بيتر بريستون ترأس «الغارديان» في عهد ثاتشر وهز رحيله أوساط الصحافة البريطانية

توفي بيتر بريستون، المحرر الصحافي الذي ولد في 23 مايو (أيار) 1938، مطلع الأسبوع الماضي. وزلزل خبر وفاته الوسط الصحافي البريطاني، وأعاده إلى ثمانينات وتسعينات القرن الماضي؛ تذكر الصحافيون مسيرة بريستون المهنية اللامعة، وتأثيره في تكوين هوية صحيفة «الغارديان» البريطانية خلال حقبة رئاسة مارغريت ثاتشر.
وبريستون هو الشخص الذي شغل منصب رئيس التحرير لأطول مدة في تاريخ صحيفة «الغارديان»، وتمكن من تحويل الصحيفة إلى مطبوعة أكثر عصرية، وتمتلك المقومات المالية لفترة من الزمن، ممهداً بذلك الطريق إلى بناء حصن من الصحافة التقدمية يحظى باعتراف وتقدير العالم.
ورحل بريستون عن عمر يناهز التاسعة والسبعين، بعد إصابته بالورم الملاني منذ عشر سنوات. ومن الشواهد الدالة على احترام مجال الصحافة له تخصيص صحيفة الـ«دايلي ميل» الصفحة الرابعة لكتابة موضوع صحافي تكريماً وتقديراً له. وقال آلان برومر، رئيس تحرير صحيفة «تابلويد سيتي»، إن وفاة بريستون في التاسعة والسبعين من العمر «يحرم الصحافة البريطانية من إحدى أكثر الشخصيات إلهاماً خلال القرن العشرين».
وانضم بريستون إلى «مانشستر غارديان» عام 1963، وشهد تطورها إلى صحيفة قومية، تولى رئاسة تحريرها منذ عام 1975 حتى 1995. وفي ذلك الوقت، أشرف على إعادة تصميم الصحيفة بشكل جذري، وكذلك تغيير اسمها، وتدشين قسم «جي 2» اليومي الذي قلدته صحف أخرى، وشراء صحيفة الـ«أوبزيرفر»، وناضل من أجل الحفاظ على استقرار ونجاح العمل بعد تدشين الـ«إندبندنت».
وبعيداً عن تلك المهام، كان بريستون فخوراً بوجه خاص بإحداث تحول مالي لصحيفة «الغارديان»، حيث منع تراجع العائدات على الأقل لفترة من الزمن، حيث تجاوز معدل توزيع الصحيفة نصف مليون نسخة في منتصف الثمانينات. مع ذلك، لم يكن بريستون، الذي كان في بعض الأوقات هدفاً للانتقاد المستمر بسبب طريقة قيادته للصحيفة، أسطورة مثالية خالية من أي عيوب، فأي رئيس تحرير يظل في منصبه لمدة تزيد على 15 عاماً يصيب أحياناً ويخطئ أحياناً أخرى، بحسب ما قاله في إحدى المرات.
وفي عام 1975، حطم بريستون التوقع بأن يحل صحافي أكبر منه سناً محل هيثيرنغتون. ففي السادسة والثلاثين من عمره، نجح في اقتناص المنصب بعد تصويت الصحافيين لصالحه، وضد منافسه الرئيسي. وجاء على لسانه في مقال نشرته صحيفة «الغارديان» عن رئيس تحريرها: «أنا مراسل وصحافي، وباحث عن الحقائق في المقام الأول»؛ لقد كان وفياً مخلصاً للمادة الإخبارية أكثر مما كان للمذهب.
ولقد جعل بريستون غرفة التحرير مفتوحة، حيث سمح للجميع بحضور الاجتماعات التحريرية الصباحية، وكان يعمل بجد واجتهاد لا يقل عن جهد أي من الصحافيين الآخرين، حيث كان نادراً ما يطلب إجازة، وكان يوزع عبارات التشجيع حين تكون مستحقة. ولم يساعد استحواذ صحيفة «الغارديان»، عام 1993، على صحيفة الـ«أوبزيرفر»، أقدم صحيفة أسبوعية في العالم تصدر يوم الأحد، بريستون على الفوز بأصدقاء، فقد كان في البداية متحمساً لهذه العملية، لكن فريق التحرير بالصحيفة الأسبوعية انقلب عليه حين قال لهم إنه سيكون عليهم الالتزام بسياسة التقشف، إذا كانوا يرغبون في الاحتفاظ بوظائفهم. وكان فريق التحرير بصحيفة الـ«أوبزيرفر» قد اعتادوا البذخ والترف، ولم يدركوا أن تلك الأيام قد ولت. وشبّه مسؤول تنفيذي للتحرير هذه العملية بعملية استحواذ «تيسكو» على متجر «فورتنم آند ماسون».
وانتقل بريستون مع «الغارديان» في عام 1964 إلى لندن، حيث عمل في عدة وظائف، من بينها مراسل للتعليم، ومحرر يومي، ومراسل أجنبي، ومحرر موضوعات خفيفة متنوعة، ومحرر إنتاج. وفي عام 1975، بينما كان في السابعة والثلاثين من العمر، قام سكوت تراست بتعيينه رئيساً لتحرير صحيفة «الغارديان»، وظل في هذا المنصب حتى تقديمه للاستقالة عام 1995.
وكان بيتر، بصفته رئيس التحرير، مشرفاً على التغييرات الكبيرة التي تم إدخالها على الصحيفة، ومن بينها نقلها إلى مقر لندن، الكائن في 119 شارع فارينغدون رود، وإدخال مجالات تخصصية بالصحيفة، منها «إيديوكيشن غارديان» الدورية التعليمية، و«سوسايتي» الخاصة بأخبار المجتمع، وإعادة تصميم الصحيفة عام 1988، وتدشين قسم «جي 2» عام 1992. كذلك تولى إدارة بعض من أهم قضايا «الغارديان»، ومنها كتاب السيرة الذاتية «سباي كاتشر»، وفضيحة رشوة اثنين من أعضاء البرلمان المحافظين في التسعينات.
وسلم قيادة صحيفته المحبوبة إلى نائبه راسبريدجر عام 1995، لكنه لم يرحل تماماً، بل استمر في العمل كمتعاون، من خلال كتابة أعمدة صحافية عن السياسة والإعلام، وكعضو في مجلس إدارة الصحيفة وأحد الأمناء. ورغم شخصيته الكتومة الحذرة، قال كل المقربين له عنه إنه كان طيباً ذكياً عنيداً، كذلك كان الصحافي الذي يدخن الغليون، المهووس بكرة القدم، يترفع عن الذهاب إلى المطاعم الفاخرة، والنوادي التي كان أكثر رؤساء التحرير يقبلون عليها. وكتب راسبريدجر بعد وفاته: «كانت رفقته وصحبته طيبة، لكنه لم يكن اجتماعياً على الإطلاق». وعبر بريستون في عموده الأخير، الذي تم نشره عشية أعياد الميلاد، عن أمله في أن تتمكن الصحافة من استعادة احترامها بدرجة ما، في وقت تتعرض فيه لإدانة السياسيين والجمهور على حد سواء.