صحافيو باكستان بين «المضايقات» الحكومية وإرهاب الجماعات المسلحة

شغلت باكستان المركز السابع بحسب المؤشر العالمي للإفلات من العقاب خلال العام الماضي (Global Impunity Index)، ويضم هذا المؤشر قائمة بالدول التي يتم فيها قتل الصحافيين دون أن ينال مرتكب الجريمة جزائه. ويذكر التقرير الصادر عن لجنة حماية الصحافيين أنه قد تم قتل 21 صحافياً في البلاد خلال العقد الماضي دون معاقبة الجناة. يصبح الوضع في باكستان واضحاً حين يضع المرء في الاعتبار حوادث الهجوم على صحافيين في إسلام آباد، فخلال الأشهر الستة الماضية هاجم أشخاص مجهولون أربعة صحافيين في المدينة. وحدث آخر هجوم في بداية الأسبوع الحالي على طه صديقي، حيث أوقفت مجموعة يتراوح عددها بين 10 و12 رجلاً مسلحاً سيارة الأجرة الخاصة التي كان يستقلها وانهالوا عليه بالضرب. وكتب الصحافي أسعد هاشم في تغريدة له على موقع «تويتر»: «لقد تم ضرب صديقي وتهديده بالقتل».
وأضاف هاشم، الذي ذهب مع صديقي إلى مركز شرطة كورال، أنه قد تم الاستيلاء على متعلقات صديقي أيضاً. ويتهم صديقي أجهزة تابعة للحكومة الباكستانية بمهاجمته.

انتقادات للأجهزة العسكرية والاستخباراتية
كذلك تتضح الصورة أكثر حين ينظر المرء في آخر هجوم تعرض له الصحافي الاستقصائي أحمد نوراني في باكستان، خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. في غضون ساعات قليلة انتشرت التكهنات والشائعات في إسلام آباد بشأن منفِّذ الهجوم، وبدأت القصص تنتشر في صالات التحرير، وتشير إلى أن موضوعات نوراني، التي تضمنت انتقاداً لدور الأجهزة العسكرية والاستخباراتية في التحقيق المتعلق بالصفقات المالية لرئيس الوزراء المقال نواز شريف وعائلته، قد تكون السبب وراء تعرُّضه لذلك الهجوم، أو ربما تكون الأحزاب السياسية التي تأثرت سلباً بموضوعاته وتقاريره الصحافية هي التي تقف وراء ذلك الهجوم. لقد كان نوراني في طريقه إلى المنزل بعد الانتهاء من العمل في المكتب عندما تعرض للهجوم، حيث تم اعتراض طريق السيارة التي كان يستقلها من جانب ستة رجال مسلحين أخرجوه بطريقة عنيفة من السيارة، وأبرحوه ضرباً باستخدام قبضات حديدية، وسكاكين، وسلاسل حديدية، وهربوا بعدما بدأت الحشود في التجمع وتوقفت حركة المرور.
وبعدما استشعر الجيش وجود موجة من ردود الفعل المعارضة من جانب وسائل الإعلام، سارع نحو إدانة الهجوم، حيث كتب المتحدث باسم الجيش في تغريدة له على موقع «تويتر»: «تمت إدانة الهجوم على أحمد نوراني»، مضيفاً أن الهجوم كان محاولة آثمة لإحداث الفوضى والاضطرابات، وأكد الدعم الكامل للجهود المبذولة للقبض على مرتكبي الهجوم ومحاكمتهم. كذلك زار ممثل للمكتب الإعلامي للجيش المعهد الباكستاني للعلوم الطبية الذي يتلقى به نوراني علاجه، وأحضر إلى الصحافي المصاب باقة من الورود.

أيادٍ خفية
الاعتقاد السائد في الدوائر الصحافية في إسلام آباد هو أن الهجوم على نوراني من تخطيط أجهزة الاستخبارات، وإن لم يكن هناك ما يكفي من الحقائق والأدلة التي تدعم هذا الاعتقاد، بل يستند الاعتقاد إلى إدراك أن تقارير نوراني الصحافية، التي انتقدت الجيش وأجهزة الاستخبارات، قد أثارت غضبهم. الأهم من ذلك أن هناك عشرات الحالات، التي تعرض فيها صحافيون آخرون للضرب في إسلام آباد، ولم يتم استكمالها أو متابعتها، خلال فترة تتراوح بين خمسة عشر عاماً و20 عاماً. لذا يتم النظر إلى قضية نوراني في سياق هذا التوجه المستمر المتواصل.
في كل الأحوال لم يتم التوصل إلى أن أجهزة الاستخبارات ضالعة في أي هجوم تعرض له صحافيون في تاريخ إسلام آباد، واحتمال حدوث ذلك ضئيل للغاية نظراً لما يتمتعون به من سلطة ونفوذ، ولهذا السبب لم يوجه أي شخص حتى هذه اللحظة إصبع الاتهام إلى أجهزة الاستخبارات.
كتب نوراني كثيراً عن دور الجيش في التحقيق الذي يتم إجراؤه بشأن الصفقات المالية الخاصة بشريف، التي أدت إلى إقالته من منصبه كرئيس للوزراء لعدم أهليته. كذلك نشر نوراني موضوعات صحافية عن المخالفات المالية لعمران خان، لاعب الكريكيت الذي أصبح من الشخصيات السياسية، وأعضاء حزبه، حزب حركة الإنصاف الباكستاني، مما أثار غضب مؤيديه على مواقع التواصل الاجتماعي. وكذلك دعا بعض من أتباع ومؤيدي خان علناً إلى استخدام العنف ضد نوراني.

غياب الشفافية
قال مسؤول إداري رفيع المستوى في مجموعة «جانغ غروب»، التي تمتلك صحيفة «نيوز إنترناشونال»، التي يعمل بها نوراني، إنهم حريصون للغاية على عدم توجيه الاتهام إلى الجيش وأجهزة الاستخبارات التابعة له بالتحريض على الهجوم على نوراني، مشيراً إلى تحفُّظ نوراني نفسه في حديثه، وعدم عزمه اتهام الجيش بالضلوع في الهجوم. وأضاف المسؤول قائلاً: «لا نرى أنه من الحكمة إلقاء اللائمة على أجهزة الاستخبارات دون إجراء تحقيق سليم يكشف عن الحقائق الأساسية للجريمة. نعتقد أن هذا الهجوم يعود بالأساس إلى الفوضى وغياب سيادة القانون في المجتمع، وأن من نفذه كانوا فاعلين غير تابعين للدولة، وهو ما يمثل خطراً أكبر على حرية الصحافة».
على الجانب الآخر كتب أحد زملاء نوراني البارزين مقالا في أعقاب الهجوم على نوراني ذكر فيه أن الفوضى وغياب سيادة القانون في المجتمع تمثل خطراً أكبر على حرية الصحافة. وجاء في المقال الذي كتبه طلعت حسين: «تزامن يوم الهجوم على نوراني، مع عدم توزيع الصحف على المنازل في كويته بسبب تهديد جماعات مسلحة بمهاجمة وقتل موزعي الصحف، لأن الصحف أصبحت من أعدائهم لأنها لا تنشر وجهات نظرهم. ولم يتم توزيع الصحف على المنازل إلا في المناطق التي تخضع لسيطرة البشتون. تشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن نحو 90 في المائة من النسخ المطبوعة تظل في مراكز التوزيع».

إرهاب الجماعات المسلحة
لا حاجة للقول بعد كل ذلك إن باكستان واحدة من أخطر الدول بالنسبة للصحافيين، حيث تعد التهديدات الموجهة من الجيش والمسلحين أمراً طبيعياً. وقد نجا حامد مير، أحد الصحافيين ومقدمي البرامج البارزين، في عام 2014 من محاولة قتل. ووجهت أسرة مير اتهاماً رسمياً لرئيس الاستخبارات الباكستانية آنذاك بالضلوع في الهجوم عليه. وفي عام 2011، تم العثور على جثة صحافي استقصائي آخر، هو سيد سليم شاه زاد، مما أدى إلى اتهام الاستخبارات بالتورط في الجريمة.
مع ذلك تمثل الجماعات المسلحة خطراً لا يقل عن الخطر الذي يمثله النظام على الصحافيين في هذا البلد. ورغم زعم الحكومة الباكستانية أن الوضع الأمني في البلاد قد تحسّن منذ عام واحد فقط كان كثير من الصحافيين البارزين يرسلون أسرهم خارج البلاد خوفاً من حركة طالبان. كذلك هناك خطر كبير على حياة كثيرين يعملون في مجال الإعلام الباكستاني، حتى إن بعض الإعلاميين استعانوا بحرس شخصي يصحبهم في كل مكان، في حين أرسل البعض الآخر أطفاله إلى الخارج لحمايتهم من أي أذى قد يتعرضون له. وقد بات إرهاب حركة طالبان للإعلام الباكستاني يتخذ منحى خطيراً في 2014 و2015. ونظراً لأن مكالمات ورسائل التهديد، والتهديدات الصريحة من المتحدث باسم حركة طالبان لم تكن كافية لإرهاب الصحافيين، في مارس (آذار) 2014، تم قتل ثلاثة عاملين في مؤسسة إعلامية خلال هجمات نفذتها حركة طالبان في كراتشي، حيث أطلق رجال مسلحون النار على عاملين في «إكسبريس نيوز» بعد قطع الطريق على شاحنة تابعة للمؤسسة مما أودى بحياتهم.
وأعلنت حركة طالبان باكستان مسؤوليتها عن الحادث خلال مكالمة هاتفية مباشرة من أفغانستان. وصرح إحسان الله إحسان، المتحدث باسم الحركة، إلى «إكسبريس نيوز»: «نحن نتحمل المسؤولية. أود توضيح بعض الأسباب. تضطلع وسائل الإعلام الباكستانية في الوقت الحالي بدور في الحملة الدعائية الخبيثة ضد حركة طالبان. وقد أرهبنا الإعلام في السابق، ونحذره مرة أخرى، وندعوه إلى دعمنا في مواجهة هذه الحملة الدعائية الشرسة». وأضاف قائلاً: «لقد حذرنا (إكسبريس نيوز) أكثر من مرة، وقد اتصلت بها بنفسي وأوضحت لهم ما نشعر به من ظلم».

حملات تشويه
قال صحافي باكستاني بارز خلال مقابلة أجريتها معه في مكتبه عن هذا الأمر إنه يجلس على مسافة كبيرة من نوافذ المكتب الكبيرة تحسباً من تلقي رصاصة من قناص. من المؤسف رؤية انقسامات داخل الدوائر الصحافية بسبب التوجهات السياسية في هذه الأوقات العصيبة. في الوقت الذي يحمل فيه صحافيون مؤيدون للحكومة الأجهزة الاستخباراتية التابعة للجيش مسؤولية الهجوم على نوراني، وإن لم يكن ذلك علناً، يحمل صحافيون مناهضون للحكومة الاستخبارات مسؤولية التخطيط لهذا الهجوم لإلحاق الضرر بالجيش وتشويه صورته.
على الجانب الآخر، دشنت إحدى الصحف اليومية الصادرة باللغة الأردية حملة تشويه ضد نوراني وهو لا يزال طريح الفراش، حيث اتهمته الصحيفة بأنه على علاقة مع طالبة جامعية، وقالت إن زملاء الطالبة الشباب هم من اعتدوا عليه بالضرب بدافع الغيرة. مع ذلك لا يشك الصحافيون الجادون في أن سبب الهجوم على نوراني موضوعاته الصحافية، رغم عدم وجود اتفاق فيما بينهم على هوية الطرف المتورط في الهجوم.