تركيا: مكاسب طفيفة لليرة أمام العملات الأجنبية بعد انتعاشة مؤقتة

استعادت الليرة التركية في تعاملات أمس (الخميس) بعض الخسائر التي تكبدتها منذ بداية الأسبوع والتي بلغت ذروتها مساء أول من أمس عندما لامست حدود 4.93 ليرة للدولار وسط تأكيدات من الرئيس رجب طيب إردوغان والحكومة بأن التراجع الحاد في سعر الليرة «لا يعبر عن واقع الاقتصاد التركي»، وأنه «ظاهرة مؤقتة»، وفي تفسير آخر لهم فهو «مؤامرة» للتأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي ستجرى في 24 يونيو (حزيران) المقبل.
وسجلت الليرة في تعاملات أمس 4.76 ليرة للدولار متخذة اتجاه الصعود مجددا بعد تراجع سعر صرف الدولار مقابل الليرة إلى 4.56 عقب قرار أصدرته لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي مساء أول من أمس برفع سعر فائدة الإقراض من 13.5 في المائة إلى 16.5 في المائة ليهبط بعدها الدولار بشكل سريع. كما انخفض سعر صرف اليورو مقابل الليرة التركية بنسبة 2 في المائة، وتراجع إلى 5.39 ليرة تركية قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 5.58 ليرة لليورو في منتصف تعاملات أمس.
كانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي، عقدت اجتماعا طارئا مساء أول من أمس، قررت خلاله رفع نافذة السيولة المتأخرة 300 نقطة إضافية لتصل إلى 16.5 في المائة، فيما أبقت على أسعار الفائدة على الودائع والقروض لأجل أسبوع وعمليات إعادة الشراء «الريبو» دون تغيير، في إجراء حاسم استهدف دعم الليرة واستعادة ثقة المستثمرين التي اهتزت بعد تصريحات للرئيس إردوغان الأسبوع الماضي عن عزمه إحكام قبضته على السياسة النقدية والقرارات الاقتصادية بشكل عام بعد فوزه «المتوقع» في الانتخابات الرئاسية المبكرة في يونيو.
وكان المقرر أن تعقد اللجنة اجتماعها المقبل لتحديد السياسة النقدية في 7 يونيو، لكن البنك المركزي أضطر إلى تقديم موعد الاجتماع كإجراء طارئ بحسب بيان صدر عنه.
وجاء الاجتماع عقب لقاءين عقدهما إردوغان مع كل من رئيس الوزراء بن علي يلدريم ورئيس المخابرات هاكان فيدان أول من أمس.
وراهن المستثمرون على أن موجة المبيعات الحادة في الليرة، التي هبطت نحو 21 في المائة منذ بداية العام الجاري وسجلت سلسلة مستويات منخفضة قياسية سترغم البنك المركزي على اتخاذ هذه الخطوة، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات وتصاعد المخاوف من أن تؤدي إلى تقلص فرص إردوغان وحزبه (العدالة والتنمية الحاكم) في الفوز بها.
وتعافت الليرة من خسائرها عقب قرار المركزي، وارتفعت في إحدى المراحل 2 في المائة قبل أن تنهي الجلسة الختامية منخفضة 0.85 في المائة عند 4.6304 مقابل الدولار.
وقال نائب رئيس الوزراء محمد شيشمك المسؤول عن الشؤون الاقتصادية على «تويتر» قبل قليل من إعلان قرار المركزي: «حان الوقت لإعادة المصداقية إلى السياسة النقدية واستعادة ثقة المستثمرين».
وكانت المرة السابقة التي لجأ فيها المركزي التركي إلى رفع أسعار الفائدة في اجتماع طارئ أيضا في يناير (كانون الثاني) 2014 لمحاولة وقف هبوط حاد مماثل في الليرة، ومنذ ذلك الحين خسرت الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار.
وبلغ التضخم السنوي في تركيا 10.85 في المائة في أبريل (نيسان)، وسجل مستويات مرتفعة عند 12.98 في الأشهر القليلة الماضية. ويريد إردوغان خفض تكاليف الاقتراض لزيادة الائتمان والنمو الاقتصادي، خصوصاً وهو يتجه إلى انتخابات برلمانية ورئاسية الشهر المقبل.
وقال إردوغان إن تركيا ستتخذ «إجراءات مختلفة» للتغلب على التضخم والعجز في ميزان المعاملات التجارية، بعد الانتخابات التي ستجري الشهر المقبل». وناشد خلال كلمة أمام نواب برلمانيين سابقين بالقصر الرئاسي في أنقرة، المواطنين ألا يفضّلوا العملات الأجنبية على الليرة التركية، معتبرا أن تقلبات العملة لا تتماشى مع الواقع الاقتصادي للبلاد.
وتكافح أنقرة لدعم عملتها المتعثرة، ودعا وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي المؤسسات المعنية في البلاد إلى تبني السياسات النقدية الواجبة، واصفا الخسائر الحادة الأخيرة في قيمة الليرة بأنها «مضاربة» وغير طبيعية. وقال زيبكجي في مقابلة تلفزيونية قبل وقت قليل من انعقاد لجنة السياسة النقدية: «مؤسساتنا المسؤولة عن الحفاظ على السياسة النقدية يجب أن تعمل، وأن تقوم بما يتعين عليها عمله.. هناك أدوات يمكن استخدامها.. يجب استخدامها دون تأخير». وأضاف: «علينا أن نظهر أننا لا نستطيع أن نسمح بأي خسارة في قيمة الليرة بسبب المضاربة»، مشددا على أنه لا يمكن ربط تراجع الليرة بواقع وديناميات الاقتصاد التركي.
من جانبه، اعتبر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين أن ارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة هو أمر «مؤقت ومصطنع»، لافتا إلى أن المؤسسات المعنية في البلاد اتخذت التدابير اللازمة ضد هذا الوضع.
وأوضح في تصريح، أمس، أن المركزي التركي والمؤسسات الأخرى ستواصل أخذ التدابير اللازمة للحيلولة دون ارتفاع قيمة العملات الأجنبية مقابل الليرة التركية. وأكد أن «بنية الاقتصاد التركي قوية ومتينة، وعلى الرغم من الأزمات العديدة التي جرت في البلاد العام الماضي، فقد استطعنا تحقيق نمو وصل إلى 7.4 في المائة، ولو كان هذا الاقتصاد هشاً لانهار بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت منتصف يوليو (تموز) 2016».
وبدوره، قال المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، إن «من يعتقد أن التلاعب بسعر صرف الليرة سيغير من نتائج الانتخابات المقبلة مخطئ؛ فالشعب كشف اللعبة ومن يقف وراءها، ولن يسمح لأحد بالنيل من تركيا».
وأضاف بوزداغ في تصريحات مساء أول من أمس أننا «ندرك جيداً وجود (إرادة) تسعى للتأثير على الناخبين الأتراك عبر رفع سعر الدولار أمام الليرة التركية، قبل انتخابات 24 يونيو.. نعرف قواعد الاقتصاد، ونؤكد أن اقتصادنا قوي». وحذر بوزداغ من أن ما سماه «الجهات التي تقف وراء رفع سعر صرف الدولار أمام الليرة التركية» ستقوم بتدبير «الكثير من المؤامرات» قبل الانتخابات، لكنه أكد الثقة بتخطي البلاد جميع الصعوبات كما نجحت في السابق.
ولفت إلى أن تركيا تمكنت من تخطي كافة الصعوبات والعراقيل التي وضعت أمام مسيرتها وتطورها منذ 2014 ولغاية اليوم، المتمثلة في تنظيم 4 انتخابات خلال عامي 2014 و2015، ومحاولة انقلاب فاشلة وعمليات إرهابية إلى جانب التطورات في سوريا، وعمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، قائلا إنه رغم كل تلك المصاعب، ظل الاقتصاد التركي صامدا.
واعتبر أن انتخابات 24 يونيو «ستكون يوماً جديداً لتركيا، وبداية لمرحلة جديدة»، وسيواصل الاقتصاد التركي نموه خلال الفترة المقبلة.