أهالي مخيم اليرموك يبحثون عن بيوتهم وحاراتهم وسط الدمار

انتهى بشكل تام حلم أهالي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بيوتهم والذي بنوه على تصريحات مسؤولي قيادات الفصائل الفلسطينية، بعد مشاهدتهم حجم الدمار الكامل الذي طال شوارعه وحاراته وأزقته، لدرجة أن الكثير منهم لم يستطع التعرف على حاراتهم ومنازلهم.
ويحاول الكثير من الأهالي الوصول إلى أحيائهم ومنازلهم لتفقدها وذلك من شوارع «الثلاثين» و«اليرموك الرئيسي» و«فلسطين» في مدخل المخيم الشمالي، لكنهم يتفاجأون بحجم الدمار الهائل وأكوام الركام في الطرق الرئيسية والفرعية الناجمة عن انهيار معظم الأبنية، الأمر الذي يجعل من مشوارهم في غاية الصعوبة.
سيدة في العقد الخامس من عمرها وبعد تجاوزها لمنتصف شارع «الثلاثين» الذي انهارت أسقف الأبنية الواقعة على جهته اليسرى على بعضها البعض، وأغلق الركام مداخل الجادات الفرعية، بدأت وبلهجتها الفلسطينية تسأل من حولها: أين شارع المحكمة؟ وتضيف وهي تلطم على وجهها: «معقول الواحد لا يعرف حارته... لا يعرف بيته... ما الذي جرى».
وبعد عناء طويل وبإرشادات من حولها، تمكنت السيدة من التعرف على البناء الذي تقع شقتها فيه، لكنها لم تتمكن من الصعود إليه بسبب انهيار واجهته ومدخله بشكل كلي، وفضلت الجلوس على تلة من الركام أمامه، وراحت تمعن النظر بالبناء، وتقول وقد رقرقت عيناها بالدموع: «ماذا جرى؟ هل هو زلزال؟»، وذلك وسط محاولات من عدد ممن يحطيون بها لإقناعها بمغادرة المكان، لكنها رفضت ذلك وأصرت على البقاء.
في مارس (آذار) الماضي، تمكن جيش النظام وحلفاؤه، بعد معركة استمرت نحو الشهر ضد تنظيمي «داعش» و«هيئة تحرير الشام» من السيطرة على مناطق جنوب العاصمة الخارجة عن سيطرته وهي «مخيم اليرموك» للاجئين الفلسطينيين وناحية «الحجر الأسود» والقسم الشرقي من حي «القدم» والجنوبي من حي «التضامن».
جاءت هذه المعركة في إطار مساعي النظام لتأمين دمشق ومحيطها، بعد إغلاق ملف وجود المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية لدمشق ومنطقة القلمون الشرقي بريف العاصمة الشمالي الشرقي، وبلدات «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم» في الريف الجنوبي.
وأقيم المخيم، الذي يلُقّب بـ«عاصمة الشتات الفلسطيني»، عام 1957 على بقعة زراعية صغيرة، ومع مرور الزمن تحول إلى أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا ودول الجوار، وراح اللاجئون يحسّنون مساكنهم ويشيدون الأبنية الطابقية لتتسع للعائلات الكبيرة والمتنامية، وباتت منطقة حيوية تستقطب السوريين من الريف للعيش فيها، لقربها من دمشق، ووصل عدد اللاجئين الفلسطينيين فيه قبل الحرب إلى ما يقارب 200 ألف لاجئ من أصل نحو 450 ألف لاجئ في عموم سوريا، موزعين على خمسة عشر مخيماً في ست مدن.
وإلى جانب اللاجئين الفلسطينيين كان يعيش في المخيم نحو 400 ألف سوري من محافظات عدة، بينما يقدر مهتمون بشؤون «مخيم اليرموك» عدد سكانه بأكثر من 750 ألفا بين لاجئ فلسطيني ومواطن سوري، نزح غالبيتهم في السنة الثانية للحرب.
وكانت تصريحات مسؤولي قيادات الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقرا لها، تشير إلى أن الدمار في «مخيم اليرموك» يعتبر جزئيا ويقتصر على مدخله الشمالي، لكن الدخول أكثر في شارع «الثلاثين» باتجاه الجنوب وصولا إلى سوق السيارات الحد الفاصل بين المخيم و«الحجر الأسود» يظهر أن الدمار أكثر بكثير مما هو عليه في مدخله الشمالي وخصوصا في منطقة «مجمع الخالصة» التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة التي يتزعمها أحمد جبريل والواقعة جنوب المخيم.
وبدت الأبنية على جانبي سوق السيارات منهارة بشكل كامل على بعضها البعض، وتحولت إلى أكوام من الركام امتدت إلى وسط الطريق، بينما طمست معالم الشوارع والأزقة، لدرجة أن مكاتب السيارات في السوق لم يظهر منها شيء على الإطلاق، على حين انتشرت في الطريق عدد من الحواجز لعناصر النظام للتدقيق بالسيارات وبطاقات الأهالي.
وانتهز الأهالي خلال عيد الفطر السعيد فرصة السماح لهم بالدخول إلى المخيم لزيارة قبور ذويهم في مقبرتي الشهداء الجديدة في جنوب المخيم والقديمة شرقه، كونهم لم يزوروها منذ أكثر من ست سنوات.
وتطلب الأمر من الأهالي للوصول إلى المقبرة الجديدة الدخول إلى حي «القدم» الواقع جنوب المخيم وسط أكوام كبيرة من الركام ومنه إلى المقبرة التي بدت أغلب القبور فيها مدمرة وطالتها الكثير من القذائف والصواريخ وبعثرت الكثير منها، بينما تم تحطيم جميع الشواهد التي تحمل أسماء من فيها.
وبسبب الدمار الكبير في المقبرة، تعذر على الكثير من الأهالي التعرف على قبور ذويهم، على حين تعرف قلة منهم على قبور ذويهم لتذكرهم علامات معينة تدل عليها.
عجوز في العقد السادس من عمره، وبعد أن عجز عن التعرف على قبور ذويه، قام بقراءة الفاتحة على أرواح جميع أموات المسلمين والدعاء لهم، وقال واليأس يخيم بوضوح على وجهه: «هكذا الثواب سيصل الجميع، ومنهم أمواتنا».
الدمار في مقبرة الشهداء القديمة، الواقعة شرق المخيم، بدا أكثر منه بكثير مما هو عليه في المقبرة الجديدة، حيث مسحت الكثير من القبور بشكل كلي، على حين تم نبش الكثير منها وظهر رفاة الكثير ممن فيها...!
الدمار الواقع في شارع «الثلاثين»، انسحب أيضا على «شارع اليرموك» الرئيسي الممتد من مدخل المخيم الشمالي وحتى مدخل حي «القدم» جنوبا، وبدا أكثر في القسم الجنوبي من الطريق حيث كان يسيطر تنظيم داعش، بينما كانت «هيئة تحرير الشام» تسيطر على القسم الشمالي واتفقت مع النظام في بداية المعركة على الخروج إلى شمال البلاد.
وبسبب حجم الدمار الكبير الذي لحق بالأبنية السكنية، لم تظهر معالم السوق التجاري في «شارع اليرموك» الرئيسي، ذلك أن معظم المحال على جانبي الطريق تحطمت بشكل كامل، بينما تدمرت بشكل كامل مئذنة جامع الوسيم على الطرف الغربي من الشارع.
كما يتعذر الدخول إلى الجادات الفرعية في «شارع اليرموك» الرئيسي مثل «شارع المدارس» و«شارع لوبية» و«شارع عين عزال» بسبب الدمار الهائل على جانبي الطريق، بينما بدا من بعيد مجمع «مدارس الأونروا» الواقع في «شارع المدارس» وقد دمر بشكل كامل.
في بدايات القرن العشرين، تسارع التطور العمراني في المخيم، وتحسنت الخدمات بشكل ملحوظ فيه، وتم افتتاح الكثير من المراكز والمؤسسات الحكومية والأسواق التجارية لدرجة باتت منطقة حيوية جدا أكثر من أحياء وسط العاصمة التي استقطب تجارها لفتح فروع لمحالهم التجارية فيه للاستفادة من الكثافة السكانية وجني أكبر قدر ممكن من الأرباح في أسواق باتت الأكبر والأكثر حيوية في العاصمة السورية.
وكان السوق التجاري في «شارع اليرموك» الرئيسي للألبسة والأحذية والصاغة والمفروشات والمأكولات الجاهزة من أهم أسواق المخيم، حيث كانت الكثير من محاله تفتح على مدار اليوم، بينما يعتبر سوقا «شارع لوبية» وصفد من أهم أسواق الألبسة الجاهزة، على حين كان سوق الخضار في شارع فلسطين من أكبر أسواق العاصمة ويؤمه الدمشقيون من معظم أحياء العاصمة.
بعض الأهالي ممن يدخلون إلى المخيم حاليا يسخرون من تصريحات مسؤولي قيادات الفصائل الفلسطينية، بأن الوضع في المخيم سيعود إلى مكان عليه قبل الحرب، ويتساءل البعض منهم: «كيف... بعد كل هذا الدمار!... بعد هذه الكارثة!... ما يتحدثون عنه مجرد أحلام يقظة»، بينما يقول أحدهم: «ما كان عليه المخيم بات من الماضي فقط!... المخيم دمّر عن بكرة أبيه ومن المستحيل أن يعود إلى ما كان عليه».
وفي محاولة من النظام وحلفاء للتقليل من حجم الكارثة التي لحقت بـ«مخيم اليرموك» بسبب الدمار الكبير الذي حصل فيه، وبث الأمل في نفوس الأهالي بالعودة إلى منازلهم، صرح عدد من قيادات الفصائل الفلسطينية التي تقاتل إلى جانب النظام، بأنها تعمل لدى النظام لإعادة الأهالي إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن بعد إزالة الأنقاض من الشوارع، في إشارة إلى الأهالي الذين يمكنهم ترميم منازلهم على نفقتهم الشخصية.
لكن الكثير من الأسر تعتبر أن هذا الأمر، ربما يأخذ سنوات كثيرة، وقد يكون شبه مستحيل لما سيترتب على ذلك من تكاليف مادية كبيرة جداً لن تقدر عليها في ظل تردي الوضع المادي للغالبية العظمى من العائلات بسبب الغلاء الفاحش وبقاء دخول المواطنين الشهرية على حالها.
ويقدر اختصاصيون، أن عمليات ترميم بسيطة لمنزل مساحته نحو 100 متر مربع وتقتصر على إعادة تركيب أبواب ونوافذ وتمديدات كهربائية وصحية تصل تكلفتها إلى أكثر من خمسة آلاف دولار أميركي.
ولا يختلف الوضع في «شارع فلسطين» عما هو عليه في «شارع اليرموك» الرئيسي و«الثلاثين» من حيث الدمار، إلا أن حجم الدمار في الجهة الشرقية من الشارع والتابعة إداريا لحي «التضامن» أقل مما هو عليه من الجهة الغربية.
وكان لافتا في الشوارع الثلاثة «اليرموك» الرئيسي و«الثلاثين» و«فلسطين» هو تجميع أبواب ونوافذ الألمنيوم وبعض قطع الأثاث من قبل عناصر جيش النظام وحلفائه والتي جرى نهبها من منازل تمكنوا من الدخول إليها على شكل أكوام أمام الأبنية المدمرة تمهيدا لترحيلها، بينما كان هؤلاء العناصر يدققون على الأهالي توخيا للحذر من أن يخرج أحدهم حاجيات منزلية وهو يغادر المنطقة.
ومنذ بدء الحرب تقوم قوات النظام وميليشيات تابعة، بنهب مقتنيات وأثاث المنازل في المناطق والمدن والبلدات والقرى التي تستعيد السيطرة عليها؛ ما أدى إلى ظهور ما يطلق عليه موالو النظام «أسواق الغنائم» التي تباع فيها المسروقات.
وفي المناطق التي سمح النظام للأهالي بالعودة إلى منازلهم فيها بعد أن استعاد السيطرة عليها، فوجئ هؤلاء الأهالي بخلو المنازل والمحال التجارية من أي أثاث ومقتنيات، حتى إن بعض المنازل بدت كأنها قيد الإنشاء وتحتاج إلى عملية إكساء شاملة، إثر سرقة الأبواب والنوافذ وخلاطات المياه والمفاتيح والأسلاك الكهربائية، وحتى «المراحيض الإفرنجية».