تعديلات مقترحة لقانون الصحافة تثير الوسط الإعلامي السوداني

من دون مقدمات أو دواع، وجد الصحافيون السودانيون أنفسهم في مواجهة مع جهة مجهولة، دفعت بمقترح تعديلات على قانون الصحافة والمطبوعات 2009 لمجلس الوزراء، تبيح للجهاز الإداري السيطرة على الصحف والصحافيين، إيقافاً ومصادرة ومنعاً من الكتابة.
ففي جلسته 26 أكتوبر (تشرين الأول)، استعرض مجلس الوزراء مشروعاً قدمه وزير الإعلام أحمد بلال عثمان، تحت عنوان «مشروع قانون الصحافة والمطبوعات تعديل لسنة 2017».
ونقلت تقارير صحافية عن المتحدث باسم المجلس عمر محمد صالح قولهـ وقتها، إن مشروع القانون المعدل واءم بين «حماية حرية الصحافي» والضوابط المهنية والقانونية التي تحصن الممارسة الصحافية من «الانزلاق إلى الانفلات والفوضى»، فضلاً عن تنظيم «النشر الصحافي الإلكتروني».
لكن مجلس الوزراء مجتمعاً، أمر بـ«توسيع دائرة الحوار» حول مشروع القانون، وإعادة عرضه على المجلس بعد شهر من تاريخ العرض الأول، تنتهي في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
ورغم توجيه مجلس الوزراء الواضح بإتاحة مشروع التعديلات للحوار، فإن مقترح التعديلات أحيط بسياج من السرية والكتمان، إلى أن أفلحت صحيفة «التيار» المستقلة في الحصول على «نسخة مسربة» منه، سارعت بنشرها على الفور.
ووفقاً لما نشرته الصحيفة، فإن المشروع يتضمن تعديل مواد بقانون الصحافة والمطبوعات 2009، بما يمكن مجلس الصحافة والمطبوعات (إداري حكومي يتبع لرئاسة الجمهورية)، من إيقاف الصحافي عن الكتابة للمدة التي يراها مناسبة، وتعليق صدور الصحف لمدة 15 يوماً بعد أن كانت ثلاثة أيام، وسحب ترخيص الصحيفة مؤقتاً لثلاثة أشهر، ومنحه سلطة ترخيص مزاولة النشر الصحافي الإلكتروني.
وأدت مقترحات تعديل القانون إلى إثارة موجة من السخط والرفض في الوسط الصحافي، كما أثارت حالة من الجدل غير مسبوقة بشأن الحريات الصحافية في البلاد، وشرعت تجمعات الصحافيين في مقاومة التعديلات المقترحة، ونظمت كثيرا من الأنشطة المناوئة.
وسارع اتحاد الصحافيين السودانيين (مقرب من الحكومة) إلى عقد ورشة عمل تتناول تلك التعديلات في 12 نوفمبر الحالي، أجمع خلالها رؤساء تحرير وناشرون ورئيس اتحاد الصحافيين على جهلهم بتفاصيل مسودة التعديلات، إلاّ من خلال ما تسرب إلى صحيفة «التيار».
واتفق المشاركون في الورشة على رفض التعديلات، باعتبارها «لا تستند على دستور أو قانون»، إضافة إلى كونها مناوئة للتوقعات بإتاحة المزيد من الحريات الصحافية اتساقاً مع الأجواء السياسية التي أعقبت «الحوار الوطني، وحكومة الوفاق الوطني التي تمخضت عنه».
وتوعد رئيس اتحاد الصحافيين الصادق الرزيقي، بخطوات لإجهاضها، تتضمن مذكرات إلى رئيس مجلس الوزراء، وشن حملات صحافية مناوئة، ودعا الصحف والصحافيين لاتخاذ «موقف موحد» لرفض تلك التعديلات.
مجلس الصحافة والمطبوعات الصحافية، الذي يمثل الجهة الإدارية المنوط بها تطبيق القانون، سارع إلى عقد ورشة ثانية لمناقشة التعديلات المقترحة في 12 نوفمبر الحالي. وشهدت جدلاً عنيفاً باعتبار التعديلات إجهاضا لهامش الحريات الصحافية المتاح. «شبكة الصحافيين السودانيين» وهي مجموعة ضغط من أجل الحريات الصحافية مناوئة لاتحاد الصحافيين نظمت على الفور، حملة توقيعات لمناهضة تلك التعديلات وقعها عشرات الصحافيين.
ودعت «الشبكة» عضويتها لتنظيم وقفة احتجاجية في مجلس الصحافة والمطبوعات بالتزامن مع الورشة التي نظمها المجلس، فاقتحموا مباني المجلس وقاعة الورشة، يحملون لافتات ترفض التعديلات، وتدعو لـ«صحافة حرة أو لا صحافة»، وقاطعوا المنصة بهتافاتهم أكثر من مرة.
وتوعدت «شبكة الصحافيين» بتنظيم المزيد من الأنشطة المناوئة، ومواصلتها حتى تلغى تلك التعديلات المثيرة للجدل، والمنتهكة للحريات على حسب الشبكة.
ولم يؤيد التعديلات سوى الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات عبد العظيم عوض «معين في موقعه بقرار رئاسي»، فيما قال الصحافي الحائز على جائزة «بيتر ماكلر» المكافئة للشجاعة والنزاهة، فيصل محمد صالح، إن أي تعديلات ستكون حصيلتها قانون هو «الأسوأ مقارنة بالقوانين السابقة».
ودعا صالح لترك قانون الصحافة على ما هو عليه، والعمل على إزالة ما سماه «تعديات قانون الأمن الوطني، والممارسات غير القانونية الأخرى على الصحافة والصحافيين».
ويبدو أن مشروع تعديلات قانون الصحافة «بلا أب»، فبعد تبرؤ رئيس اتحاد الصحافيين منه، سارع وزير الإعلام أحمد بلال عثمان، ويشغل في الوقت ذاته منصب رئيس الوزراء إلى «إعلان براءة وزارته» من التعديلات التي تقدم بها للمجلس للإجازة، بقوله في مناسبة صحافية نظمتها وزارته الأربعاء الماضي، إنهم «بريئون» من مشروع التعديلات المقترحة، وتابع: «من أعد تلك التعديلات جهة أخرى - لم يسمها - ولن نكون الحيطة القصيرة في هذه المسألة».
لكن الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات عبد العظيم عوض، الذي أعلن في الورشة لأول مرة، أن لجنة مكونة من رئيس اتحاد الصحافيين، ورئيس مجلس الصحافة، وممثلين للقضاء والأمن والداخلية والعدل، وأفراد من بينهم قادة في الحزب الحاكم، هي التي أعدت مشروع التعديلات.
الصحافي فيصل محمد صالح اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط» التعديلات محاولة لتحويل قانون الصحافة والمطبوعات إلى «قانون نظام عام صحافي»، أسوة بـ«قانون النظام»، الذي يتيح سلطة واسعة لانتهاك الحقوق والخصوصية.
وفي ورقة قدمها عن مشروع التعديلات يقول صالح، إن «سجل السودان السيئ في مجال الحريات الصحافية، يرجع إلى عمليات المصادرة والإيقاف والمنع من الكتابة»، وأضاف: «إلاّ إذا أراد السودان أن يصنف مع دول مثل إريتريا وميانمار».
وتابع: «لا يوجد في الدنيا دولة تحترم كيانها وقوانينها، تشرع نصاً قانونياً لإيقاف الصحافي، سلطة الإيقاف الإداري تتعارض من حيث المبدأ مع المعايير الدولية لحرية التعبير التي أقرها السودان بنص دستوره».
بالنظر إلى ما يجري، فإن الصحافة السودانية مواجهة بـ«شتاء قارس»، بعد أن شهدت «صيفاً حاراً» تضمن مصادرة صحف، واعتقال ومحاكمة صحافيين بالسجن والغرامة.
بإضافة قيود جديدة على بلد يحتل موقعاً متدنياً في سجل الحريات الصحافية، كما ورد في مؤشر حرية الصحافة السنوي الذي تعد منظمة مراسلون بلا حدود عن أبريل (نيسان) 2017، فمن الراجح أن يتدنى تصنيف السودان أكثر.
ووفقاً لهذا المؤشر يقع السودان في المركز 174 من بين 180 دولة، في القائمة التي تتذيلها دول «فيتنام، الصين، سوريا، تركمانستان، إريتريا، وفي ذيل القائمة كوريا الشمالية» باعتبارها الأسوء في حريات الصحافة، فهل يتدحرج السودان إلى الخلف أم يحافظ على موقعه السيئ أصلاً؟!