أميركا تتجه لحد أدنى للأجور «أكثر ذكاءً»

تبدو وجبات البيض والبطاطا المقلية والخبز المحمص في متناول الجميع، فقيمتها لا تتجاوز 9.99 دولار في مطعم «توبس داينر» في نيوآرك (مدينة في نيوجيرسي)، ومع هذا فإن سعرها لا يتجاوز 5.79 دولار في «بوبس داينر» في أوكلاهوما سيتي. والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: إذا كان التفاوت في السعر بين الوجبة ذاتها داخل منطقتين من البلاد يصل لهذا الحد، فهل ينبغي حقاً أن تقر أميركا حد أدنى وطني للأجور؟
منذ فترة قريبة لا تتجاوز ثلاث سنوات، استقر الديمقراطيون بقيادة الرئيس باراك أوباما على الضغط من أجل رفع الحد الأدنى للأجور إلى 10.10 دولار، بدلاً عن 7.25 دولار الذي أقر عام 2009. ومنذ ذلك الحين، ضغطت حركة تعمل نيابة عن العمال منخفضي الأجور من أجل رفع الحد الأدنى الوطني إلى 15 دولاراً في إطار ما عرف باسم «النضال من أجل 15 دولاراً». ونجحت هذه الحركة النبيلة داخل الكثير من المدن مرتفعة التكلفة، بينها نيويورك وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس وسياتل، حيث من المقرر أن يجري رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً في غضون سنوات قلائل.
بيد أن الحد الأدنى للأجور الذي ربما يكون مناسباً في المناطق الساحلية مرتفعة التكلفة قد يكون خاطئاً في مناطق أخرى. جدير بالذكر هنا أن تقريراً صدر عام 2016 أشار إلى أن معدل الأجر المألوف لطبيب أسنان يعمل في جاكسون بتينيسي يبلغ 67 دولاراً، بينما يصل إلى 108 دولارات في سان فرانسيسكو. وبلغت تكلفة 12 بيضة في أوكلاند بكاليفورنيا 3.99 دولار، بينما لا تتجاوز 93 سنتاً في فارغو بنورث داكوتا. وتبعاً لما أورده موقع «رينت جنغل» الإلكتروني المعني بالعقارات، فإن شقة من غرفتين في المنطقة الميتروبوليتانية من لوس أنجلوس يبلغ إيجارها 2.907 دولارات شهرياً، في الوقت الذي يبلغ إيجار شقة مماثلة في فيلادلفيا 1.739 دولاراً ويهبط إلى 1.112 دولاراً في جاكسوفيل في فلوريدا.
في هذا الإطار، يبدو النضال من أجل إقرار 15 دولاراً حداً أدنى للأجر أكثر منطقية بالنسبة لمن يعيشون في بروكلين، حيث تصل كلفة انتظار السيارة 30 دولاراً لليوم الواحد، ما يزيد كثيراً على الكلفة في كمبرلاند بماريلاند، حيث يكلف انتظار السيارة 35 دولاراً شهرياً. ويفسر ذلك التباين الكبير بين الحدود الأدنى للأجور التي أقرت في ولايات مختلفة. يذكر أنه عام 2014، علاوة على تصويت سياتل وسان فرانسيسكو لصالح إقرار الحد الأدنى للأجور عند 15 دولاراً، اختارت أركنساس وألاسكا وساوث داكوتا ونبراسكا جميعاً رفع الحد الأدنى للأجور لديهم. وداخل هذه الولايات الريفية الأربع منخفضة التكلفة، جرى رفع الحد الأدنى للأجور إلى ما بين 8.50 دولار و9.75 دولار.
لذا؛ فإنه بدلاً عن الحد الأدنى للأجور، ينبغي إقرار نطاق للأجور على المستوى الوطني يعكس الاختلافات القائمة بين تكاليف المعيشة وأسواق العمل على نحو أكثر مرونة واستمرارية.
وفيما يلي سنطرح السبيل لتحديد الأجر المناسب لجميع مناطق البلاد. في البداية، ينبغي ربط الحد الأدنى الوطني للأجور ـ بمعنى الحد الأدنى للأجر المسموح به في جميع مناطق البلاد التي تقترب تكاليف المعيشة بها من المتوسط الوطني ـ بمقياس موضوعي يأخذ في الاعتبار واقع سوق العمل، ويدفع أكبر عدد ممكن من الأفراد إلى خارج هوة الفقر.
ونقترح من جانبنا تحديد هذا المعيار بنصف متوسط الأجر الخاص بالساعة من عمل العامل غير الإشرافي داخل أميركا. في يناير (كانون الثاني)، جرى حساب ذلك الأجر عند 10.90 دولار في الساعة؛ ما يشكل أعلى حد أدنى للأجور على الإطلاق حساباً بالقيمة الحقيقية للدولار. عند ذلك المستوى، فإن العامل الذي يتقاضى أجره تبعاً للحد الأدنى عن دوام كامل ولديه طفلان، يحصل على أكثر عن 1000 دولار، حتى قبل أخذ الإعانات الفيدرالية في الاعتبار.
من ناحية أخرى، فإن القوة الشرائية للحد الأدنى للأجر ينبغي أن تكافئ تقريباً المستوى ذاته عبر مختلف أرجاء البلاد، من بالم سبرينغز في كاليفورنيا حتى ينغستاون في أوهايو. ولتحقيق ذلك، ينبغي توزيع المناطق عبر واحدة من خمس فئات تعتمد على ما تطلق عليه الحكومة التكافؤ السعري الإقليمي، الذي يشكل مقياساً للتباينات في الأسعار عن المنتجات المتشابهة بين المناطق المختلفة. داخل المناطق الأعلى تكلفة، مثل مدينة نيويورك ونيوآرك، ينبغي تبعاً لهذا المقياس تحديد الحد الأدنى للأجر عند مستوى 15 في المائة أعلى عن المتوسط الوطني، أو 12.55 دولار. أما داخل المناطق منخفضة التكلفة، مثل فالدوستا في جورجيا، ينبغي أن يقر الحد الأدنى عند مستوى 9.25 دولار، أو 15 في المائة أقل عن الحد الأدنى الوطني للأجور البالغ 10.90 دولار الذي من المفترض أن يتقاضاه عمال في فلاغستاف في أريزونا وغيرها من المناطق. ومع كل يناير، سيرتفع الحد الأدنى للأجور تبعاً للمتوسط الجديد للأجور بالنسبة للعمال الذين تقدر أجورهم بالساعة.
والتساؤل هنا: هل بمقدور الولايات المتحدة التعامل مع حد أدنى للأجور متعدد الطبقات؟ نحن نمارس ذلك بالفعل، فاليوم أقرت 29 ولاية الحد الأدنى لأجورها فوق مستوى 7.25 دولار؛ مما يعني أن وجود حدود أدنى مختلفة للأجور لن تمثل مشكلة. كما ستبقى الولايات والمدن تحظى بالحرية في إقرار حد أدنى أعلى للأجور.
الحقيقة أن مسألة الحد الأدنى الإقليمي للأجور لا يمثل تسوية بقدر ما يشكل نظرة معاصرة تجاه مشكلة قديمة. إننا بلد واحد يضم بين جنباته المئات من الاقتصاديات الصغيرة المختلفة التي تناضل في مواجهة قوى تكنولوجية تحدث تغييرات في طبيعة العمل وتدفع بأجهزة وآلات محل العمال منخفضي التكلفة.
وتبعاً للخطة الخاصة بنا، سيحصل كل فرد نهاية الأمر على 15 دولاراً حداً أدنى للأجر، لكن المناطق مرتفعة التكلفة، والتي يوجد الكثير منها على امتداد ساحل المحيط الهادي، ستتجاوز هذا الحد سريعاً تبعاً للوتيرة المناسبة لاقتصاداتها. ويمهد مثل هذا التوجه الطريق السياسية نحو إقرار زيادة كبيرة ودائمة في الحد الأدنى للأجور لملايين الأميركيين ـ وهو هدف ليس بالضئيل.
* خدمة «نيويورك تايمز»