تونس تحيي الذكرى السابعة للثورة في ظل احتقان اجتماعي

أحيى التونسيون أمس الذكرى السابعة للثورة بشعارات شبيهة بتلك التي ردّدها المحتجون في عام 2011، في ظل توتر اجتماعي ومأزق تعيشه حكومة «الوحدة الوطنية» غير المستعدة للتفريط في برنامجها الإصلاحي من جهة، ومطالبة أحزاب معارضة تطرح نفسها كبديل بإسقاط قانون المالية وعدم الرضوخ لتوصيات صندوق النقد الدولي تفاديا بسياسة التقشف، من جهة أخرى.
وخالف الرئيس التونسي تقليد الاحتفال بعيد الثورة في قصر قرطاج بحضور عدد من الشخصيات السياسية وأهالي الضحايا، واختار التوجه إلى حي التضامن وهو أحد الأحياء الشعبية الأكثر غليانا، غربي العاصمة التونسية، لإلقاء كلمة في ظل إجراءات أمنية مشددة. وأعلن الباجي قائد السبسي في كلمته عن انطلاق العمل بصندوق الكرامة لمساعدة جميع العائلات المعوزة. وقال إن «رئيس الحكومة يوسف الشاهد سيمضي اليوم أو غدا على أقصى تقدير على قرار لبدء العمل بهذا الإجراء الحكومي».
إلى ذلك، أعلن الرئيس التونسي من حي التضامن الشعبي أن القائمة الرسمية لعدد قتلى الثورة التونسية وجرحاها ستصدر نهاية شهر مارس (آذار) المقبل. وتشير الهيئات الحقوقية التونسية إلى أن العدد في حدود 386 قتيلا و7763 جريحا، وقد حصل البعض منهم على تعويضات مالية، في حين لم تعترف الدولة بالبعض الآخر. وتطالب هيئة الدفاع عن قتلى وجرحى الثورة بالمساءلة والمحاسبة القضائية لضمان مبدأ العدالة الانتقالية.
وفي حديثه عن الإجراءات التي أعلن عنها مساء السبت لفائدة العائلات الفقيرة، أكد السبسي أن تونس لا تملك إمكانيات كبيرة لكنها تملك شعبا حيا، وتابع بالقول إنه «يجب أن نعرف كيف نستثمر هذه الإمكانيات المتواضعة ونوزعها بعدل»، مشيرا إلى أن الإجراءات التي تم الإعلان عنها «أفضل من لا شيء».
وشهدت الزيارة استياء من طرف بعض العائلات التي لم تتمكن من تبليغ مشاكلها لرئيس الجمهورية الذي أشرف بالمناسبة نفسها على تقديم قروض لفائدة عائلات فقيرة بهدف تمويل مشاريع اقتصادية صغرى. وكان محمد الطرابلسي، وزير الشؤون الاجتماعية، قد أعلن بدوره عن منظومة «الأمان الاجتماعي» التي تندرج ضمن الاستراتيجية الوطنية لمقاومة الفقر والإدماج الاجتماعي في أفق 2020، وقال إن هذه المنظومة ترتكز على ضمان دخل أدنى للعائلات الفقيرة وضمان التغطية الصحية لكل التونسيين، والمساعدة على توفير السكن اللائق للعائلات.
ومن المتوقع تخصيص 100 مليون دينار تونسي أي (نحو 40 مليون دولار) لميزانية منحة العائلات المعوزة، لترتفع المنحة المقررة لكل عائلة معوزة بـ20 في المائة، ومضاعفة المنحة المقررة للأطفال المعاقين من أبناء العائلات المعوزة، وتوسيع الرعاية الصحية لتشمل العاطلين عن العمل للتمتع بالعلاج المجاني من خلال بطاقات تسند لهم من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية إلى غاية حصولهم على عمل، علاوة على إحداث صندوق ضمان القروض السكنية لفائدة ذوي الدخل غير القادر ويبلغ عددهم نحو نصف مليون تونسي.
وفي هذا الشأن، قال منصف وناس، أستاذ علم الاجتماع، في مؤتمر سياسي نظمته حركة النهضة إن «التونسي لم يعد يتحمل الفقر ولا التفاوت الجهوي أو الطبقي»، ودعا إلى إجراءات عاجلة لتجاوز إعادة إنتاج الصعوبات نفسها منذ سنة 2011. يذكر أن نسبة 54.95 في المائة من الموقوفين في الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة تتراوح أعمارهم بين 21 و30 سنة في حين تراوحت نسبة الذين أعمارهم بين 15 و20 سنة أكثر من 31 في المائة، وهو ما يجعل تلك الاحتجاجات تعبر عن «ثورة الشباب التونسي» لتغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
وفي سياق الاحتفالات بذكرى الثورة، قال نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) في كلمة ألقاها أمام النقابيين، إن «البلاد تعيش زخما من الاحتجاج الاجتماعي ما انفكّ يتأجّج يوما بعد يوم، وهو ما يؤشّر إلى أنّ جزءا هامّا من المواطنين لم يعد يثق في السلطة ولا في وعودها، ولا في مختلف منظومات الإنتاج العامّة والخاصّة لتبديل أوضاعه وتحسينها». وتابع أن اتحاد الشغل يتفهم غضب الجماهير الشعبية، ويتوقع ارتفاع منسوب الغضب، في حال تواصلت سياسة التعتيم وغياب الشفافية والوضوح عند اتخاذ القرارات الحكومية، وفي حال تأخرت السلطة في البحث عن الأسباب الحقيقية للأزمة.
وأضاف أن «الحكومة قد عمدت إلى حصر مفهوم المواد الأساسية في المواد المدعومة فقط، وهو ما ترك المجال للانفلات في غلاء أسعار العديد من المواد التي لها صلة مباشرة بحياة المواطن اليومية، وهو ما ألحق الكثير من الضرر بشرائح واسعة من التونسيين».
وتزامنت هذه الاحتفالات مع نزول عشرة أحزاب سياسية معارضة تتزعمها الجبهة الشعبية اليسارية في مسيرات احتجاجية وسط العاصمة تحت شعار «تونس تستعيد ثورتها»، وذلك «تنديدا بالارتفاع الذي شهدته أسعار بعض المواد الأولية».
وفي هذا السياق، قال زهير المغزاوي رئيس حركة الشعب، وهو حزب معارض رفض المشاركة في الاجتماع الرئاسي حول الأوضاع الاجتماعية المتأزمة، لـ«الشرق الأوسط» إن «استمرار المنظومة الحاكمة وتحالف النهضة والنداء في الخيارات نفسها سيؤدي دون شك إلى مزيد من الاحتقان والتوترات الاجتماعية والاحتجاجات، على خلفية إحساس الفئات الضعيفة والمتوسطة والجهات الداخلية المحرومة والشباب، بالإقصاء والتهميش وغياب الحلول للملفات المطروحة». واعتبر القرارات الاجتماعية المعلن عنها مجرد «ذر رماد على العيون».
ومساء أمس، قال شاهد من «رويترز»، إن الشرطة التونسية أطلقت البارحة قنابل الغاز لتفريق عشرات المحتجين الشبان في حي التضامن بالعاصمة تونس، وذلك في تجدد للاحتجاجات على خلفية رفع الأسعار وفرض ضرائب بعدما هدأت وتيرة المظاهرات نسبياً خلال اليومين الماضيين.
وأضاف الشاهد أن الشبان الذين لا تتجاوز أعمار أغلبهم 20 سنة رشقوا سيارات الشرطة بالحجارة وأشعلوا النار في إطارات مطاطية قبل أن تلاحقهم قوات الأمن وتطلق قنابل الغاز.