فراعنة صحراء مصر الغربية عانوا من تسوس الأسنان وتآكلها

يعدّ البعض أن صحة الفم «مرآة لصحة الجسم»، لكن علماء الأنثربولوجيا البيولوجية ينظرون لها كمدخل لمعرفة العادات الغذائية وطبيعة العمل للشعوب القديمة، إذ لا يهتمون فقط برصد معاناة الإنسان من المرض، لكنهم يبحثون في الممارسات الحياتية التي تسببت في حدوثه.
وفي مصر، اتجه الدارسون في مجال الأنثروبولوجيا إلى فحص أسنان الفراعنة عبر معاينة مومياواتهم. وفي بحثين مختلفين أجراهما معهد «البحوث والدراسات الأفريقية» و«المركز القومي للبحوث»، رصد الباحثون 8 أمراض أصابت أسنان 198 مومياء عاش أصحابها في منطقة الواحات الداخلة (صحراء مصر الغربية) خلال العصر المتأخر (من عام 1070 وحتى 404 قبل الميلاد).
- تآكل الأسنان
ويقول دكتور تامر جاد الباحث بقسم الأنثربولوجيا بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية، إن فريق العمل الذي ضم البعثة الكندية العاملة في منطقة صحراء مصر الغربية توصل إلى وجود عدة ظواهر مرضية في المومياوات، ومنها تسوس الأسنان، وتكلسها (وجود الجير)، ووجود خراج، ونقص تكون المينا، وتآكل الأسنان، وفقدانها قبل الوفاة، واستخدامها في العمل أو ما يطلق عليه (استخدام الأسنان كيد ثالثة)، وأمراض عظام الفكين.
وترتبط النتائج الأخيرة بأخرى توصل إليها باحثون من «المركز القومي للبحوث»، وتناول عصر بناة الأهرامات (الدولة القديمة)، وكشف عن وجود تسوس الأسنان بنسبة ضئيلة جدا، وانتشار كبير لمرض تآكل الأسنان.
ويقول دكتور جاد لـ«الشرق الأوسط»: «كانت نسبة انتشار مرض التآكل في العينة الخاصة بمن عاشوا في الواحات (87.87 في المائة)، وهي نسبة مرتفعة جدا، بينما كانت نسبة التسوس (51 في المائة)، أما باقي الأمراض فكانت نسبتها طبيعية وهي التكلس (45 في المائة)، والخراج (44 في المائة)، ونقص تكون المينا (27 في المائة)، وفقدان الأسنان قبل الوفاة (64.14 في المائة)، واستخدام الأسنان كيد ثالثة (26 في المائة)، وأمراض عظام الفكين (92 في المائة)».
- الخبز والموسيقى
ويعتقد علماء شاركوا في البحث أن سبب تفشي ظاهرة تآكل الأسنان في عصر الدولة القديمة، كان تناول الخبز الشمسي، الذي يتم تجهيز الدقيق المستخدم فيه باستخدام مطحنة من حجرين مستديرين فوق بعضهما. وكانت هذه العملية تتسبب في خروج بعض جزيئات الرمال من الحجر، لتختلط بالدقيق المستخدم في إعداد الخبز، فتصيب أسنان من يتناول الخبز، وتسبب مرض التآكل.
وإضافة إلى تأثير النمط الغذائي، كانت للمهن في منطقة الواحات الداخلة انعكاس على حدوث التآكل، ويشرح دكتور جاد أن «انتشار مهنة صناعة السلال في تلك المنطقة ترك أثرا سلبيا على الأسنان لاعتماد العاملين بتلك المهن على استخدام أسنانهم في تقشير الخوص بعد جفافه، واستطعنا اكتشاف ذلك من دراسة لأشكال التآكل، حيث رصدنا في أكثر من جمجمة حدوث تآكل مائل باتجاه المنطقة من الفم الذي يستخدمها الشخص في التقشير سواء كانت يمينا أو يسارا».
ومن أشكال التآكل، التي لم توجد إلا في النساء من العينة، هو حدوث تآكل للأسنان من نقطة التقائها مع اللثة أو عظام الفكين، وهو ما أرجعه الباحث إلى مهنة كانت قاصرة على النساء في منطقة الواحات الداخلة، وهي عزف الموسيقى باستخدام خيوط رفيعة يتم وضعها بين الأسنان.
وترى دكتور عزة سري الدين، أستاذ الأنثربولوجيا البيولوجية في المركز القومي للبحوث، والباحث الرئيسي في البحث الذي تناول أمراض الأسنان في عينة من الدولة القديمة، قبل نحو عامين، أن نتائج هذا البحث الجديد تدعم ما توصلوا إليه قبل عامين في بحثهم الذي نشر بدورية بحوث العلوم التطبيقية(Journal of Applied Sciences Research).
وتقول دكتورة سري الدين لـ«الشرق الأوسط»: «اتفقنا أن تآكل الأسنان كان المرض الأكثر شيوعا، واختلفنا في انتشار مرض تسوس الأسنان، غير أن هذا الاختلاف له ما يفسره».
ولم يتعد تسوس الأسنان في العينة الخاصة بالأسرة القديمة نسبة 6 في المائة، وهي نسبة أقل بكثير من تلك التي رصدها البحث الجديد، وهو ما ترجعه الباحثة، إلى أن البلح والعسل وإن كانا يدخلان في غذائهم أيضا، فإنهما لم يكونا الغذاء الأساسي كما في الواحات الداخلة.
والجانب المميز في البحث الذي صدر قبل عامين، كان هو رصد عينات أجرت خلعا لأسنانها، وتقول الباحثة إن شكل الفك يكشف عن أن عملية الخلع تمت بشكل صحيح.