{حكاية مومياء} تربك إيران

أربكت حكاية مومياء مجهولة في جنوب طهران، المواطنين الإيرانيين عقب تكهنات بأنها قد تكون رفات مؤسس النظام السابق رضا شاه بهلوي، وذلك عشية ذكرى تتويجه ملكاً للبلاد في 24 أبريل (نيسان) 1925، مما أثار تساؤلات حول التوقيت.
وبدأت الحكاية عندما نشر عمال قبل 3 أيام «سيلفي» مع مومياء عُثر عليها خلال أعمال البناء ضمن مشروع توسيع منطقة تجارية بجوار مقبرة تاريخية بمدينة ري جنوب طهران.
وتم تداول صور ومقاطع في شبكات التواصل الاجتماعي تدّعي عودة الجثة المحنطة إلى رضا شاه بهلوي، ما سبّب جدلاً واسعاً بين الإيرانيين، نظراً إلى شواهد تؤكد الفرضيات المطروحة بأنه صاحب الجثة، فضلاً عن تزامن العثور على الجثة مع ذكرى تتويجه ملكاً على البلاد في 24 أبريل 1925، بعد أيام قليلة من الإطاحة بحكم الشيخ خزعل، آخر حكام الأحواز.
وتُظهر الصور تشابهاً بين الجثة وبين آخر صور رضا شاه بهلوي قبل دفنه. وتداولت المواقع صورة جنازته بزيّ عسكري. وقال العمال إنهم عثروا على الجثة داخل حوض خرسانی وإلی جانبه أداوت مثل السيف.
وتفاعل الإيرانيون بشكل مثير مع اختفاء المومياء المنسوبة إلى رضا شاه، وأطلقوا هاشتاغات أبرزها «أين رضا شاه؟»، و«يحيا رضا شاه» و«يخشون جثتك»، وأطلق أنصار النظام الحالي هاشتاغاً ساخراً تحت عنوان «رضا شاه الموميائي».
على ضوء ذلك، تباينت مواقف الجهات الرسمية بين التأكيد والنفي حول هوية الجثة. فبينما نفت وكالتا أنباء «فارس» و«تسنيم» التابعتان للحرس الثوري، العثور على جثة محنطة تعود لمؤسس السلالة البهلوية، عززت وكالتا أنباء «إيرنا» و«إيسنا» التابعتان للحكومة الإيرانية الشكوك حولها.
وقال آخر ولي عهد في إيران وحفيد رضا شاه، رضا بهلوي، في تغريدة عبر حسابه في «تويتر» إنه يتابع باهتمام التقارير حول العثور على جثة رضا شاه المحنطة. وأضاف: «ندرس القضية حالياً، وننتظر أن يتضح الأمر في الأيام المقبلة». وحذر الجهات المسؤولة في الوقت نفسه من أي «تعتيم وعدم شفافية» في هذا الخصوص.
ونشر رجال دين في إيران دعوات إلى احترام الجثة وتسليمها لذوي الميت أو إعادة دفنه وفق التعاليم الإسلامية.
وفتح العثور على المومياء جرح الحنين إلى فترة رضا شاه بهلوي، والذي عاد مؤخراً إلى الواجهة عندما خرج الإيرانيون، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في مظاهرات احتجاجية ضد سوء الأوضاع الداخلية في أكثر من 80 مدينة إيرانية. وكانت قد شملت قائمة الهتافات الإشادة الضمنية برفاهية الإيرانيين المعيشية في فترة رضا شاه، نكايةً في النظام الحالي الذي يَعتبر مؤسسَ النظام البهلوي رمزاً للخيانة في البلاد.
وأحيا الحراك الشعبي العفوي في إيران آمال معارضي النظام الحالي خارج البلاد، ومن بينهم أنصار نظام الشاه الذين يجتمعون تحت خيمة المجلس الوطني الإيراني الذي يترأسه ولي العهد الإيراني السابق رضا بهلوي.
واللافت أن الهتافات التي تترحم على فترة رضا شاه كانت من بين 3 هتافات في أول يوم للمظاهرات بمدينة مشهد التي تعد معقلاً للثوريين ومسقط رأس المرشد الحالي علي خامنئي.
وخلال الاحتجاجات كان رضا بلهوي قد نفى أي نية لإعادة إرث الأسرة الملكية، مشدداً على أنه يتطلع لقيام نظام ديمقراطي يقرر الإيرانيون شكله.
وقبل أيام وجّه رضا بهلوي عدة رسائل إلى الإيرانيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، عن قرب انهيار النظام الإيراني مع عودة الاحتجاجات في عدة مناطق إيرانية.
من جانبها، أفادت وكالة «إيسنا» أن منظمة الطب العدلي تنوي أخذ عينات «دي إن إيه» من جثة المومياء للتعرف على هوية صاحبها. وتباينت التقارير حول أوضاع الجثة. إذ نقل موقع «خبرأونلاين» أمس، أن أضراراً لحقت بالجثة. وقال مختص بمدينة ري التاريخية إن «المنطقة التي عُثر فيها على الجثة لم تدفن فيها أي جثة أخرى محنطة»، مشدداً على أنها تعود لمؤسس النظام البهلوي.
وقال حسن خليل آبادي، رئيس لجنة التراث الثقافي والسياحة بمجلس مدينة طهران، إنه «من الممكن» أن تكون مومياء رضا شاه، معلناً وقف عمليات الحفر حتى التعرف على هوية المومياء، وفق ما نقلت عنه وكالة «إيرنا» الرسمية.
وشدد المسؤول الإيراني على أن الجثة، بغض النظر عن هوية صاحبها، لها جانب تراثي بسبب التحنيط، وأنه يجب الحفاظ عليها، مضيفاً أن الرأي الأخير حول صاحب الجثة يعود إلى خبراء الآثار التاريخية والطب العدلي.
في هذه الأثناء، أفادت صحيفة «شرق» في تقرير، أمس، عن الحادث، بأن العلاقات العامة في المقبرة تنفي العثور على مومياء واعتبرت الأخبار المتداول «إشاعة».
وشغل رضا شاه منصب ملك إيران بين أبريل 1925 و1941، بعدما كان وزيراً للدفاع ورئيساً للوزراء لآخر ملوك السلالة القاجارية. ويصفه منتقدوه بأنه «ديكتاتور» إيران الأول بسبب شراسة طبعه العسكري. وكان رضا شاه أبرز ضحايا التحالفات الدولية في بداية الحرب العالمية الثانية عندما خُلع من منصبه بعد دخول قوات الائتلاف البريطاني والسوفياتي إلى إيران، ونُفي إلى جوهانسبورغ عاصمة أفريقيا الجنوبية، حيث عادت جثته من هناك إلى البلاد محنطة وملفوفة بالعلم الإيراني قبل أن ينظِّم نجله جنازة ملكية انتهت بدفنه في مقبرة ري.
ويُحسب لرضا شاه أنه من رواد التحديث في إيران وكلمة السر في تثبيت أركان الدولة الإيرانية ونقل مؤسساتها من العالم القديم إلى الجديد، وعلى رأسها تغيير النظام التعليمي بإدخال المناهج الغربية وتطوير الخدمات في عموم المدن الإيرانية الكبيرة قبل إصلاحات شاملة في بناء الجيش الإيراني والشرطة وأجهزة الأمن.
إلى جانب ذلك فإن البلاد تدين لرضا شاه الذي رسم حدود الجغرافيا الحالية قبل أن يتحول اسم البلاد من فارس إلى إيران في 1935، وأعلن اللغة الفارسية والمذهب الشيعي أساساً لهوية «الأمة الإيرانية» على حساب الهويات والقوميات الأخرى.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها مدفن رضا شاه الجدل في إيران. إذ قبل نحو 40 عاماً وبعد أيام قليلة من ثورة فبرایر (شباط) 1979، نصّب الخميني، صادق خلخالي حاكماً للشرع، فقاد حملة اجتثاث إرث نظام البهلوي والمعارضين لنظام ولاية الفقيه، وقام لاحقاً بموجة اعتقالات وإعدامات واسعة.
كما قاد خلخالي حشداً من الثوريين إلى جنوب طهران وهدم صرح رضا شاه قبل أن تتعدد الروايات حول مصير جثته. وكانت أسرته قد نفت قبل سنوات أن تكون نقلت جثته.
في هذا الصدد، قال الرئيس الإيراني حينذاك أبو الحسن بي صدر، في تصريح لخدمة «بي بي سي» باللغة الفارسية، أمس، إن هدم قبر رضا شاه حظي بتأييد الخميني بعد تقديمه احتجاجاً ضد خطوة خلخالي، وذلك ما اعتبره الخميني عداءً مع رجال الدين.
وحول هدم صرح رضا شاه، أعرب خلخالي -في مذكراته- عن أسفه لعدم العثور على جثة رضا شاه لحرقها.
وشغلت قضية قبور الرموز السياسية، الإيرانيين في السنوات الماضية. والحكاية الأكثر إثارة للجدل قيام السلطات الإيرانية بأكبر عملية توسع حول مرقد الخميني بعد مرقد الإمام الثامن لدى الشيعة في مدينة مشهد. ولم تُعرف الميزانية التي خُصصت للتوسع في مرقد الخميني.
والملاحَظ أن ردود الأفعال في شبكات التواصل الاجتماعي تشير إلى أن تنشيط الذاكرة الإيرانية وعودة صور هدم صرح رضا شاه بفأس الثوريين لم يهدأ على بُعد شهر من تجمع مئات الآلاف من أنصار الخميني لإحياء ذكرى وفاته، تحت سقف ضريحه الشهر المقبل.