هاكان شوكور نجم تركيا الأسطورة عاجز عن العودة إلى الوطن

ثمة صورة زفاف تحظى بشهرة واسعة داخل تركيا التُقطت خلال حفل زفاف أعظم لاعبي كرة القدم على مستوى البلاد والذي شارك في الفوز بكأس الدوري الأوروبي ولعب في مباراة قبل النهائي ببطولة كأس العالم. في الصورة، يقف النجم هاكان شوكور وإلى جواره اثنان من الشهود على عقد القران، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورجل الدين فتح الله غولن.
ومع أن الزفاف من المفترض أن يكون من أبرز وألمع المحطات في مسيرة المرء، فإن الحال لم تكن كذلك بالنسبة إلى شوكور. فقد توفيت المرأة التي اقترن بها، وتعرض والده للسجن، واليوم يجد اللاعب الذي شارك في 112 مباراة دولية باسم تركيا نفسه منفياً خارج وطنه. وحال عودته إلى تركيا، فإنه قد يواجه اتهامات بإهانة الرئيس والتمرد ضد الحكومة. ومن المؤكد أنه حال إدانته سيتعرض للسجن مدى الحياة، بل وربما يصل الأمر إلى عقوبة الإعدام. ولم يتمكن شوكور من رؤية والده، في الوقت الذي خسر كل المجد والأضواء التي كان يحظى بها ذات يوم. الأسوأ من ذلك، أن شوكور خسر وطنه.
ورغم أن قصص الصعود والسقوط ليست بالغريبة على لاعبي كرة القدم، فإن أياً منها لا يصل إلى مستوى الصعود الهائل والسقوط المدوي الذي كابده شوكور. لقد كان النجم التركي أشبه بأسطورة ذات يوم، وحمل لقب «ثور البسفور» في بلاد تقدس كرة القدم وتتنفسها مع الهواء. وفي يوم من الأيام، فتحت الدنيا ذراعيها لشوكور وحظي بكل شيء قد يحلم به غيره؛ فقد كان هدافاً حقق رقماً قياسياً في الدوري التركي الممتاز مع غلاطة سراي ومع المنتخب التركي، وحظي باحترام واسع حتى من جماهير أندية تركية كبرى منافسة، مثل «فناربخشة» و«بشكتاش». كما شارك في 9 مباريات مع بلاكبيرن روفرز خلال موسم 2002 – 2003، وسجل هدفين. كما حقق شهرة كبيرة خلال بطولة كأس العالم عام 2002 وسجل هدفاً في شباك البلد المضيف، كوريا الجنوبية، في الثانية 10.8 من مباراة التصفيات، والذي يعد أسرع هدف يُسجَّل في بطولة دولية.
وبعد اعتزاله كرة القدم في الـ36 من عمره، عمل محللاً رياضياً، ثم خاض غمار العمل السياسي. ومثَّل شوكور حزب «العدالة والتنمية» الديني المحافظ المسيطر على مقاليد السلطة بالبلاد اليوم. وفجأة، انقلبت الأوضاع رأساً على عقب وتلاشى من بين يديه كل ما حققه من إنجازات سابقة. انتهى زواج شوكور بالطلاق، أما زوجته السابقة إسراء فلقت مصرعها في خضم زلزال عام 1999 الذي تسبب في مقتل 17 ألف شخص على الأقل في إزميت وإسطنبول داخل تركيا. في ذلك الوقت كان يعمل محللاً رياضياً عبر قناة «تي آر تي» الوطنية. وخلال عمله، أبدى معرفة واسعة وبدا شخصية جادة تطرح آراءً مثيرة للاهتمام. وتزوج شوكور من جديد وأنجب 3 أطفال. أما ميوله السياسية فقادته إلى أن أصبح عضواً برلمانياً عن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه إردوغان. إلا أنه أبقى على صلة وثيقة مع غولن، الرجل الآخر في صورة حفل الزفاف.
جدير بالذكر أن غولن شخصية غامضة بعض الشيء يعيش في ولاية بنسلفانيا الأميركية -ويطالب إردوغان الحكومة الأميركية بتسليمه متهماً إياه بالضلوع في الانقلاب ضد حكمه- لكن لديه رغبة عارمة في العودة إلى تركيا لقيادتها نحو دولة ذات صبغة إسلامية أكبر. وعليه، عندما قررت الحكومة عام 2013 إغلاق المدارس التي يديرها أنصار غولن (كانوا يملكون شبكة واسعة من المدارس عبر أرجاء البلاد)، استقال شوكور من الحزب الحاكم وأصبح عضواً برلمانياً مستقلاً. الآن، تبدو كرة القدم كأنها تنتمي إلى زمن بعيد من حياة شوكور، بينما بدأت الحياة تدير له وجهها العابس.
وبالفعل، صدر قرار إلقاء قبض بحق شوكور، في الوقت الذي اتهمه محققون بالانتماء إلى جماعة إرهابية مسلحة. وقد تورط شوكور بالفعل في مواقف مثيرة للجدل، مثل قوله أمام حشد داخل إحدى الجامعات: «أنا ألباني، بمعنى أنني لست من الترك»، وذلك داخل بلاد تَعتبر لفظَي «ألباني» و«كردي» خيانة للمشاعر الوطنية السائدة.
عام 2016، أُدين شوكور بإهانة الرئيس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتعرض للمحاكمة غيابياً في يونيو (حزيران)، وأصر على أنه لم يكن يقصد الرئيس، لكن المحققين رأوا أن «التغريدات» التي أطلقها كانت موجهة بوضوح نحو إردوغان.
وفي يوليو (تموز) من ذلك العام، وقعت محاولة انقلاب عسكري في تركيا جرى توجيه اللوم عنها إلى أنصار غولن، وقد أسفرت عن مقتل أكثر عن 300 شخص. وخلال الشهور التي أعقبت الانقلاب، خسر 120 ألفاً وظائفهم وأُلقي القبض على 50 ألف شخص. وكان أي شخص يحمل تعاطفاً تجاه غولن محل شك. وصدر قرار إلقاء القبض على شوكور في أغسطس (آب) بناءً على اتهامه بالانتماء إلى جماعة إرهابية مسلحة.
وأُلقي القبض على والده من داخل أحد المساجد، واتُّهم بدعم الانقلاب مالياً، وجرت مصادرة أموال الأسرة وأصولها. في يونيو، توفي الأب داخل السجن بسبب إصابته بالسرطان. اليوم، يعيش شوكور في المنفى تحيطه ذكريات أيام مجده الغابر، بينما يعذبه حنينه في كل لحظة إلى وطنه.