شاب مصري يوثق شوارع الإسكندرية وبيوتها التاريخية بالكاميرا

بين ثنايا الشوارع والأزقة القديمة والتاريخية في مناطق كرموز والعطارين وبحري والمنشية في مدينة الإسكندرية، عاش الفنان التشكيلي والمصور ديب محمد، طفولته وجزءاً من شبابه. دفعته غيرته على المباني التراثية والتاريخية القديمة المهجورة بتلك المناطق، لتنفيذ مشروع فوتوغرافي لتوثيق شوارع وبيوت وعمارات الإسكندرية القديمة وهو عبارة عن ألبوم مكون من 100 صورة، أنجز منه نحو 40 صورة خلال شهر ونصف الشهر فقط. مشروع الشاب «الإسكندراني» قيد التنفيذ، لا تميزه الصور فحسب، بل تضفي عليه النماذج التعريفية لكل صورة أو كل مبنى بُعداً جمالياً وجاداً في الوقت نفسه.
يقول ديب محمد، صاحب الـ28 سنة، لـ«الشرق الأوسط»: «مقاولو العمارات السكنية الجديدة يسعون جاهدين لمحو تراث وتاريخ مدينة الإسكندرية، لأنهم ببساطة يشترون القصور والفيلات القديمة ويبنون بدلاً منها عمارات شاهقة، لا تحمل أي بعد جمالي أو فني، حتى شُوّهت مدينة الإسكندرية من الجانب الشرقي والغربي والجنوبي أيضاً؛ فهي محاطة بحزام عشوائي من الكتل السكنية المخالفة».
وأضاف ديب قائلاً: «جاءتني الفكرة عندما تأملت مصير باقي العمارات والقصور القديمة المنتشرة في شوارع الإسكندرية القديمة حالياً، ولا تحظى بأدنى اهتمام من قبل المسؤولين، وهي على وشك الهدم، وقلتُ لنفسي: ماذا لو هدمت كل هذه العمارات، لن يشعر بها أحد أو يذكرها مرة أخرى، فحاولتُ القيام بعمل مشروع توثيقي لتلك المباني والشوارع القديمة، من خلال الصور والتعريف بها وبتاريخها».
الطراز المعماري لمباني الإسكندرية القديمة متنوع وفريد، منه الإيطالي، والفرنسي، واليوناني، والإنجليزي، والأرمني، والعثماني، وكلّها جميلة وذات بُعد فني رائع، وفقاً للشاب المصري الذي أوضح قائلاً: «مشروعي يهدف إلى توثيق كل هذه الفنون المعمارية لنقلها إلى الجيل التالي، الذي لن يتمكن من مشاهدة كل هذه المباني التاريخية التي شَكَّلَت تاريخ الإسكندرية على مدار عقود طويلة».
الشاب الإسكندراني الذي تخرج في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، ويعمل اختصاصي معلومات، بجانب احترافه مجال التصوير والرسم، يسعى حالياً للانتهاء من التقاط 100 صورة عن المدينة، ووضعها في ألبوم كامل، وعرضه في جميع مناطق الإسكندرية والقاهرة، لإلقاء الضوء على أهمية المباني التراثية في الإسكندرية وما تمثله من تاريخ وحضارة لعروس البحر المتوسط.
يقول ديب: «70 في المائة من العمارات والقصور القديمة التي صوّرتها حتى الآن، غير مأهولة بالسكان، بعدما تركها السكان الأصليون من الأجانب أو اليهود المصريين، وغادروا من مصر. أمّا النسبة المتبقية من تلك العمارات فيسكن بعض الأشخاص في طوابقها العليا فقط، أو في بعض غرفها وليس في العمارة كلها، وكثير من تلك العمارات والفيلات التاريخية تتعرض باستمرار للهدم والإزالة من المدينة والتاريخ والوجدان».
لا يكتفي المصور الشاب بنشر صوره الوثائقية بشكل مباشر، بل يقوم بعمل معالجة تحريرية لألوانها بهدف إعادتها لأصلها أو لإعادتها إلى الشكل أو اللون الذي كانت موجودة عليه عقب إنشائها «تحرير الألوان لا يضيف شيئاً غير موجود في الصورة، وأحاول من خلال تقنيات معينة للوصول إلى الفترة الزمنية ما بين استخدام (الأبيض والأسود)، والألوان التقليدية المعروفة حالياً».
ولفت إلى أنّه يصوّر المناطق التاريخية في الصباح للاستفادة من تأثيرات الظلال والإضاءة الطبيعية، مع الاستماع إلى شهادات كبار السن المقيمين في تلك المناطق عن تاريخ وأهمية العمارات والمباني التراثية.
وأوضح ديب أنه «يواجه بعض الصعوبات أثناء عمله في مشروع توثيق الإسكندرية القديمة، بسبب منع تصوير بعض المباني، وهو ما يضطره إلى تصويرها بطرق بديلة». وتابع قائلاً: «الصور التي صوّرتها حتى الآن، حظيت بإعجاب عدد كبير من المهتمين بتراث الإسكندرية، وبالأخص في مناطق المنشية وبحري والعطارين وكرموز ومحطة الرمل، وشجعت عدداً منهم على زيارة تلك المناطق القديمة».
واستطرد قائلاً: «لديّ أحلام وطموحات كبيرة في مجال توثيق المدن التاريخية، وأفكر جدياً في أن أنقل التجربة إلى مدن مصرية أخرى، تتميز بالأصالة والتاريخ».