المشاهد العنيفة تجتاح وسائل الإعلام... والدماء ترسم خريطة نشرات الأخبار

مع انتشار الإرهاب حول العالم، فرضت المشاهد العنيفة نفسها بقوة على محطات التلفاز كافة في جميع أنحاء العالم، وبدا أن الدماء ومشاهد جثث الضحايا أصبحت ترسم خريطة نشرات الأخبار، ولم تنفع تحذيرات الخبراء طوال سنوات من مخاطر بث هذه المشاهد، التي تغذي ثقافة العنف لدى المجتمع، ورغم وجود تشريعات وقوانين في الكثير من بلدان العالم الغربي لتقنين بث هذه المشاهد، فإن معظم القنوات العربية لا تلتزم بالحد الأدنى من المسؤولية بوضع تحذير بوجود عنف في المحتوى، ويتزامن ذلك مع تحذيرات خبراء من أن بث مشاهد ضحايا العمليات الإرهابية يخدم الإرهابيين ويساهم في نشر رسالتهم.
كان مشهد مقتل الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كاشفاً فيما يتعلق بتركيز وسائل الإعلام على مشاهد وصور قتل رؤساء العالم، فمثلما ظهر جثمان صالح مضرجاً بالدماء والإصابات، سبقه إلى شاشات التلفاز الكثير من زعماء ورؤساء الدول العربية السابقين، الذين تحولت لحظات مقتلهم وصور جثامينهم إلى مادة فيلمية لاقت انتشاراً واسعاً في وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، وكان أبرزهم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الذي قتل في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، كما لاقى مشهد إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في 30 ديسمبر 2006 اهتماماً واسعاً من وسائل الإعلام، بعد سنوات من بث مشاهد مقتل نجليه قصي وعدي، في 22 يوليو (تموز) 2003.
قال الدكتور حسين أمين، أستاذ الإعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: إن بث المشاهد العنيفة ظاهرة عالمية، لكن الفرق أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية لديها تشريعات وقوانين تلزم المحطات بوضع إشارة تحذير تنبه المشاهد إلى وجود لقطات عنيفة في المحتوى قبل بثه، وبذلك يكون لديه الوقت لتغيير المحطة أو إغلاق التلفاز، كما تحتوي اشتراكات محطات التلفاز في أميركا على تقسيم لمستوى العنف في المحتوى، ويمكن للمشترك أن يختار المستوى الذي يريده من عنف مقبول إلى المستوى الأعلى من العنف، أو يمنع المشاهد العنيفة عن تلفزيونه نهائياً.
وأضاف: «نحتاج في مصر والمنطقة العربية إلى تشريعات وقوانين تنظم بث المشاهد العنيفة، وتلزم المحطات بوضع تحذير قبل بث أي محتوى عنيف، ولا يمكن التعلل هنا بحق المواطن في المعرفة؛ لأن بث مشاهد الدماء والجثث عقب مقتل شخص أو مجموعة أشخاص ليس له علاقة بحق المعرفة، فالخبر هنا أنه مات، ولا يوجد سبب مهني لعرض جثمانه المشوه، بل يمكن الاكتفاء بصور غير صادمة».
صدمة المصريين من بث فيديو إعدام 21 مصرياً قبطياً على يد تنظيم داعش بليبيا في فبراير (شباط) 2015، لم تختلف عن صدمة الأميركيين عقب بث مشاهد لجريمة إطلاق النار على نادٍ ليلي في لاس فيغاس في أكتوبر الماضي، والذي خلف عشرات القتلى.
يعتقد خبراء أن بث مشاهد ضحايا العمليات الإرهابية يساعد الإرهابيين، ويساهم في إيصال رسالتهم، بينما حذرت الكثير من الدراسات من خطورة بث المشاهد العنيفة على محطات التلفاز، وتسببها في نشر ثقافة العنف.
من جانبه، قال الدكتور سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: إن تأثير المشاهد العنيفة يختلف من مجتمع إلى آخر، ومن شخص إلى شخص في المجتمع نفسه، بل إنه يختلف في حالة الشخص نفسه من وقت لآخر ومن حالة مزاجية إلى أخرى، وأضاف: «بث المشاهد العنيفة قد يخلق لدى الشخص حالة تعود على العنف، وعندما يراه في الواقع لا يتأثر ولا يشعر بأنه أمر غريب، كما يدفع بعض الأشخاص إلى تقليد هذا العنف في حياتهم اليومية، كما أن بث مشاهد ضحايا العمليات الإرهابية يخدم الإرهابيين، ويساهم في إيصال رسالتهم للرأي العام».
مشهد غرق الطفل السوري الذي لم يتجاوز عامه الثالث، إيلان كردي، على أحد الشواطئ التركية في سبتمبر (أيلول) 2015، خلال محاولته وأسرته الوصول إلى اليونان في قارب محمل باللاجئين السوريين، شكّل صدمة للعالم، لكنه في الوقت ذاته لفت أنظار الرأي العام العالمي إلى قضية اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب في بلادهم؛ وهو أيضاً ما عزز الجدل حول ذلك الخيط الفاصل بين حق المعرفة ونشر ثقافة العنف.
وقال حاتم زكريا، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، لـ«الشرق الأوسط»: إن جانباً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق الإعلاميين ومسؤولي القنوات لتحديد الشكل المهني الأفضل لتغطية الأخبار التي تتسم بطبيعة عنيفة من دون المبالغة في بث مشاهد عنف صادمة للمشاهدين، لكن الأمر أيضاً يحتاج إلى قواعد ومعايير منظمة يلتزم بها الجميع.
وأضاف: «المجلس يعمل على إعداد رؤية لمنظومة متكاملة للحد من بث المشاهد العنيفة الصادمة في محطات التلفاز، ونأمل أن ننتهي من المسودة الأولية قريباً، وسوف تتضمن إلزام القنوات بوضع تنويه تحذيري بأن المحتوى يتضمن مشاهد عنيفة، ولن يكون الأمر مقتصراً على قنوات التلفاز، بل سيمتد إلى المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي».