مستقبل بريطانيا بعد «بريكست» مرهون بتعلم اللغات... وعلى رأسها العربية

توقع «المجلس الثقافي البريطاني» في دراسة له، أن تحتل اللغة العربية المرتبة الثانية بعد اللغة الإسبانية في قائمة أهم اللغات المستخدمة في بريطانيا خلال 20 عاماً. وتحث الدراسة، المدارس والجامعات البريطانية على إيلاء تدريس اللغات أهمية خاصة، ومن بينها العربية. وحسب المعلومات فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قريباً، سيحتِّم عليها البحث عن أسواق جديدة، ولذلك «أصبح الوعي والمهارات الدولية، كالقدرة على التواصل مع الناس على مستوى العالم بلغة غير الإنجليزية، أكثر أهمية من أي وقت مضى». وتواجه المملكة المتحدة حالياً عجزاً في إيجاد كفاءات بشرية ماهرة في اللغات، تتولى بعض الوظائف. ومما كشفت عنه الدراسة أن «ثلث البريطانيين فقط، يستطيعون، إجراء محادثة بسيطة بلغة أخرى، بينما يواجه تعلم اللغات في المدارس البريطانية (ظروفا صعبة). أما أهم 5 لغات تحتاج إليها المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهي اللغة الإسبانية، والماندرين (الصينية)، والفرنسية، والعربية، والألمانية».
وقد أظهرت البحوث التي أُجريت مؤخراً أن نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً في بريطانيا، والذين يمكنهم إجراء محادثة (بسيطة) باللغات الخمس الأولى هي كما يلي: الفرنسية (14%)، والألمانية (8%)، والإسبانية (7%)، والماندرين (2%)، والعربية (2%). وتعلق ألين كيوان المديرة الإقليمية للتسويق في «المجلس الثقافي البريطاني» في بيروت على هذه النسب بالقول: «هذا يؤكد الحاجة إلى تعليم اللغة العربية بشكل متزايد، كما يشير إلى فرص جديدة لمن يجيدون هذه اللغة». وهنا تلفت كيوان إلى أن الشبان العرب الذين يجيدون عدة لغات، فإن الفرص أمامهم تتسع ليس فقط في بريطانيا وحدها وإنما في العالم.
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن المجلس المشترك للمؤهلات، إلى انخفاض عدد التلاميذ في إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية بنسبة 7.3% في امتحانات اللغة في الشهادة العامة للتعليم الثانوي في العام الماضي، وانخفاضاً بنسبة 1% في المستوى الأول. وتشير أرقام هيئة المؤهلات الاسكتلندية، إلى أن الوضع مماثل في اسكتلندا، مع انخفاض كبير في تعلّم اللغة الفرنسية والألمانية في العام الماضي.
وعند سؤالنا عن الحاجات الجديدة للمملكة المتحدة تجيب كيوان: «بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد ستكون بحاجة إلى تدعيم أواصر علاقاتها التجارية والسياحية والدبلوماسية وفي كل مجال، مع دول خارج أوروبا، ومع دول تتحدث لغات مختلفة، بينما المهارات المطلوبة غير متوفرة في الوقت الحاضر». وحسب الأرقام فإن «النقص الحالي في المهارات اللغوية في المملكة المتحدة يعيق أداء التجارة الدولية في البلاد بتكلفة تبلغ نحو 50 مليار جنيه إسترليني سنوياً. وعند خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإنها تحتاج إلى قوة تجارية دولية خارج أوروبا».
وقام المجلس الثقافي البريطاني بدراستين حول اللغات المستقبلية التي تحتاج إليها المملكة المتحدة، نُشرت إحداهما عام 2013، وأخرى جديدة نُشرت مؤخراً، كما عقد مؤتمراً في لندن حول الحاجة إلى تعليم اللغة العربية حضرته عشرات الجامعات والمدارس البريطانية، وأصبحت على علم بالحاجات ورفعت إليها توصيات، تحثها على الاهتمام بتعليم اللغات. أما ما الإجراءات التي اتُّخذت؟ فتقول كيوان: «المعلومات باتت بين يدي المسؤولين عن هذه المؤسسات التعليمية ولكل مؤسسة أن تفعل ما تراه مناسباً للوصول إلى الغايات المطلوبة».
وتوضح الدراسة أهمية اللغة العربية التي «هي اللغة الأم لـ230 مليون نسمة بينما هي اللغة الثانية التي يفهمها ما بين 100 إلى 200 مليون شخص حول العالم، موزعين على مختلف القارات، بينما اللغة الفرنسية مثلاً هي اللغة الأم لـ76 مليون شخص، واللغة الثانية لنحو 100 أو 200 مليون شخص».
ونقرأ في التقرير حول اللغة العربية «إنها واحدة من أهم 10 لغات للتعليم الدولي. وذلك استجابةً للنمو الاقتصادي وتوسع النفوذ السياسي في عدد من دول الشرق الأوسط، فضلاً عن الاهتمام المتزايد والاستثمار في التعليم. وقد أنشئ عدد من الجامعات البريطانية في البلدان الناطقة باللغة العربية، وتحديداً في دولة الإمارات العربية المتحدة». ويضيف التقرير «اللغة العربية هي حاليا لغة أساسية في الوظائف الدبلوماسية والأمنية الدولية. وهي لغة الخصم (داعش) ولغة الدول المضيفة والبلدان التي للمملكة المتحدة معها شراكات دفاعية».
ويتبين أن 6% من المدارس البريطانية تدرِّس العربية. وقد عُرض على التلاميذ تعلُّم العربية للمرة الأولى عام 1995، وبلغ عدد المتجاوبين 1182 شخصاً، ووصل عددهم إلى 4 آلاف العام الماضي، علماً بأن هذا لا يدخل ضمن المناهج. وفي المملكة المتحدة 150 مدرسة عربية بدوام كامل وأخرى بدوام جزئي، عدا جامعات تهتم بتدريس اللغات وبينها العربية. وحسب معدي التقرير، فإن المملكة المتحدة وصلت إلى «منعطف حاسم لتعلم اللغة، وأن الاستثمار في تطوير المهارات اللغوية في البلاد أمر حيوي إذا أردنا أن نبقى دولة متصلة عالمياً». ويضيف: «الآن هو الوقت المناسب للشروع في سياسة جديدة جريئة ينبغي أن تكون عبر الحكومة، وعبر الأحزاب، وتركز على الحفاظ على تحسين القدرة اللغوية على المديين المتوسط والطويل». وحسب فيكي جوغ، مستشارة المدارس في «المجلس الثقافي البريطاني»: «إذا رغبت المملكة المتحدة في أن تكون عالمية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإنها يجب أن تصبح اللغات أولوية وطنية». ومما قالته أنه «من المقلق أن نواجه عجزاً في اللغات. وإذا لم نعمل على معالجة هذا النقص فإننا سنخسر من الناحية الاقتصادية والثقافية على حد سواء».
دراسات عدة تتقاطع نتائجها مع هذه الخلاصة. فقد نشر تقرير منذ عدة أشهر حول دراسة أجرتها شركة بريطانية على أكثر من مليون وظيفة معروضة في السوق لمعرفة اللغة المطلوبة إلى جانب الإنجليزية، لتخلص إلى أن «اللغة العربية تحتل المرتبة الثانية من بين اللغات التسع المطلوبة عند العمل إلى جانب الإنجليزية، ومن يجيد هاتين اللغتين يدخل في منافسة على عدد كبير من الوظائف المطلوبة، ويحصل على راتب أعلى بكثير من متوسط الرواتب التي يحصل عليها أقرانه ممن يجيدون الإنجليزية».