موسكو تتحفظ على «هدنة إنسانية» وتستعجل إعمار سوريا

بدأت موسكو أولى الخطوات العملية لترويج رؤيتها لملف إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب، وشغل هذا الموضوع حيزاً مهماً من مناقشات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، بينما برزت تباينات في مواقف الطرفين حيال المطالب الدولية بإعلان «هدنة إنسانية» في سوريا.
وفتح إعلان الكرملين بمناقشة الرئيسين ملف إعادة الإعمار إلى جانب آليات لتعزيز التنسيق الروسي - الفرنسي في «دفع تسوية سياسية على أساس القرار 2254 ومخرجات مؤتمر سوتشي» على بعد جديد في دعوات موسكو المتكررة خلال الشهور الماضية لطرح موضوع الإعمار على الأجندة الدولية.
وكان بوتين أطلق الحوار حوله خريف العام الماضي، عندما دعا إلى «بلورة خطة دولية شاملة لسوريا شبيهة بخطة مارشال». وكرر دعوته خلال مشاركته في مؤتمر البرلمانات الدولي الذي انعقد في سان بطرسبورغ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقبل ذلك مباشرة، وجه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو رسالة إلى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حملت دعوة مماثلة.
وأبلغ مصدر روسي مطلع «الشرق الأوسط» أن موسكو تسعى إلى بلورة «خطة شاملة مشتركة مع أطراف أخرى» رغم أنها بدأت فعلياً بنشاط منفرد في هذا الاتجاه عبر إطلاق العمل في مشروعات لإعادة بناء البنى التحتية في قطاعات عدة بينها مشروعات في قطاعي النفط والغاز في مناطق يسيطر عليها النظام شرق البلاد، وخطة واسعة لإعادة تأهيل البنى التحتية لقطاع الاتصالات في سوريا. وزاد أن الشركات الروسية الكبرى تتسابق حالياً للفوز بمشروعات في سوريا رغم عدم انتهاء الحرب. لكن المصدر أشار إلى أن التوجهات الروسية لن تكون كافية بشكل منفرد و«الدخول الإيراني والصيني على الخط بدوره ليس كافياً»، لذلك تسعى موسكو إلى وضع آلية دولية شاملة. ولفت إلى أن موسكو تشعر بأن «الأوروبيين أقرب إلى مواقفها في هذا الشأن، بينما ترفض واشنطن حالياً مناقشة الموضوع». ووفقاً للمصدر، فإن موسكو تجهز لمؤتمر اقتصادي دولي سيعقد في يالطا في أبريل (نيسان) المقبل، لبحث مشروعات عملاقة بمشاركة ممثلين عن الحكومة السورية، وستناقش خلال المؤتمر بالإضافة إلى ملف إعادة الإعمار «سيناريوهات للتطوير الاقتصادي - الاجتماعي»، علماً بأن اختيار مكان انعقاد المؤتمر في يالطا التي تقع في شبه جزيرة القرم سيكون سبباً لمقاطعة بلدان كثيرة الفعالية على خلفية رفض الاعتراف بضم القرم إلى روسيا، ما يعني أن الحضور سوف يقتصر في الغالب على الشركات الروسية وشركات من البلدان الحليفة لروسيا، وخصوصاً من الصين وإيران وبلدان الفضاء السوفياتي السابق.
في المقابل، أبدت موسكو تحفظاً على الدعوات الفرنسية التي تحولت إلى مطلب أممي بإعلان هدنة مؤقتة لأسباب إنسانية. ووصف مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الاقتراح بأنه «غير واقعي».
ونقلت عنه وسائل إعلام روسية أن «خطة الهدنة لمدة شهر غير واقعية على الإطلاق، إننا نريد أن نرى وقفاً لإطلاق النار في سوريا ونهاية للحرب، لكنني لست على يقين تماماً بأن الإرهابيين سيوافقون على الاقتراح الذي سيتم عرضه عليهم».
وكانت الأمم المتحدة دعت، في وقت سابق من الأسبوع الحالي، لإعلان نظام وقف الأعمال القتالية لمدة 30 يوماً في سائر أراضي سوريا من أجل التمكين من إيصال المساعدات الإنسانية لسكان المناطق المنكوبة وإخلاء المدنيين المرضى والمصابين من الأراضي المحاصرة.
وتشمل هذه الهدنة، بحسب الخطة الأممية، الأراضي حول مدينة إدلب، حيث تنشط فصائل تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي التي أسقطت أخيراً مقاتلة روسية من طراز «سو - 25» في حادث أدى إلى مقتل طيارها.
ودعت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، الجمعة، إلى إنهاء الغارات الجوية في سوريا وفتح ممرات إنسانية في أقرب وقت ممكن. وقالت الوزيرة إن «المدنيين هم المستهدفون في إدلب وشرق دمشق، وهذا القتال غير مقبول على الإطلاق».
لكن الخارجية الروسية، ردت بأنه «لا يمكن تحميل دمشق وحدها مسؤولية تدهور الوضع الإنساني في سوريا»، معربة عن أمل موسكو في ألا يستخدم ملف الوضع الإنساني لتصعيد حملات جديدة ضد الحكومة السورية.
ميدانياً، اتهمت صحيفة «النجمة الحمراء» الناطقة باسم وزارة الدفاع الروسية، واشنطن، بدعم نشاط «تخريبي» قامت به فصائل مسلحة سورية، وأسفر عن تدمير جسر كانت القوات الروسية أقامته على نهر الفرات لتسهيل دخول إمدادات إلى الضفة اليسرى من النهر.
ووفقاً للصحيفة، فإن مياه نهر الفرات ارتفعت بشكل حاد يوم 6 فبراير (شباط)، على الرغم من عدم وجود أمطار غزيرة في المنطقة، وارتفع منسوب المياه على طول النهر فجأة إلى عدة أمتار، وزادت سرعة جريان مياه النهر بمقدار الضعفين، وفي اليوم التالي انهار الجسر المركب، مشيرة إلى أن التحقيق أظهر احتمال أن يكون تدفق المياه الحاد ناجماً عن «فتح متعمد لصمامات سد الطبقة» الكهرومائي، الواقع تحت سيطرة مجموعات معارضة تدعمها الولايات المتحدة، معتبرة أن موسكو لا تستبعد أن يكون الأميركيون سعوا إلى عدم السماح بتعزيز الحكومة السورية سلطتها على الضفة اليسرى لنهر الفرات.
وكان الجيش الروسي أقام الجسر في سبتمبر (أيلول) الماضي في ضواحي دير الزور بطول 210 أمتار، وبطاقة استيعابية قدرها 60 طناً، لعبور الأشخاص ووسائل المواصلات ونقل الشحنات المختلفة.
وبات المنفذ الوحيد على الفرات بعد أن دمرت جميع الجسور في المنطقة خلال العمليات العسكرية.