كراماريتش... بطل خاطر بمسيرته لنصرة مبادئه

تمسك مهاجم منتخب كرواتيا أندري كراماريتش بموقف أخلاقي، وعكس جميع التوقعات خرج منتصراً من هذا الموقف. وخاطر مهاجم نادي هوفنهايم بمسيرته بتمسكه بمبادئه واليوم يستعد للمشاركة في المنتخب الوطني الذي كثيرا ما وجد صعوبة في تحقيق سلاسة في الهجوم. وسلط قرار محكمة صدر منذ وقت قريب الضوء على القوى التي اضطر كراماريتش لمحاربتها. ويفسر ذلك أيضا السبب وراء خسارة المنتخب الكرواتي الكثير من التأييد في الداخل مع تعرض اللاعبين لمشاعر ازدراء بدلاً عن الاحتفال بهم لتأهلهم لكأس العالم.
يركز قرار المحكمة على الرئيس السابق لنادي دينامو زغرب زدرافكو ماميتش أقوى رجل بمجال كرة القدم المحلية. ويمثل ماميتش حاليا أمام المحكمة بناءً على عدة اتهامات منها سرقة مبالغ ضخمة من أموال دينامو زغرب. أثناء عمله في النادي، استولى ماميتش على أموال هائلة من تلك المخصصة لصفقات انتقالات اللاعبين التي حصل عليها دينامو زغرب.
في البداية كان ماميتش يوقع عقودا شخصية مع اللاعبين الشباب يحصل بمقتضاها على جزء كبير من مستحقاتهم. بعد ذلك وباعتباره مسؤولا تنفيذيا في النادي كان يضع بنودا في عقودهم تحدد نسبة التشارك في المقابل المادي لانتقال اللاعب ما بين النادي واللاعب. وبمجرد حصول اللاعب على أي نسبة من أية أموال يدفعها نادٍ أجنبي لدينامو زغرب مقابل خدماته بنسبة قد تصل إلى 50 في المائة كان يحول الجزء الأكبر منها إلى ماميتش.
ولا يطعن محامو ماميتش في صحة هذه الاتهامات لكن الادعاء يحاول إثبات أن بعض هذه البنود ومنها ما يخص عقود لاعب خط وسط ريال مدريد وقائد المنتخب الكرواتي لوكا مودريتش وقلب دفاع ليفربول والمنتخب الكرواتي ديان لوفرين أضيفت لاحقا وكُتب عليها تاريخ سابق بعد بيع اللاعبين. وأكد مودريتش ولوفرين أثناء التحقيقات على هذا الأمر لكن بدلا شهادتهما أمام المحكمة عندما مثلا كشاهدين للادعاء وقالا إن المحققين أصابوهما بالارتباك.
ووجهت إلى ماميتش تهمة الإدلاء بشهادة زور ويخضع لوفرين للتحقيق في هذا الشأن. وتسبب ذلك في تحول قطاع كبير من الرأي العام ضد اللاعبين. بين الأوراق التي قدمها ماميتش إلى المحكمة «كدليل على براءته» تم اكتشاف أمر مهم وهو وثيقة يقول محققون إنها قائمة من التعليمات موجهة إلى لوفرين حول كيفية الرد عن أسئلة معينة يطرحها الادعاء. ويبدو أن لوفرين التزم بالتعليمات بصورة شبه حرفية.
وقال كراماريتش إنه رفض السير على خطى اللاعبين الأكثر خبرة وتوقيع عقد بتلك الصيغة. وكاد يتسبب هذا في تدمير مسيرته المهنية لكنه لا يناقش هذا الأمر. وقال العام الماضي: ليس هناك داعٍ، فالجميع يعرفون ماذا يدور والقصص التي سمعتموها حقيقية. لقد خرجت من هذا الأمر حاملا ابتسامة على وجهي وحققت نجاحا لنفسي. بالطبع ترك هذا الأمر مرارة في حلقي لأن دينامو كان حلمي منذ الطفولة.
انضم اللاعب صغير السن والمولود في زغرب إلى النادي في سن السادسة وسجل 452 هدفا حسب قوله لصالح فرق الناشئين بالنادي. وكان أفضل موهبة هجومية أنتجتها أكاديمية النادي منذ عقود واتصل ماميتش مرارا بأسرة كراماريتش ووعدهم بتقديم أموال ومزايا متنوعة أخرى إذا انضم اللاعب لمعسكره. ورفضت الأسرة وأصبحت الأوضاع صعبة أمام كراماريتش.
ومع أنه قدم بداية واعدة مع الفريق الأول كان يجلس على مقعد البدلاء مع أول مؤشر على تراجع مستواه الفني. وانتقل على سبيل الإعارة إلى نادي لوكوموتيفا الكرواتي وحتى بعد تقديمه أداءً جيداً هناك كان مدربو دينامو يميلون لتفضيل لاعبين آخرين عليه. في نفس الوقت رفض النادي عروضا تقدمت بها أندية أجنبية لضم اللاعب إليها وذلك على أمل إجبار اللاعب على توقيع عقد مع ماميتش.
لكن كراماريتش لم يرضخ وخرج إلى العلن عام 2013 بشكوى من قلة مشاركته في اللعب مع الفريق وألمح والده إلى أن هذا الأمر يعود إلى رفضه الانصياع لماميتش. وجرى عرض اللاعب للبيع وانتقل إلى نادي ريييكا الكرواتي. ونجح كراماريتش في إحياء مسيرته وسجل 27 هدفاً خلال موسمه الأول و28 هدفاً خلال موسمه الثاني. وجذب ذلك أنظار ليستر سيتي الذي جعل منه صفقة قياسية في يناير (كانون الثاني) 2015. وكان اللاعب حينها في الـ23 من عمره، أي أكبر كثيرا عن السن التي يقدم خلالها معظم اللاعبين الكروات على اتخاذ الخطوات الكبرى في مسيرتهم.
لم ينجح كراماريتش داخل إنجلترا. وبعد فوز ليستر سيتي في معركة الهروب من الهبوط شارك بالكاد وتمت إعارته لهوفنهايم في شتاء 2016 لتفوته فرصة المشاركة في فوز ليستر سيتي بالدوري. وقال: «حصل اللاعبون الآخرون على فرصهم أما أنا فاضطررت إلى السير في الطريق الصعبة مرة أخرى. وتألق كراماريتش من جديد في ظل إدارة مدرب هوفنهايم يوليان ماقيلدزمان، وخصوصاً بعدما وقع عقدا دائما. عام 2016 - 2017 فاز كراماريتش بجائزة أفضل لاعب خلال العام في صفوف هوفنهايم من جانب جماهير النادي. وخلال أحدث مواسمه مع النادي اختارته مجلة كيكر الرياضية بين فريق الموسم في الدوري الألماني.
بالنسبة لمسيرته الدولية فكانت أقل نشاطاً بصورة طفيفة. منذ أول مشاركة له عام 2014 لم ينجح كراماريتش في تأكيد مشاركته في صفوف المنتخب في إطار تنافسه مع مهاجم يوفنتوس الإيطالي ماريو ماندزوكيتش ومهاجم ميلان نيكولا كالينيتش لكنه نجح رغم ذلك من تقوية إمكانات الهجوم بالفريق. وأصبح بطلا بتسجيله هدفي الفوز في أوكرانيا في مباراة انتهت بنتيجة 2 - 0. واحتلت كرواتيا المركز الثاني في مجموعة متكافئة بالتصفيات خلف آيسلندا، متفوقة على أوكرانيا وتركيا لتتأهل لملحق التصفيات. وفازت على ضيفتها اليونان 4 - 1 قبل أن يتعادلا من دون أهداف في أثينا لتحجز مكانها في كأس العالم. أوقعت القرعة كرواتيا في المجموعة الرابعة الصعبة التي تضم الأرجنتين ونيجيريا وآيسلندا لكنها تملك فرصة لبلوغ دور الستة عشر وربما الذهاب بعيدا في البطولة. تأهلت كرواتيا إلى خمس من آخر ست بطولات لكأس العالم كدولة مستقلة منذ انفصالها عن يوغوسلافيا السابقة في 1991، وغابت فقط عن كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا. كانت أفضل نتيجة حققتها في مشاركتها الأولى في 1998 عندما بلغت الدور قبل النهائي واحتلت المركز الثالث بعد انتصارها 2 - 1 على هولندا. لكن بعيدا عن ذلك تحول كراماريتش إلى رمز لرفض السير مع التيار ودعم القوى التي أغضبت قطاع كبير للغاية من الجماهير. كراماريتش لاعب مختلف داخل وخارج الملعب ويحظى باحترام الجماهير بغض النظر عن النادي الذي تشجعه وبغض النظر عن حماسها تجاه المنتخب الكرواتي. قد يعتبر هذا الإنجاز الأكبر في حياة كراماريتش.