مستقبل غامض لمعاهدة الصواريخ الأميركية ـ الروسية

تخطط لجنة المراقبة الخاصة في إطار معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقريبة المدى عقد لقاء قريباً في جنيف، هذا ما أكده سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، وتوماس شينون، نائب وزير الخارجية الأميركي لصحيفة «كوميرسانت» الروسية. وسيحاول المشاركون في الاجتماع إنقاذ المعاهدة التي أصبحت مهددة بالموت في عامها الثلاثين، بسبب تبادل موسكو وواشنطن الاتهامات بانتهاكها. وهددت الولايات المتحدة روسيا بفرض عقوبات جديدة ضدها إذا لم تتوقف عن انتهاك المعاهدة. وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أي اليوم الذي يصادف مرور 30 عاماً على توقيع المعاهدة: إن واشنطن ستتخذ «تدابير ذات طابع اقتصادي وعسكري» إن لم تكف روسيا عن انتهاك المعاهدة، وأكد البيان أن الولايات المتحدة «ستسعى إلى إقناع روسيا بالعودة إلى مراعاة المعاهدة»، وحذر في الوقت ذاته من أن «الولايات المتحدة لن تقف بصمت مكتوفة الأيدي تراقب كيف تواصل روسيا تصميم منظومات حربية تتعارض مع المعاهدة».
وفي رده على ما جاء في بيان الخارجية الأميركية، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن اتهام روسيا بانتهاك المعاهدة لا أساس له من الصحة، وأكد أن روسيا ما زالت ملتزمة بها، وأعاد إلى الأذهان أن الرئيس فلاديمير بوتين أكد مراراً التزامنا بالمعاهدة. ولفت لافروف إلى أن المعاهدة تم توقيعها بين موسكو وواشنطن في الحقبة السوفياتية، أي عندما كانت كل الصواريخ السوفياتية محملة على منصات أرضية، بينما كانت لدى الولايات المتحدة صواريخ متوسطة وقريبة المدى محمولة بحراً وجواً، أي من منصات على السفن وفي الطائرات، وعبّر عن قناعته بأن الاتحاد السوفياتي بتوقيعه المعاهدة قام عملياً بتجريد نفسه بنفسه من تلك الصواريخ، بينما حافظت الولايات المتحدة على ذلك النوع من الصواريخ على منصات بحرية وجوية. وأكد لافروف، أن روسيا وفي إطار تحديثها قواتها المسلحة، قامت بتصنيع صواريخ متوسطة وقريبة المدى لكن على منصات بحرية وجوية، وهذا أمر لا تحظره معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقريبة المدى.
بيد أن تصريحات وزير الخارجية الروسية، وغيره من مسؤولين روس أكدوا كذلك التزام روسيا التام بالمعاهدة لم تكن مقنعة للأميركيين على ما يبدو. وذكرت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، أن الرئيس دونالد ترمب وافق على حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا بسبب انتهاكها المعاهدة، وقالت: إن الولايات المتحدة تنوي فرض عقوبات ضد الشركات الروسية العاملة في مجال تصميم وتصنيع الصواريخ الجديدة. وفي الشأن ذاته، قالت صحيفة «شبيغل»: إن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس دعا الحلفاء في الناتو إلى صياغة أسلوب تعاطٍ موحد مع موسكو، واعتماد عقوبات لإجبار روسيا على مراعاة معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقريبة المدى. في المقابل، تتهم روسيا الولايات المتحدة بانتهاك المعاهدة عبر نشر منظومات صاروخية في أوروبا الشرقية في إطار نشر الدرع الصاروخية، وتقول: إن تلك الصواريخ من النوع الذي تنص المعاهدة على حظره، كما عبّرت روسيا عن قلقها إزاء تخصيص الكونغرس مبالغ في الميزانية الأميركية لتصنيع منظومات صاروخية متوسطة المدى.
جدير بالذكر، أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وقعا في 8 ديسمبر (كانون الأول) عام 1987 معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقريبة المدى، وجرى التوقع بحضور الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف والأميركي رونالد ريغان. والتزم الطرفان بموجب المعاهدة بتدمير منظومات الصواريخ الباليستية والمجنحة المحمولة على منصات أرضية، متوسطة المدى (1000 - 5500 كم) وقريبة المدى (500 - 1000 كم)، وتعهدا بعدم امتلاك مثل تلك الصواريخ مستقبلاً. ونفذ الجانبان كامل التزاماتهما بموجب المعاهدة بحلول عام 1991، وقامت روسيا بتدمير 1486 صاروخاً في 117 موقعاً في البلاد، بينما دمرت الولايات المتحدة 846 صاروخاً في 31 موقعاً. وفي عام 2000 لوّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة باحتمال انسحاب روسيا من تلك المعاهدة رداً على انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الحد من الأنظمة الصاروخية المضادة للصواريخ. وفي عام 2014 وجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما لأول مرة اتهامات لروسيا بانتهاك المعاهدة، وذلك في رسالة منه إلى الرئيس بوتين اتهم فيها روسيا بتجارب على صواريخ مجنحة متوسطة المدى. وردت الخارجية الروسية حينها باتهام الولايات المتحدة بانتهاك المعاهدة. ومنذ ذلك الحين يتواصل مسلسل تبادل الاتهامات بين الجانبين؛ ما يعني أن الخبراء الذين سيشاركون في لقاء جنيف حول مصير المعاهدة، سيعملون على حل مهمة غاية في التعقيد، ولا يتوقع أن يتمكنوا خلال لقاء واحد من حل كل الخلافات في هذا الشأن بين البلدين. ويقول ميخائيل غورباتشوف الذي وقع في حينه المعاهدة إن تجاوز الخلافات حول هذه القضايا بين موسكو وواشنطن ممكن، لكن الأمر يتطلب إرادة سياسية.