جون بارنز: بدل الحديث عن العنصرية في روسيا علينا أن نعالجها في بريطانيا أولاً

يحكي أسطورة نادي ليفربول الإنجليزي جون بارنز إحدى القصص عن كيف تحول مشجع لديه تذكرة موسمية لحضور مباريات ليفربول إلى صديق مقرب له، وكيف كان يجلس هذا الرجل في ملعب «آنفيلد» أمام شخصين يتحدثان سويا عن الانتقال المقترح لبارنز من واتفورد إلى ليفربول عام 1987. حيث قال أحدهما للآخر: «لست متأكداً من اللاعبين السود، فأنا لا أعرف شيئا عن شخصيتهم». وبعد بضعة أشهر، وفي أول مباراة له مع ليفربول على ملعبه أمام أكسفورد يونايتد سجل بارنز هدفا مذهلا من ركلة حرة مباشرة، وقال نفس الشخص للرجل الآخر، الذي حكى هذه القصة لبارنز في وقت لاحق: «أتعرف أنه لم يكن أسود بالدرجة التي كنت أظنها؟».
وقد عانى بارنز من العنصرية كثيرا، بدءا من تعرضه لهتافات عنصرية في تشيلسي في أول ظهور له مع واتفورد وهو في سن السابعة عشرة من عمره، وصولا إلى مناداته بـ«الزنجي» من قبل المتعاطفين مع حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف والذين هاجموا الطائرة التي كانت تقل لاعبي المنتخب الإنجليزي في جولة في أميركا الجنوبية عام 1984. بعد أيام قليلة من تسجيله الهدف المذهل في مرمى البرازيل على ملعب ماراكانا الشهير في المباراة التي انتهت بفوز إنجلترا على راقصي السامبا بهدفين مقابل لا شيء. وبالتالي، فإن هذا اللاعب الذي خاض 79 مباراة دولية مع منتخب إنجلترا هو أفضل شخص يتحدث عن قضية العنصرية والإساءة العنصرية التي تهدد بطولة كأس العالم في روسيا، وما إذا كان يتعين على اللاعبين أن يخرجوا من الملعب في حال تعرضهم لهتافات عنصرية.
يقول بارنز: «لقد تعرضت لأحداث عنصرية بشكل علني كلاعب كرة قدم في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، لكن ما تعرضت له لا يقارن على الإطلاق، سواء في الماضي أو في الوقت الحالي، بما يعانيه أي شخص أسود عادي في المدن الإنجليزية كل يوم». وأضاف: «أنا جون بارنز، لاعب كرة قدم رفيع المستوى كان يقذف بالموز خلال المباريات ويتعرض لهتافات عنصرية من قبل جاهلين يصرخون في وجهه لمدة 90 دقيقة، لكني في نهاية المطاف أستقل سيارتي الكبيرة وأذهب لمنزلي الجميل، لكن هل هذا يقارن بما يتعرض له الغالبية العظمى من السود الذين يعيشون في بؤس وليس لديهم أمل لأنفسهم أو لأطفالهم في الحصول على فرصة متكافئة اجتماعيا أو اقتصاديا أو تربويا؟».
ويؤمن بارنز بأنه لا يمكن الفصل بين كرة القدم والمجتمع، ويسترشد بحجج قوية في هذا الصدد، قائلا: «بما أنني أعمل في المجال الاحترافي لكرة القدم، يبدو الأمر كما لو أن بقية المجتمع على ما يرام وكرة القدم وحدها هي التي يتعين عليها السير في طريق طويل من أجل مكافحة العنصرية، لكن هذا الأمر بعيد كل البعد عن الحقيقة، لأنني أقول دائما ومنذ عقود طويلة بأنه طالما أن العنصرية موجودة في المجتمع فسوف تكون موجودة في جميع جوانب الحياة. وإذا لم نتمكن من القضاء على العنصرية في المجتمع، فإن كرة القدم ستكون مثل أي صناعة أخرى». وأضاف: «قبل أن نكون لاعبي كرة قدم أو مشجعين، فنحن أفراد عاديون في المجتمع. نحن أطباء ومحامون وبائعو حليب وسعاة بريد وعاطلون عن العمل وطلاب، لذا فإن السؤال المنطقي هو: لماذا يطلقون عليهم مشجعي كرة القدم العنصريين؟ هل هم عنصريون خلال المباراة التي تستمر لمدة 90 دقيقة فقط، ثم يكونون غير عنصريين خلال الستة أيام الأخرى في الأسبوع؟».
ولد بارنز في جامايكا وجاء إلى إنجلترا عندما أصبح والده، والذي كان عقيدا بالجيش وسبق له لعب كرة القدم باسم منتخب جامايكا، ملحقا عسكريا في العاصمة البريطانية لندن. وفي وقت لاحق، وبالتحديد في عام 1984 وبينما كان فريقه واتفورد يستعد لمواجهة إيفرتون في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، كان بارنز ينتظر والده في متجر «ليلي وايتس» الرياضي في ميدان بيكاديللي عندما طلب منه الموظفون الرحيل لأنهم كانوا يشكون في أنه ربما يكون لصا يحاول سرقة المعروضات الموجودة في المتجر.
يقول بارنز: «يمكن تفهم التمييز العنصري بسبب الرواية التي غُرست بداخلنا طوال الـ500 سنة الماضية حول جدارة مجموعة معينة من الناس وأخلاقهم وفكرهم فيما يتعلق بالمجموعات الأخرى من البشر، ولا سيما السود. إذن، فإن الأمر يتطلب جهدا كبيرا من أجل أن يؤمن الجميع بأننا متساوون وحتى يتغير الاعتقاد السائد عبر التاريخ الاستعماري والذي أقنعنا بشكل خاطئ بتفوق ورقي البيض».
ويضيف: «كثيرا ما نسمع عبارات مثل: يتعين على اللاعبين السود أن يقوموا بهذا الشيء أو ذاك، وكأننا قطيع من الأغنام يتعين علينا التصرف بطريقة معينة ولسنا أشخاصا مختلفين لكل واحد منهم رأيه الخاص وتوجهه الخاص؟» ويتابع: «هل قلنا يوما ما: يتعين على الأشخاص البيض أن يفعلوا هذا الشيء أو ذاك؟ لا، لأننا نتعامل مع ثقافة البيض على أساس أن لكل شخص استقلاليته وتفرده. يتم التعامل مع الفرنسيين والإسبان والألمان والإنجليز على أنهم شعوب مختلفون عن بعضهم البعض، لكننا مجرد أشخاص سود. ويجب الإشارة إلى أن المجتمعات والثقافات الأفريقية أكثر تنوعا بكثير من المجتمع الأوروبي، لكن يتم التعامل معها على أنها «أفريقيا»، وكأن كل من يأتي من هذا المكان متطابقون!».
وفي وقت مبكر من الشهر الجاري، سئل بارنز في برنامج «توك سبورت» الرياضي عما إذا كان يتعين على اللاعبين السود في المنتخب الإنجليزي أن يخرجوا من الملعب في حال تعرضهم للإساءة العنصرية في كأس العالم بروسيا، ودخل في نقاش حاد مع الصحافي الأسود دارين لويس، الذي يعتقد بأنه ينبغي عليهم ترك الملعب في حال تعرضهم لهتافات عنصرية. وقال بارنز: «أنا أعرف دارين جيدا وأحترمه كثيرا وأتفق معه بشكل كبير، لكني أعتقد أنه يتعين علينا أن ننظر إلى مشكلة العنصرية في بريطانيا بدلا من أن ننظر إليها في روسيا، فمن كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة! وأشرت على سبيل المثال إلى المهنة التي يعمل بها دارين وهي مهنة الصحافة وكيف يعاني السود من التهميش وعدم التمثيل بالشكل الكافي في وسائل الإعلام الرئيسية».
وأضاف: «لقد بدأ في تسمية أربعة أو خمسة صحافيين سود يعملون في تلك الصناعة. ويمكن لمدرب برايتون كريس هيوتون أن يقوم بنفس الشيء عندما يتم سؤاله عن عدم وجود عدد كافٍ من المديرين الفنيين السود في إنجلترا من خلال ذكر أسماء الأربعة أو الخمسة مديرين الفنيين السود الموجودين. نحن جميعا نعرف أن هناك مشكلة، لكن بدلاً من الحديث عن العنصرية في روسيا أو كرة القدم، فأنا أفضل أن نتحدث عن عدم المساواة في المجتمع وهي القضية التي توجد على نطاق واسع وتحظى بقبول كبير».
ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: هل ينبغي على رحيم ستيرلنج وديلي آلي وغيرهم من اللاعبين السود في منتخب إنجلترا أن يخرجوا من الملعب في حال تعرضهم لهتافات عنصرية؟ يقول بارنز: «حسنا، يعتمد هذا الأمر على تفسيرك لمعنى الإساءة العنصرية، فلو صرخ شخص أحمق من الجمهور في وجهك وكنت أنت الشخص الوحيد الذي سمعت إساءته، فهل يمكن أن نطلب منك حينئذ أن تخرج من المباراة؟ إن اللاعبين السود يتعرضون لما هو أسوأ من ذلك بكثير. إن إطلاق الجمهور لصافرات الاستهجان في كل مرة يلمس فيها لاعب أسود الكرة لا يعد انتهاكا للقانون، حتى لو كنت تعرف سبب إطلاق المشجعين لتلك الصافرات، فالأمور متشابكة وصعبة للغاية».
وأضاف: «يقال لنا بأن اللاعبين الشباب السود في المنتخب الإنجليزي لديهم وجهات نظر قوية، كما لو كان اللاعبون السود الأكبر سنا لم يكن لديهم وجهات نظر قوية، وأن الخروج من الملعب في حال التعرض لهتافات عنصرية يظهر قوة اللاعبين الذين يفعلون ذلك! أنا لا أفضل أن يخرج اللاعب من الملعب عندما يتعرض لهتافات أو إساءات عنصرية ولكني أفضل أن يستمر ويقدم أفضل ما لديه، وأنا كنت أقوم بذلك». وتابع: «ومع ذلك، فإنني لن أنصح أبدا أي لاعب أسود شاب بأن يخرج من الملعب أو يستمر في اللعب، لأننا جميعا مختلفون وكل منا له موقفه الخاص ويتعامل مع الأمر بصورة مختلفة. ومرة أخرى، لا أحب أن أسمع جملة: اللاعبون السود يتعين عليهم القيام بهذا الشيء أو ذاك. لأنه من المهين أن نشير إلى أننا جميعاً متشابهون».
وقال بارنز: «التحيز العنصري لا يقتصر فقط على الإساءة اللفظية أو الجسدية، لكنه يمتد أيضا إلى المفهوم الذي يتبناه المجتمع تجاه الشخص العادي أسود البشرة عندما يتقدم للحصول على وظيفة أو قرض، أو من نعتقد أنه أكثر جدارة أو ذكاء أو أفضل أخلاقاً. فأي شكل من أشكال التمييز أسوأ من الآخر؟» ويؤمن بارنز بأنه يجب الدفاع عن أولئك الذين يتعرضون للتمييز العنصري لكن لا يمكنهم أن يجدوا الفرصة لأن يشتكوا من ذلك على الملأ، ويقول: «إنني أشعر بالحرج عندما يشعر أشخاص عاديون من السود بالأسف أو يقدمون الدعم لي ولغيري من المشاهير من السود، مثل الممثلين أو المغنين».
ويضيف: «أشعر بأنني أريد أن أصافحهم وأقول لهم: وماذا عن المطالبة بالمساواة والكرامة لأنفسكم ولأولادكم؟ هل لم يعد لديهم أي أمل للمطالبة بذلك، وبالتالي يشعرون بالفخر لمجرد تقديم الدعم لشخص أسود من المشاهير؟ وما لم ينظر إلى الشخص الأسود في الشارع على أنه على قدم المساواة مع الشخص الأبيض، فإن السود لن يكونوا متساوين أبداً». وقال بارنز: «أخبرني صديق أسود بأنه رغم عشقه لنادي ليفربول، فإنه لن يذهب لمشاهدة أي مباراة للفريق من الملعب إذا لم يكن أفضل لاعبي الفريق هو شخص أسود، لأنه حتى ذلك الحين فإننا سنظل نسمع أن اللاعبين السود ليسوا جيدين بما فيه الكفاية!» وأضاف: «إذا كنا نريد حقاً أن نكون متساوين، فإن دليل ذلك لن يكون مجرد تحقيق شخص أسود لنجاحات عظيمة، ولكن الدليل هو أن نرى متوسط عدد الأشخاص السود الذين ينجحون يماثل عدد الأشخاص البيض الناجحين».