تحولات تدريجية في الخطاب الإعلامي الروسي نحو السعودية

لم يعد الفضاء الإعلامي الروسي حكراً على وجهات نظر مجموعات النفوذ المناهضة للقضايا العربية والإسلامية، وللمكلة العربية السعودية. ويلمس المتتبع للإعلام الروسي تغيرات تظهر تدريجياً في الخطاب الإعلامي خلال تناول الشأن السعودي.
يشير مراقبون إلى أن التحولات التدريجية في الخطاب الإعلامي الروسي نحو السعودية، جاءت تحت تأثير عاملين رئيسين، لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر، الأول الزيارة التاريخية التي أجراها الملك سلمان بن عبد العزيز لروسيا في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، والتي شكلت تتويجاً لمرحلة جديدة من العلاقات بين موسكو والرياض.
والعامل الثاني هو استراتيجية «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، التي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والإصلاحات الشاملة التي تشهدها المملكة في إطار هذه الاستراتيجية، فضلاً عن النشاط السياسي الدولي للأمير محمد، والذي حظي باهتمام لافت في الإعلام الروسي.
وإلى جانب تقارير في الإعلام الروسي ما زالت تصر على تناول جوانب الحياة في السعودية بصورة سلبية، بعيداً عن الموضوعية، أخذت تظهر في الآونة الأخيرة تقارير تتميز بالمهنية، وتحرص على عرض المشهد السعودي بموضوعية وحيادية، وتتجه بهذا الغرض إلى الداخل لتنقل الصورة من هناك على حقيقتها، دون أي «تلميع».
في سياق بوادر التحول في نبرة الخطاب الإعلامي الروسي نحو السعودية، عرضت قناة «روسيا - 24» تقريراً أعدته مراسلتها من المملكة العربية السعودية، يقدم «الواقع كما هو». في تقريرها الذي يحمل عنوان «المملكة العربية السعودية... الإسلام ضد الإرهاب»، تجري الصحافية الروسية زيارة لمنازل عائلات سعودية، وتعرض من الداخل نمط الحياة في الأسرة السعودية، مع التركيز بدايةً على ملف «حقوق المرأة».
وتستهل الصحافية الروسية تقريرها بزيارة لمنزل عائلة سعودية، وهناك تُجري حواراً مع ربة المنزل حول النقاب الذي يغطي الوجه.
توضح ربة المنزل أن الشرع يطالب بتغطية الرأس لكن ليس الوجه، وأن مسألة النقاب أمر شخصي يعود لكل أسرة. وتعقب معدّة التقرير مؤكدةً أنها رأت كثيرات في الشارع دون نقاب. ويكشف الحوار مع ربة المنزل أن نمط حياة المرأة في السعودية مختلف تماماً عن الصورة النمطية التي يعرضها الإعلام، والتي تبدو فيها المرأة هناك كأنها «عبدة» لا أكثر. إذ ينتقل التقرير إلى موقع عملها، ليتضح أنها سيدة أعمال تدير واحدة من شركات استيراد الأدوية. وبعد العمل تذهب غالباً مع صديقاتها إلى صالة الرياضة والتسوق، وغيرها من نشاطات تمارسها النساء عادةً.
ثم يتناول التقرير الإصلاحات التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن شارع في الرياض تطل الصحافية لتؤكد أنها أصبحت تتمكن من السير في الشارع دون الالتزام بالزي التقليدي، وتشير إلى أن هذا الأمر والكثير غيره أصبح متاحاً للنساء بفضل الإصلاحات، وتصفها بـ«التحولات الثورية في نمط الحياة».
وفي الفقرات اللاحقة يعرض التقرير بالتفصيل نمط الحياة في المملكة، مع تركيز على التطور في مجال العمارة والبنى التحتية لا سيما الخدمات للحجاج وتنظيم الحج. وفي الشق السياسي يتوقف التقرير مطولاً عند الجهود التي تبذلها القيادة السعودية في مكافحة الإرهاب، والتصدي لمحاولات نشر التطرف عبر برامج وقائية خاصة للشباب، وكذلك باستخدام أساليب عصرية مثل مراكز إعادة تأهيل المواطنين الذين تأثروا بالأفكار المتطرفة، والاستفادة من الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة الإرهاب في الفضاء الإلكتروني.
ويعود الاهتمام ببوادر التحول الإيجابي في نبرة الإعلام الروسي نحو المملكة العربية السعودية، إلى الدور المؤثر الذي يلعبه الإعلام في تشكيل موقف الرأي العام المحلي من هذه الدولة أو تلك.
يقول مراقبون إن نظرة وسائل الإعلام الروسية إلى السعودية، كانت محكومة، ولا تزال إلى حد بعيد، بعقلية «الحرب البادرة» حين كان الإعلام أداة في تلك الحرب، مهمته تشويه صورة من تصنفهم السلطات السوفياتية على قائمة الخصوم. إلا أن المشهد لم يتغير حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. في هذا الشأن يقول المحلل السياسي الروسي كيريل سيمينوف، مدير مركز الدراسات الإسلامية في معهد التنمية المبتكرة، إن وسائل الإعلام الروسية «تستضيف بنشاط خبراء يتميزون بمزاجية معادية للسعودية، وللإسلام بشكل عام»، وأشار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى مكانة هؤلاء في وسائل الإعلام الروسية، وقال إن «القنوات التلفزيونية تدعوهم دوماً للمشاركة في برامج حوارية، وتنشر الصحف تقاريرهم ومقالاتهم»، وبهذا فهم ما زالوا مركز تأثير على الرأي العام.
ومن هؤلاء «الخبراء» يشير سيمينوف إلى يفغيني ساتانوفسكي، وهو محلل سياسي يهودي - روسي، مقرب من القيادات الإسرائيلية، ومعروف عنه أنه يتهجم دوماً عبر الشاشات على السعودية ويوجه إليها جملة من الاتهامات.
لم يتراجع في الإعلام الروسي تأثير «الخبراء» ومعهم مجموعة من الإعلاميين المناهضين للقضايا العربية، وللملكة العربية السعودية، إلا أن نشاط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فرض نفسه بقوة على الإعلام الروسي، الذي يتابع باهتمام خطوات تنفيذ «رؤية المملكة 2030».
في هذا السياق يولي الجانب الروسي اهتماماً بالخطوات العملية التي يتخذها الأمير محمد في مجال تخليص بلاده من الاعتماد النفطي.
ونشرت صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» الروسية تقريراً موسعاً تحت عنوان «السعودية العربية تقود ثورة الطاقة الشمسية»، عرضت فيه نتائج سلسلة لقاءات أجراها ولي العهد السعودي مع مديري شركات عالمية في مجال الطاقة، وتوقيع اتفاقية حول بناء محطة للطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية.
تقول الصحيفة في تقريرها إن هذه المحطة ستكون قادرة على إنتاج طاقة كهربائية بحجم يزيد على ما ينتجه 200 مفاعل نووي للطاقة الكهروذرية، «فضلاً عن أنها ستوفر في المملكة 100 ألف فرصة عمل جديدة، وستسمح بتوفير 40 مليار دولار، تُنفق على إنتاج الطاقة الكهربائية».
ويعرض التقرير بالتفصيل الاتفاقيات الأخرى التي وقّعها ولي العهد السعودي خلال جولته الخارجية الأخيرة مع شركات يابانية وأميركية، وتقول إن «التقليل من الاعتماد على إنتاج النفط واحدة من النقاط الرئيسية في برنامج التطوير الاقتصادي للبلاد (رؤية المملكة 2030)، التي أطلقها ولي العهد عام 2016».