على دعم الصين لمساعيه، خصوصاً بعد أن نجحت بيونغ يانغ في إقناع واشنطن بالتخلي عن مناوراتها العسكرية مع سيول، وهذا ما اعتبرته بكين نصراً لمطالبها.
وأمس استقبل الرئيس الصيني شي جينبينغ، في بكين، كيم جونغ أون، بعد أسبوع على قمة تاريخية جمعت الزعيم الكوري الشمالي بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في سنغافورة.
وذكرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) أن الزعيم الكوري الشمالي وصل إلى الصين، أمس (الثلاثاء)، في زيارة تستمر يومين. وبثت محطة التلفزيون الحكومية «سي سي تي في» مشاهد للزعيمين مع زوجتيهما خلال مراسم استقبال في قصر الشعب.
وبعد أن كانت الحكومة الصينية تعلن عادةً عن الزيارة بعد عودة كيم إلى بلاده، أفادت وسائل الإعلام عن وجوده، أمس، لكن دون أن تكشف جدول أعماله. وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ: «نأمل أن تسهم هذه الزيارة في توطيد العلاقة بين الصين وكوريا الشمالية وتواصلنا الاستراتيجي حول القضايا الكبرى من أجل تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة».
ودعا الرئيس الصيني، شي، عند استقباله كيم، إلى تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قمة سنغافورة قبل أسبوع. وأوردت قناة «سي سي تي في» الحكومية أن كيم «أعرب عن الامتنان وأشاد بدور الصين لصالح إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، ودورها المهم لصون السلام والاستقرار فيها»، مضيفة أن شي قال لكيم إنه «يريد من كوريا الشمالية والولايات المتحدة أن تطبقا الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال لقاء القمة بينهما».
وكانت الدبلوماسية الصينية قد اعتبرت، على غرار روسيا الأسبوع الماضي، أن بإمكان الأمم المتحدة دراسة احتمال تخفيف العقوبات إذا ما التزمت بيونغ يانغ بواجباتها.
الزيارة التي يقوم بها الزعيم الكوري الشمالي للصين هي الثالثة في أقل من 3 أشهر. ففي نهاية مارس (آذار) قصد بكين في أول رحلة له إلى الخارج منذ وصوله إلى السلطة في نهاية 2011، ثم في مايو (أيار) زار مدينة داليان الساحلية بشمال شرقي الصين. وأجرى خلال زيارته الأولى محادثات مع الرئيس الصيني، شي، في أول لقاء يُعقد بينهما منذ تسلم كلاهما زمام الحكم في مطلع العقد. وكانت بيونغ يانغ تأخذ على حليفها تطبيق العقوبات الدولية الرامية إلى إرغام كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها النووي.
تحرص بكين على إبقاء نفوذها في شبه الجزيرة الكورية، حيث لديها منذ أمد بعيد مصالح اقتصادية وأمنية. ولم تتأخر الصين في تذكير بيونغ يانغ وواشنطن بأنه لا يمكن الاستغناء عنها. وإثر قمة كيم وترمب، وحين أعلن الرئيس الأميركي بشكل مفاجئ إنهاء المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، وهو ما كانت تطالب به بكين منذ زمن بعيد، كان واضحاً أن الصين تضع بصمتها على الحدث.
ويقول الخبير في العلاقات الدولية في جامعة فودان بشنغهاي، وو شينبو: «إن نتائج قمة سنغافورة جاءت عموماً متطابقة مع ما كانت تنتظره الصين». وأضاف: «إن نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية وإرساء آلية سلام فيها متطابق مع مطالب الصين الثابتة». ورأى دبلوماسي غربي (طلب عدم كشف هويته)، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الصين كانت «المنتصر الاستراتيجي» في القمة. وكانت حتى انعقادها «لا تتخيل أن ترمب سيوقف المناورات المشتركة وأن يشير إلى انسحاب محتمل لقواته من كوريا الجنوبية في المستقبل».
ورأت المحللة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بوني غليزر، أن كل ذلك يشكل انتصارات استراتيجية لبكين. وقالت: «يرى الصينيون منذ زمن طويل أن إخراج القوات الأميركية من المنطقة سيكون أساسياً لانحسار النفوذ الأميركي وتسريع إنشاء منطقة تحتل فيها الصين موقعاً مركزياً أكبر».
الصين تريد أن تبقى حاضرة وغير مهمشة في أي تطور للعلاقات بين بيونغ يانغ وواشنطن وسيول. وبيونغ يانغ تريد قبل كل شيء تخفيف العقوبات في المرحلة الحالية قبل أن تتخلى بالكامل عن برنامجها النووي كما وعدت خلال القمة في سنغافورة. وحصلت مباشرة على وعد لإلغاء المناورات «الاستفزازية» بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وهذا ما أُعلن عنه رسمياً أمس، واعتبرته الصين نصراً لها ولدبلوماسيتها وثقلها السياسي في المنطقة. أضف إلى ذلك أن بيونغ يانغ تطمح إلى أن يتم تخفيف العقوبات الدولية، وأعلنت سيول، أول من أمس (الاثنين)، أنه يمكن بالفعل تخفيفها عندما تتخذ «إجراءات ملموسة لنزع السلاح النووي» في مؤشر على ليونة أكبر عن موقف واشنطن لبدء تطبيق ذلك الإجراء. ويرى مراقبون أن لهجة سيول بدت أخف حدة من نغمة واشنطن بخصوص العقوبات.
وتأتي زيارة كيم غير المعلنة في الوقت الذي تخوض فيه بكين تصعيداً حاداً مع ترمب حول خلاف تجاري بين البلدين، ما أدى، أمس، إلى تراجع أداء الأسواق المالية في العالم.
أفضت القمة التاريخية بين ترمب وكيم الأسبوع الماضي في سنغافورة إلى إعلان أكد فيه الزعيم الكوري الشمالي مرة جديدة «التزامه الحازم والثابت حيال نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة» الكورية. وانتقد بعض الخبراء هذه الصيغة المبهمة التي يمكن أن تحمل تفسيرات مختلفة، مشيرين إلى أنها تكرر وعداً قطعه هذا البلد في الماضي من دون أن ينفذه.
ودعا ترمب منذ توليه الحكم في مطلع 2017، الصين، إلى تطبيق العقوبات الدولية على كوريا الشمالية لحملها على الرضوخ، إلا أن البلدين باتا الآن على شفير حرب تجارية، فقد نددت بكين، أمس، بـ«ابتزاز» من قبل واشنطن التي هددت بفرض رسوم بعشرات مليارات الدولارات على واردات من الصين. ويقول هوا بو المحلل السياسي المستقل في العاصمة الصينية، إن الأولوية بالنسبة إلى شي وكيم هي الاتفاق حول النهج الذي يجب اتباعه.
وصرح هوا لوكالة الصحافة الفرنسية: «يمكن أن تكون هناك خلافات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة حول عملية نزع الأسلحة النووية لأن واشنطن تريد نزعاً يمكن التحقق منه ولا رجوع عنه، ومن الصعب على كيم تقبل ذلك». وأضاف: «بالتالي فإن الصين وكوريا الشمالية تريدان تعزيز تواصلهما وإعداد استراتيجية شاملة في علاقاتهما مع الولايات المتحدة».
وأكد شارلي بارتون، الدبلوماسي السابق «أن التوصل إلى تسوية مثمرة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يتطلب مشاركة الصين». وأضاف: «لا يمكن تجاهل قوة هائلة تتقاسم حدوداً برية مع كوريا الشمالية ومصممة على التدخل في شؤونها». ويتفق الخبير في العلاقات الدولية في جامعة فودان بشنغهاي، وو شينبو، مع الرأي ذاته، مؤكداً أنه «دون دعم الصين لا يمكن لكوريا الشمالية القيام بعملية نزع السلاح النووي بأمان كما لا يمكنها الانتقال السلس إلى جعل التنمية الاقتصادية أولوية». وأضاف أنه مع عودة بكين إلى اللعبة الدبلوماسية سيكون بإمكانها أن ترمي بثقلها في مجالات أخرى في علاقتها بالولايات المتحدة. وتابع بارتون: «نأمل أن نعالج القضايا السياسية والاقتصادية بشكل منفصل، لكن إذا خاضت الصين والولايات المتحدة حرباً تجارية سيكون لذلك تأثير على العلاقات الصينية الأميركية بما فيها العلاقات المستقبلية حول كوريا الشمالية».
وأضاف: «بالتأكيد سيعقّد ذلك التنسيق بين البلدين بشأن ملف كوريا الشمالية».

- تخفيف العقوبات الدولية
أعلنت كوريا الجنوبية أنه يمكن تخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية عندما تتخذ «إجراءات ملموسة لنزع السلاح النووي» في مؤشر على ليونة أكبر على ما يبدو عن موقف واشنطن لبدء تطبيق ذلك الإجراء. قمة سنغافورة لم تخرج إلا بوثيقة غير واضحة أكد فيها كيم «التمسك بالتزامه الثابت والراسخ بإخلاء شبه الجزيرة الكورية التام من السلاح النووي».
ووسط مخاوف من أن تضعف القمة التحالف الدولي ضد البرنامج النووي لكوريا الشمالية، أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعد القمة أن العقوبات ستبقى حتى قيام كوريا الشمالية بنزع تام لأسلحتها النووية. لكن نظيرته الكورية الجنوبية ألمحت، الاثنين، إلى احتمال تخفيف العقوبات في مهلة أقل. وقالت الوزيرة كانغ كيونغ – وا، للصحافيين: «موقفنا هو مواصلة تطبيق العقوبات إلى أن تقوم كوريا الشمالية باتخاذ خطوات مجدية ملموسة».
وتأتي تعليقاتها بعد بضعة أيام على تلميح الصين إلى أن مجلس الأمن الدولي يمكن أن يدرس تخفيف العقوبات الاقتصادية عن حليفتها.

- تعليق المناورات
أكدت واشنطن وسيول، أمس (الثلاثاء)، تعليق المناورات المشتركة التي كانت مقررة في أغسطس (آب). وأعلنت كوريا الجنوبية، حيث يتنشر عشرات آلاف الجنود الأميركيين المكلفين بالتصدي للتهديد الكوري الشمالي، أن القرار يشمل مناورات «أولتشي فريدوم غارديان». ومن المفترض أن يشارك 17,500 جندي أميركي في المناورات. وكانت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية دانا وايت، قد أعلنت في وقت سابق في بيان: «طبقاً لتعهد الرئيس ترمب وبالتشاور مع حليفنا الكوري الجنوبي، علق الجيش الأميركي كل التحضيرات للتدريبات الحربية الدفاعية (فريدوم غارديان)». وفوجئت سيول وطوكيو بما أعلنه الرئيس ترمب، والذي يبدو بمثابة تنازل أميركي كبير لكيم جونغ أون.
كان مسؤول أميركي كبير قد قال لوكالة الصحافة الفرنسية، الخميس، إنه «تم تعليق التدريبات العسكرية الرئيسية في شبه الجزيرة الكورية إلى أجل غير مسمى». وقالت دانا وايت: «لم يُتخذ أي قرار بشأن المناورات المقبلة»، مشيرة إلى أن هذا القرار «لا يؤثر إطلاقاً على المناورات العسكرية المقررة في مواقع أخرى من المحيط الهادئ». وأوضحت أن وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتن سيشاركان هذا الأسبوع في اجتماع يُعقد في البنتاغون مع وزير الدفاع جيم ماتيس. وشدد بومبيو على أن وقف هذه المناورات يشترط مواصلة مفاوضات «مثمرة» مع كوريا الشمالية.