الإخفاء القسري... ظاهرة جديدة تقض مضاجع الليبيين

أبقت حادثة اختفاء أسرة الطويري، المكونة من والدين وثلاثة صغار، على مخاوف من تكرار ظاهرة الإخفاء القسري في ليبيا، في وقت تشير فيه أصابع الاتهام إلى تغول الميليشيات في أنحاء مختلفة من البلاد تحت سمع وبصر المسؤولين، ووسط غضب مجتمعي متصاعد.
ويتعذر معرفة العدد الحقيقي للمختفين قسراً في ليبيا، نظراً لعدم وجود إحصائيات رسمية، لكن جمعيات حقوق الإنسان وشكاوى المواطنين تشير إلى بلاغات فردية بحدوث عمليات اختفاء كل يوم تقريباً، فيما ذهب متابعون في حديثهم مع «الشرق الأوسط» إلى أن غالبية العمليات تتم من طرف «الميليشيات المسلحة».
وسعى عبد السلام عاشور، وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني، التي تمارس عملها في طرابلس، إلى طمأنة المواطنين بأن الأجهزة الأمنية تقوم بدورها في البحث عن جميع المختفين والتصدي للجناة. واستعرض خلال لقائه مع رئيسي وأعضاء «الجمعية الليبية للديمقراطية وحقوق الإنسان»، مساء أول من أمس في مقر الوزارة بالعاصمة، أسباب اختفاء عدد من المواطنين قسراً.
وكانت أسرة الطويري قد اختفت في الثالث من فبراير (شباط) الجاري، عندما اقتادهم رجال يرتدون الزي العسكري من منزلهم في زليتن (150 كلم شرق طرابلس)، الأمر الذي دفع البعثة الأممية لدى ليبيا حينها إلى التصريح بأن «الإخفاء قسراً من قبل المجموعات المسلحة أصبح نمطا مقلقاً في ليبيا».
وفي محاولة لتحديد أسباب هذه الظاهرة، قال عمر غيث قرميل، عضو مجلس النواب، إن «هناك عوامل كثيرة وراء تفشي ظاهرة الإخفاء قسراً في البلاد، وفي مقدمتها تجذر الميليشيات وتفشيها في غالبية المدن الليبية، وقيامها بممارسة الابتزاز والسرقة والحرابة»، فضلاً عن «وجود أسباب أخرى تتعلق بالنزاعات القبلية والخلافات السياسية والأيديولوجية».
وأضاف قرميل، النائب عن مدينة الزنتان (جنوب غربي) في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن «التصدي لهذه الظاهرة لا يأتي إلا عن طريق توحيد السلطات التنفيذية في ليبيا... نحن لدينا من كل شيء اثنان: وزارتان للداخلية، ومثلهما للدفاع (...)».
وشدد قرميل على ضرورة وجود سلطة مركزية «تسيطر على مقاليد الأمور، وتتصدى للجريمة، وتعيد الاستقرار إلى ليبيا كي تتم السيطرة على الأمور الأمنية».
وأمام كثرة حوادث الاختفاء القسري نظمت أُسر وأصدقاء مئات المخطوفين والمغيبين في الرابع من الشهر الجاري وقفة احتجاجية في ميدان الجزائر بالعاصمة، بهدف الضغط على المجلس الرئاسي لاتخاذ خطوات بتشكيل لجنة تتولى جمع المعلومات، ومحاولة تحديد أماكن المخطوفين. وتفاعلاً مع غضب المحتجين، كلف فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، مستشاره القانوني بالتواصل مع أهالي ضحايا عمليات الخطف، ووجه بالعمل على توفير كل ما تستطيع حكومة الوفاق تقديمه فيما يتعلق بالجوانب الإنسانية لأهالي الضحايا، وكلف في الوقت ذاته وزيري العدل والداخلية والنائب العام بالاهتمام المباشر بمتابعة هذا الملف.
وعقب هذا التكليف، قال السراج في بيان إن حكومته «ملتزمة بتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية... ويدرك جيداً خطورة الإخفاء قسراً»، وهو ما يدفعه «للقيام بكل ما يمكن عمله لإنهاء معاناة هؤلاء الضحايا في كل أنحاء ليبيا».
من جهته، رأى الدكتور محمد عامر العباني، عضو مجلس النواب، أن تكرار هذه الحوادث راجع إلى «هشاشة الدولة والاعتماد على الميليشيات في إدارة ملف الأمن». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الحل لمنع مثل هذه الحوادث يكمن في «تفكيك الميليشيات ونزع سلاحها، وإعداد قوة أمنية من ضباط وأفراد الأمن المتخصصين في حفظ الأمن، ومنع الجريمة قبل وقوعها... وما قام به باولو سيرا من دمج للميليشيات بمكوناتها وسلاحها في وزارة الداخلية الليبية زاد الطين بلة، وزاد المشهد إرباكاً». في إشارة إلى سيرا الذي كان مستشاراً عسكرياً للمبعوث الأممي السابق لدى ليبيا مارتن كوبلر، وتم إنهاء مهام عمله في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وسبق أن طالب عدد من النشطاء والمثقفين والكتاب والإعلاميين والأكاديميين والسياسيين الليبيين المجلس الرئاسي بتحمل مسؤوليته عن التحقيق في جرائم الإخفاء قسراً، وحالات الإفلات من العقاب، حيث وقعت أكثر من مائة شخصية ليبية مذكرة للمطالبة بتطبيق المادة «26» من الاتفاق السياسي الخاصة بالمخطوفين والمفقودين. وضمّنت النخبة الليبية مذكرتها بأسماء غالبية المختفين في البلاد، على مدار الأشهر والسنوات الماضية.
وأمام توجيه اتهامات إلى كتيبة «قوة الردع» الخاصة، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق، بخطف مواطنين وسجنهم، رد أحمد بن سالم، المتحدث باسمها، بالقول إنه «لا يتم القبض على مواطن خارج إطار القانون». موضحا أن «أكثر من 300 سجين بتهمة الانتماء لتنظيم داعش ستتم إحالتهم للنيابة العامة». وأشار في السياق ذاته، إلى وجود 14 امرأة من زوجات عناصر تابعة للتنظيم في صبراتة ومعهن أطفال في سجون الكتيبة، في إشارة إلى أن الأمر ليس له علاقة باتهام كتيبته بإخفاء المواطنين قسراً.