وحيداً في الصالة

> ‫لا يمكن تقدير فن ما حق قدره بإشراك الآخرين بمشاهدته أو الاستماع إليه. إذا كنت تريد معايشة مقطوعة موسيقية كلاسيكية عليك أن تستمع إليها وحدك. إذا كنت تريد تقدير لوحة في معرض ما من الأفضل أن تتقدّم صوبها بمعزل عمن قد يكون معك. الرواية التي بين يديك لا يمكن لك ولآخرين قراءتها من الكتاب ذاته في الوقت نفسه.‬
> ‫طبعاً تستطيع أن تستمع إلى الموسيقى مع آخرين وتستطيع أن تحضر عرضاً مسرحياً أو تدخل معرضاً، ومعك شخص آخر أو أكثر، لكن استقبالك العمل، إذا ما كنت جاداً في تقديره أو التمتع به لن يكون هو ذاته إذا ما كنت وحدك.‬
> مشاهدة الأفلام لا تختلف في هذه الناحية. أفضل طريقة لمشاهدة فيلم ما على الشاشة الكبيرة أن تدخله وتشاهده وتخرج منه وحدك. إنها الحالة المثالية التي توفر لك كامل التقييم الصحيح للفيلم المعروض، وإذا ما كان الفيلم جيداً فهي الحالة الوحيدة أيضاً التي تجعلك تتشبع بجمال وفن الفيلم الذي تشاهده حتى وإن اختلفت معه فكرياً.
> كناقد هذا ضروري جداً ولو أنه قد لا يتسنى له ذلك عندما يضطر لدخول الأفلام في المهرجانات السينمائية. هو لا يقدر أن يطلب من المهرجان أن يكون وحيداً في الصالة أو واحداً من خمسة أو ستة أشخاص لا يعرف أحدهم الآخر ولا يجلسون على مقربة منه أو من الآخرين.
> لكنه يستطيع، وبل عليه، فعل ذلك في العروض التجارية (إذا ما كان يؤمها في عصر العروض المنزلية). دخول الصالة مع آخرين (حتى ولو كانت زوجته) سيشتت تفكيره عند أقل كلمة أو حركة. ربما لم يعجبك المشهد الذي تراه لتجد أن من معك صفَّق له أو عبَّر عن استمتاعه به بضحكة طويلة. وذات مرة خرجت من صالة مكتظة بعد عشر دقائق وقبضت ثمن التذكرة (يُسمح لك ذلك في الصالات الأميركية إذا ما خرجت بعد ربع ساعة من عرض الفيلم)، ثم شاهدته في حفلة صباحية في اليوم التالي. في تلك الحفلة كان هناك ثلاثة أشخاص آخرون متباعدين.
> عند الخروج من الصالة آخر ما تود فعله هو الحديث مع آخر حوله. تريد لنفسك أن تعايش الفيلم أكثر. إذا دخلت الصالة ومعك شخص ما فإن السؤل التقليدي الأكثر انتشاراً في تلك اللحظة هو السؤال الذي لا تود الإجابة عنه إلا بعد ساعات: ما رأيك بالفيلم؟
> كل هذا لأن فعل المشاهدة الصحيحة ليس للناقد فقط بل لأي كان، أن يستقبل الفيلم منفرداً حتى ولو شاهده في قاعة مكتظة. وذروة الانفراد هي أن يستطيع عزل نفسه عن الجميع إذا ما استطاع.
م. ر