عن الإعلام والشغف

«أحبه.
«أحبه جداً.
أحبه بشغف.
نعم.
بشغف».
هكذا أجبت في منتصف التسعينات حين سألني المخرج هشام أسعد، المسؤول عن انتقاء المذيعين للانضمام إلى شاشة «ذي أرابيا» في الشارقة، الإمارات، آنذاك: «لماذا الإعلام»؟
كان يهيئ لي أن الشغف يرادف التتيم، الحلم المرجوّ، والولوع والهيام، والعشق والغرام... لكن التجربة في واقعها انطوت على جملة عوائق وعقبات.
لم يكن سهلاً اختراق المهنة جغرافياً. أولاً في الشكل: مظهري، وبدانتي، وطولي، و... كانت كفيلة ليلفظني التلفزيون! لم أكن فارعاً، ولا وسيماً، ولم أكن فقيهاً بلغة الكاميرا. حتّى اسمي كان غير مألوف: دير هاروتيونيان نيشان: اللبناني الأرمني وسط مجتمع ينمّط ويقولب حسب الدين والعرق والطائفة والمذهب. لكني كنت مولعاً بالدراسة، والقراءة، والقراءة، والقراءة، والعلوم، والأدب، واللغات. واسطتي كانت شهاداتي وثقتي بسنوات تحصيل علمي وتثقيف ذاتيّ.‬
فضولي دفعني إلى تشريح كلمة «Passion» لشرحها للمشغوفين مثلي:
أصل كلمة «passion» أو شغف من اللاتينيّة: «Passio» أي المعاناة. نعم! أنا شغوف يعني أنا أعاني. فعانقت شغفي، واحتويت جذوره، وانطلقت.‬
في دائرة الضّوء اكتسبت قدْحاً ومدْحاً. ذقت النجاح حباً واغتياباً. تعثرت، تألمت، تغلّبت وتعلمت. ثقة الشاشات التي قابلت عبرها مئات المبدعين أكنّ لها وافر الامتنان. قالها لي مرّة سعيد عقل: «الشكر رشوة للقدر كي يعطيك أكثر». حظيت بالعمل على كثير من التلفزيونات في الشرق الأوسط: من ««ART، إلى الجديد، و«MBC»، و«LBC»، وتلفزيون دبي، و«MTV»، والحياة، والنهار المصريّتين و«OSN».
وفي كلّ حوار، كانت وما زالت المسؤولية نفسها، والاحترام نفسه، والتفاني والحبّ والأرق والقلق والـ... شغف نفسه. المعنى الأمثل لخطواتي في الإعلام تجلّى حين طلبتْ مني المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين «UNHCR» معاينة المخيمات في لبنان، والأردن، والعراق، واليونان. أن توظَّف الأضواء التي منحها إيّاك ربّك في خدمة الآخر، أن تعير صوتك للأقلّ حظاً، أن تطالب بحقوقهم، وتساند من منبرك أُسراً متعفّفة، أن تسهم في توفير العلم لطفل، والعلاج لآخر، والملجأ لمجموعات... أن تخدم مجتمعك مسخّراً باعك في هذه المهنة في إحداث ذاك الفرق... الفرق كلّه.
اليوم، حين يطرح عليَّ طلابي في الجامعات: «كيف لنا أن نحقق هذا الحلم»؟ أعود إلى ساعة الصّفر، وأُذَكِّر ذاتي: إعلامٌ بلا شغف وبلا هدف هو مرور عابر لا يدمغ. ثقْ بطموحك، اطرقْ جميع النوافذ، اجتهد أكثر، أحدث الفرْقَ كلّه، أحبب، عانِ... ومع رشفة حظّ وقنطار إيمان، قد تبلغ الهدف. نعم، قد تصيب. انتبه، قد تخيب أيضاً. حاول مرّة أخرى... بشغف.
* إعلامي لبناني