هيدرسفيلد... أقوى قصة بقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز

سرعان ما نفدت القمصان التي تحمل صورة وجه ديفيد فاغنر المبتسم من المتاجر الكبرى في مدينة هيدرسفيلد في بداية الموسم، ما يعد بمثابة شهادة بحق روح التفاني والوفاء التي نجح المدرب الألماني في بثها في جنبات النادي القائم في مقاطعة يوركشاير البريطانية منذ انضمامه إليه كشخص غير معروف نسبياً منذ عامين ونصف العام. والمؤكد أن مشاعر التقدير والتبجيل إزاء المدرب الألماني زادت في أعقاب التعادل الذي تحقق على أرض استاد ستامفورد بريدج معقل نادي تشيلسي بالجولة قبل الأخيرة، الأمر الذي مكن هيدرسفيلد من إنجاز أكبر ملحمة بقاء على امتداد تاريخ بطولة الدوري الممتاز.
من ناحيته، كان فاغنر قد لمح بداية الموسم إلى أن هيدرسفيلد أكبر الأندية المرشحة للسقوط في تاريخ بطولة الدوري الممتاز. وقد وافق أصحاب المراهنات على هذا التقدير بالفعل. وعندما فاز هيدرسفيلد بالصعود إلى الدوري الممتاز عبر دور تصفيات دوري الدرجة الأولى الموسم الماضي، اتفقت غالبية المراهنات على كونه المرشح الأول لإنجاز الموسم الجديد في الدوري الممتاز في قاع جدول ترتيب أندية البطولة. وبدت هذه التوقعات منطقية بالنظر إلى أن هيدرسفيلد صعد إلى الدوري الممتاز من خلال دورة الترقي لدوري الدرجة الأولى وبفارق هدف سلبي واحد، وإخفاقه في إحراز أي أهداف خلال مواجهتي ما قبل النهائي والنهائي حتى التصفيات.
في الوقت ذاته، عانى الفريق من شح الموارد المالية المتاحة لديه حتى قياساً بمعايير دوري الدرجة الأولى. وعليه، بدأ من اليسير على أي شخص ألا يولي اهتماماً للمهارات الخاصة التي تمتع بها مدرب الفريق وقدرته على حشد طاقات لاعبيه، والنظر إلى صعود الفريق إلى الدوري الممتاز باعتباره حدث شاذ سرعان ما سيجري تصحيحه تلقائياً.
جدير بالذكر أن ثمة أندية أخرى في ظروف مشابهة أثبتت الأيام أنها لا تنتمي إلى الدوري الممتاز. على سبيل المثال، تمكن سويندون تاون بعد رحلة تفوق مثيرة من الصعود إلى الدوري الممتاز عام 1993. لكن سرعان ما عاد من حيث أتى، مع إنجازه موسمه الأول بالدوري الممتاز في قاع البطولة بإجمالي 10 نقاط فقط بينما اخترق شباكه أكثر من 100 هدف. أما بلاكبول، فقد قدم أداءً أفضل بعض الشيء خلال موسم 2010 - 2011. لكنه في النهاية أخفق في الاستمرار لأكثر عن موسم واحد، وأنهى الموسم تحت قيادة إيان هولواي في المركز الـ19.
من جانبه، تجاوز شون دايك مع بيرنلي سقف جميع التوقعات المنطقية، لكن هال سيتي تحت قيادة فيل براون يعتبر الفريق الوحيد من دوري الدرجة الأولى القريب نسبياً من إمكانات هيدرسفيلد الذي نجح في البقاء داخل الدوري الممتاز. ويعود الفضل وراء ذلك إلى البداية القوية التي قدمها الفريق في موسم 2008-2009 والذي يعتبر أول موسم له على الإطلاق في الدوري الممتاز. ومع هذا، لم يستمر هذا الإنجاز طويلاً، رغم ضخامته.
وبدأت علامات تراجع هال سيتي عام 2009. حيث نجح في البقاء داخل الدوري الممتاز بإجمالي 35 نقطة بعد أن فقد زخمه وفاز في مباراة واحدة فقط من إجمالي آخر 22 مباراة شارك بها. ورغم بقاءه داخل الدوري الممتاز، بدأ واضحاً للجميع أنه في طريقه نحو السقوط. وبالفعل، هبط النادي في الموسم التالي عن جدارة.
من جانبه، تمكن هيدرسفيلد من ضمان البقاء داخل الدوري الممتاز عبر إظهار سمات توحي بأنه قادر على البقاء وسط أندية النخبة للمرة الأولى منذ أكثر عن نصف قرن. ويعد هذا إنجازاً ليس بالهين بالنظر إلى الخصوم أصحاب القواعد الأقوى والإنفاق الأكبر الذين نجح في تغلب عليهم.
جدير بالذكر أن هيدرسفيلد أنفق قرابة 40 مليون جنيه إسترليني الصيف الماضي لتعزيز صفوف الفريق استعداداً لخوض مواجهات الدوري الممتاز، وفي يناير (كانون الثاني) ، ضم لصفوفه أليكس بريتشارد مقابل 11 مليون جنيه إسترليني، لكن هذا المبلغ في مجمله يكافئ تقريباً ما دفعه مانشستر سيتي مقابل ضم لاعب ظهير صريح وأقل عما أنفقه إيفرتون لضم غيلفي سيغوردسون. كما أنه لم يصل سعر أي من اللاعبين الذين ضمهم هيدرسفيلد لصفوفه إلى الـ18 مليون جنيه إسترليني التي أنفقها ستوك سيتي على كيفين فيمر، علاوة على أن فاتورة رواتب لاعبيه هي الأقل على مستوى الدوري الممتاز. وليس من بين لاعبي هيدرسفيلد من يتقاضى ما يقرب حتى من الراتب الذي يدفعه ويست بروميتش ألبيون لٍغيجغوش كريتشوفياك، على سبيل المثال. اللافت أن هيدرسفيلد نظم نفقاته على نحو حكيم، وقدم أداءً أثبت أن المال ليس كل شيء.
وقد بدأ ذلك من القمة، مع إصدار رئيس النادي، دين هويل، قراراً بالإبقاء على أسعار التذاكر منخفضة رغم انضمام النادي إلى فرق الدوري الممتاز التي تعد بمثابة الطبقة الأرستقراطية بين الأندية الأخرى. وقد ساعد القرار في الحفاظ على جو عام حماسي داخل استاد جون سميث على امتداد الموسم. أيضاً، ساعد إعلان هويل في بداية الموسم أنه لن يقدم على طرد فاغنر حتى لو انتهى الحال بهيدرسفيلد في قاع جدول ترتيب أندية الدوري الممتاز، في تعزيز قدرة الفريق على التركيز في المباريات.
بطبيعة الحال، أعلن هويل هذا الالتزام لأنه أدرك أن فاغنر مدرب متميز بحق. وقد أثبت فاغنر بالفعل منذ توليه مسؤولية تدريب الفريق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 عندما كان النادي في المركز الـ18 بجدول ترتيب أندية الدور الأول، أنه قائد يملك كاريزما وذكاء على نحو مميز. وسعياً وراء الفوز بالصعود إلى الدوري الممتاز، نجح فاغنر في صياغة أسلوب مميز في اللعب وبث روحاً قوية في الفريق مكنت لاعبيه من تجاوز نقاط القصور لديهم، الأمر الذي فعله من جديد هذا الموسم. وتميز اللاعبون الذين ضمهم إلى الفريق الصيف الماضي بسمات أسهمت في تعزيز جودة أداء الفريق دون التأثير سلباً على الروح الإيجابية التي تسوده.
المؤكد أن هيدرسفيلد سيحتاج بالتأكيد لأن يقدم أداءً أكثر حدة في خط الهجوم، مع تحسين مستوى الإبداع وإحراز الأهداف ـ في الواقع، يشكل ذلك الخطوة المنطقية التالية في مسيرة تطوير أداء الفريق. أما اللافت حقاً فكان روح وحدة الصف التي أبداها اللاعبون والتي كان من الممتع مشاهدتها، حتى في الأوقات التي جاء خلالها الأداء باهتاً.
وتشير الأرقام إلى أن لاعبي هيدرسفيلد حققوا مهارة التعامل مع الكرة (715، بينما بلغ العدد التالي مباشرة 657) بمعدل أكبر بكثير عن أي فريق آخر بالدوري الممتاز. والملاحظ أن اللاعبين الذين انضموا إلى الفريق خلال الصيف، مثل حارس المرمى جوناس لوسل وقلب الدفاع ماثياس زانكا يورغنسن والظهير الأيمن فلورنت هادرجوناج، اندمجوا على نحو جيد مع لاعبين آخرين أمثال المحرك الهادر بوسط الملعب جوناثان هوغ والمدافع المميز كريستوفر شيندلر. وتكشف الأرقام أنه باستثناء الأندية الخمسة الكبرى، فإن فريق واحد فقط (واتفورد) سمح لخصومه بعدد أقل من التصويبات باتجاه المرمى عن هيدرسفيلد.
ويعتبر هذا الإنجاز بمثابة شهادة نجاح على ثقافة الإصرار التي خلقها فاغنر داخل النادي، وقدرته على تحقيق تعديلات تكتيكية صغيرة مكنت هيدرسفيلد في كل مرة كان يبدو في طريقه نحو السقوط، من أن يجمع شتات نفسه وينهض من جديد. جدير بالذكر أن هيدرسفيلد لم يحقق فوزاً واحداً على امتداد سبع مباريات قبل أن يتمكن من الفوز أمام مانشستر يونايتد في أكتوبر (تشرين الأول)، وخسر خمس مباريات على التوالي خارج أرضه قبل أن يستعيد قوته أمام واتفورد ويفوز عليه بنتيجة 4 - 1 على أرض استاد فيكيريدج رود في ديسمبر (كانون الأول) ، بجانب استعادته قوته بعد فترة تراجع بعد أعياد الميلاد مع فوزه على بورنموث ووست بروميتش في فبراير (شباط)، وأخيراً نجح في تجنب جميع التوقعات بالهبوط بنجاحه في الفوز بالتعادل أمام مانشستر سيتي وتشيلسي.
ورغم خسارته في اللقاء الأخير على أرضه بملعب «جون سميث» أمام آرسنال 1-صفر إلا أن ذلك لم يمنع هيدرسفيلد وجماهيرة من الاحتفال بإنجازهم المتميز بالبقاء داخل الدوري الممتاز.